ميزانية الخير والتنمية الشاملة
استطاع مهندسو الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2021 في وزارة المالية أن يصمموا بنود الميزانية بخبرة من يستطيع أن يستوعب كل المتغيرات والتغيرات المحلية والدولية، وبالذات بعد تعرض الاقتصاد الدولي والاقتصاد المحلي لأضرار بالغة وعميقة بسبب جائحة كورونا.
ولذلك، روعي في وضع ميزانية الدولة التقديرية للعام المالي 2021 كل الظروف الصعبة التي سـيواجهها الاقتصاد الدولي عامة، والاقتصاد السعودي خاصة.
إن المتابع لأرقام الميزانيات الحكومية في المملكة للأعوام العشرة الماضية، يجد أنها تعكس المعطيات الاقتصادية لكل عام من تلك الأعوام العشرة، التي ارتبطت بشكل كبير بتحركات أسعار النفط صعودا وهبوطا، وبأسعار الدولار عملة تسعير النفط، وهذا الارتباط تعكسه حقيقة كون النفط ما زال المصدر الأهم للدخل الوطني السعودي. وقد أشار بيان وزارة المالية إلى أن السياسة المالية للمملكة ستواصل - من خلال ميزانية 2021 - العمل على تحقيق التوازن بين أهداف النمو الاقتصادي والمحافظة على الإستدامة المالية وتنمية الإيرادات غير النفطية ، واستمرار العمل على رفع كفاءة الإنفاق ، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في موارد الاقتصاد الوطني، وبقراءة متأنية للأرقام الواردة في الميزانية، نجد أن الميزانية هي محاولة لاسـتمرار تنفيذ برامج ومشاريع رؤية السعودية 2030، وتتوقع الميزانية بأن إجمالي إيرادات الدولة سيبلغ نحو 849 مليار ريال، بارتفاع 3.10 في المائة عن المتوقع تحقيقه في عام 2020، ومن المتوقع أن يستمر نمو إجمالي إيرادات الدولة حتى يصل إلى 928 مليار ريال في عام 2023.
وفي إطار الحرص على الاستقرار المالي والاقتصادي، سيتم التركيز على أولويات الإنفاق، مع ضمان مرونة كافية في التعامل مع التغيرات المالية الطارئة خلال عام 2021، كما سيتم إتاحة مزيد من الفرص أمام القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، مع مواصلة الإصلاحات المالية والاقتصادية لتسهيل ممارسة العمل وتنمية دور القطاع الخاص. وستستمر الجهود خلال العام المقبل لرفع كفاءة الإنفاق ورفع كفاءة التخطيط المالي لتحقيق أهداف النمو الاقتصادي المستدام ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030.
وفي ضوء ذلك، يقدر إجمالي الإنفاق في ميزانية العام المقبل 2021 بنحو 990 مليار ريال، منخفضا عن المتوقع لعام 2020 بنسبة 3.7 في المائة، وهو ما يشكل 5.34 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك مع استمرار جهود الحكومة في رفع كفاءة الإنفاق.
من ناحية أخرى، فإن النفقات التشغيلية يقدر لها أن تبلغ نحو 889 مليار ريال، منخفضة بنحو 4.4 في المائة مقارنة بالمتوقع في عام 2020، نتيجة التقدم في تنفيذ برامج التخصيص وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتقدر نفقات تعويضات العاملين بنحو 491 مليار ريال. وستواصل الحكومة تنفيذ سياسة أكثر اعتمادا على القطاع الخاص في توظيف الشباب السعودي من الجنسين، بما في ذلك في المشاريع الكبرى الجاري تنفيذها.
ويشير بيان وزارة المالية إلى أنه من المقدر أن ينخفض عجز الميزانية في العام المالي 2021 ليصل إلى نحو 4.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يستمر الانخفاض التدريجي على المدى المتوسط ليصل إلى ما يقارب 4.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 بما يعزز القدرة على التعامل مع الأزمات، من خلال المحافظة على استقرار المالية العامة والاقتصاد الوطني على المديين المتوسط والطويل.
وفي تصريح للأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، أكد فيه مواصلة اتخاذ كل ما من شأنه تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، مشيرا إلى أن أولويات الميزانية مواصلة العمل من أجل تحجيم آثار الجائحة وتحسين التعامل معها، ومن خلال حديثه توقع أن يشهد النمو الاقتصادي ارتفاعا مع الاستمرار في تنمية دور القطاع الخاص من خلال تحسين بيئة الأعمال والتقدم في برامج التخصيص.
ونلاحظ أن السياسة المالية التي تنفذها وزارة المالية تعمل على تلبية الاحتياجات التمويلية عن طريق سياسة تمويل متنوعة ما بين خيارات إصدارات الدين والسحب من الاحتياطيات الحكومية بهدف تمكين المملكة من إدارة المخاطر المستقبلية، كما تجدر الإشارة إلى أن عملية الاقتراض تتم وفقا للحاجة ضمن نطاق استراتيجية الدين العام التي تضمن بقاء مستويات الدين عند المعدلات الآمنة التي تحافظ على الاستدامة المالية للدولة، والحرص على التوازن في كل الأحوال والظروف.
ويسعى المركز الوطني لإدارة الدين العام في ضوء استراتيجية الاقتراض إلى تنويع أدوات التمويل ما بين السوقين المحلية والخارجية، مع التركيز على تطوير وتعميق أسواق الدين المحلية، إضافة إلى سعيه إلى الوصول إلى أسواق الدين العالمية ضمن استراتيجية إدارة المخاطر، والحصول على تسعيرات عادلة وغير مجحفة، كما تم أخيرا الاستفادة من منهجيات التمويل الحكومي البديل ضمن خطة الوزارة لدعم استمرارية واستكمال المشاريع التنموية الكبرى في المملكة بما يخدم رؤية السعودية 2030.
وعلى ضوء الأرقام التي حفلت بها الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2021، نلاحظ أن الدولة صممت - بمهارة شديدة - سياسة مالية ونقدية حافظت على تحقيق التوازن الاقتصادي والمالي في الأزمات، مع توفير كل فرص النمو، وفقا لمتطلبات رؤية السعودية 2030.
ولا يسعنا إلا نجزل الشكر والتقدير لكوادر وزارة المالية، الذين وفقوا في تصميم وإصدار الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2021، في ظروف نعترف بأنها صعبة وحرجة للغاية، تأثرت بها كل الاقتصادات العالمية.