أربعة في أربعة
لفت نظري أسلوب أحد القياديين، عندما جمعتني معه مهمة عمل. لاحظت حرصه على تعلم مهارة جديدة كل ربع سنة. يضع هدفا ربعيا له، على أن ينجح في اكتساب أربع مهارات سنويا.
أذكر أنه خلال فترة عملي كان يقضي وقتا طويلا مع إدارة المالية لاكتساب المبادئ الأساسية للميزانية، فضلا عن الدورات الخارجية التي التحق بها لهذا الغرض.
وعلى الرغم من براعته في إدارة المنشأة التي كان يشرف عليها، إلا أنه كان يتجدد في روحه القيادية.
فتارة ينشغل بمهارة لها علاقة بالتخطيط، وتارة أخرى بالذكاء العاطفي.
والمثير في هذا القيادي هو أنه يضع لافتة خلف مكتبه، يشاهدها كل من يزوره، عنوانها (4 في 4) وفي كل مربع يضع الهواية أو المهارة التي يتوق أن يفوز بها مع نهاية كل ربع.
ويشطب كل مربع استطاع أن يحقق الهدف الذي وضعه فيه.
فلم يصبح وحده المطالب بالإنجاز، بل نحن أجمعون، أصبحنا نتابع إنجازه ونغار منه، ونعمل على اقتفاء أثره.
يؤمن زميلي السابق بأن التطوير والاطلاع والتحسن هو السبيل الوحيد الذي يبقيك متقدما.
ولا أفاجأ كلما سمعت عن خبر جديد يتعلق بترقيته أو انتقاله إلى مكان أفضل، لأنه هو من قرر ذلك بالاجتهاد والعمل الدؤوب.
لم يكن يوما رهينا لمكان محدد أو منصب معين.
طموحه عال مقترن بالتطوير والتغيير. على عكسه تماما عاصرت زملاء فضلوا السكون على التنقل والارتحال، فظلوا ثابتين وغيرهم متحرك.
لقد أصبحت بعض الإدارات تسمى بأسماء رؤسائها الذين آثروا البقاء فيها، حتى تقاعدهم.
لا شك أن هناك ظروفا تصعب اتخاذك قرارا جريئا. لكن تكمن قوتك في عدم الرضوخ لتلك الظروف ومجابهتها والتغلب عليها، ولو بعد محاولات عديدة ومديدة.
يظل التطوير هو قرارك وليس قرار غيرك.
أكثر الأشخاص الذين نجحوا في تولي مهام قيادية كبيرة وتفوقوا فيها، هم أولئك الذين لم يقيدهم مكان أو زمان.
استطاعوا أن يقتحموا فرصا جديدة ويقفزوا على حواجز عديدة. كيف ينجح قائد لا يطلع ولا يستكشف ولا يقرأ ولا يتحرك ويتطور؟!
يقول الإمام الشافعي:
لولا التنقل ما ارتقت درر البحور إلى النحور
والقاطنون بأرضهم عندي كسكان القبور