«لا تشتكي لي .. أبكي لك»
من أصعب المواقف التي تمر على المرء، أنه عندما يلجأ إلى إنسان بعد الله، فيصدمه بجملة: "لا تشتكي لي .. أبكي لك".
فهذه الجملة، على الرغم من جمال ظاهرها، إلا أنها تخبئ خلاف ذلك. وقد تسهم في خيبة أمل الشاكي، الذي ربما كان أقصى طموحه هو التنفيس لا أقل ولا أكثر، فيجد في الجملة عقبة في طريق محاولته الطموح لإفراغ مشاعره السلبية.
إن أقصى ما نرجوه من أحبتنا هو الإصغاء إلينا. تلك الخدمة التي يسدونها لنا، تجسد عمق العلاقة، وتساعدنا وتسعدنا.
أقسى ما يمكن أن يقترفه أصحابنا هو تجاهل مشاعرنا بمثل تلك الجمل والأمثلة، التي قد تبدو نابعة من سريرة نقية، إلا أنها موجعة وتكاد تكون خانقة.
اعتدنا على قول تلك الجمل والعبارات دون مراجعة حقيقية لها. نظن أنها تواسي الآخر بينما هي تعمق حزنه وألمه.
عندما يصطفيك أحدهم ليبوح لك، ويفشي ألمه، فهو لا ينتظر منك أن تروي معانتك له وتشعل أحزانه. بل يتوقع منك أن تخمد أوجاعه، بإنصاتك واهتمامك ومواساتك. ذلك الوقت تحديدا غير مناسب لمشاركة جرحك وضيقك.
"لا تشتكي لي .. أبكي لك" تصب زيت الحزن على نار الألم. أنت في تلك اللحظة لست في مبارزة يفوز بها صاحب الدموع الأكثر. أنت إطفائي يجب عليك القيام بسلوك واحد، يكمن في إخماد الحريق بكل ما أوتيت من حواس ومشاعر.
تذكر أن من اتجه لقلبك وروحك لا ينتظر بكاءك، وإنما يحتاج إلى حسك وإحساسك.
تردد ألف مرة قبل أن تقول لأحدهم "لا تشتكي لي .. أبكي لك"، حتى لا يبكي لأنه اختارك وكنت الاختيار الخطأ.
كل ما نحتاج إليه هو كتف نضع رأسنا عليه، لنبوح ونستريح ونطرد السموم التي تصطخب في دواخلنا.
اجعل ابتسامتك تجفف دموعهم وتضمد جراحهم، ولا تجعل بكاءك يشعل حرائقهم ويعمق أوجاعهم.