الدبلوماسية السعودية وترسيخ مبادئ الأمن والسلم
منذ بواكير نشأتها كانت المملكة وما زالت تخطط لتصبح دولة عظمى تسهم في دعم السلم والأمن الدوليين، وتعمل على مكافحة الإرهاب ونشر الاستقرار في جميع أنحاء العالم.
ومنذ اجتماع سان فرانسيسكو في 1945 وقعت السعودية مع كبريات دول العالم على اتفاقية إنشاء منظمة الأمم المتحدة لتحل محل عصبة الأمم، بمعنى أن السعودية كانت إحدى الدول المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة، بل كانت من أهم الدول الراعية للأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم. وكذلك كانت السعودية في 1999 إحدى الدول المؤسسة لمجموعة العشرين، وهي المجموعة التي تسعى إلى تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي، والعمل على تحقيق معدلات عالية في مجالات التنمية الشاملة في كل دول العالم. وفي 2020 احتضنت الرياض قمة العشرين التي خرجت بقرارات مهمة تتعلق بدعم الجهود الأممية الرامية إلى مكافحة وباء كورونا، وقدمت المملكة أكبر دعم من أجل سلامة وصحة سكان الكرة الأرضية.
وفي 2017 استطاعت المملكة أن تنظم أكبر مؤتمر عالمي فوق كوكب الأرض، وهو مؤتمر القمة العربية الإسلامية الأمريكية الذي عقد في العاصمة الرياض وشارك في القمة قادة وممثلون من 55 دولة إسلامية وعربية وأمريكا، وصدر عن القمة تأسيس مركز عالمي اسمه "اعتدال" ومقره الرياض لمواجهة الفكر المتطرف ووظيفته تبادل المعلومات عن تحركات التنظيمات الإرهابية، وأكد بيان القمة الختامي التزام الدول المشاركة بمحاربة الإرهاب بكل أشكاله، وتم الاتفاق بين الدول المشاركة على محاربة جذور الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله، كما أوضح البيان ارتياح الدول المشاركة للعمل مع الحكومات الشرعية والتصدي للجماعات الإرهابية، ورحبوا بتوفير 40 ألف جندي كقوة احتياط لدعم العمليات ضد الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.
والواقع أن الدبلوماسية السعودية لها تاريخ طويل مع جهود المصالحة وإنهاء بؤر التوتر في أي مكان من العالم، وسبق أن نجحت السعودية في توفيق أوضاع الأشقاء اللبنانيين حينما جمعت الفرقاء في 1989 للتوقيع على اتفاق الطائف الذي أوقف حربا أهلية دامت أكثر من 15 عاما وقضت على الأخضر واليابس في لبنان العزيز. واكتسب اتفاق الطائف بعدين إقليمي ودولي حتى أصبح من أهم الاتفاقيات السلمية التي لعبت دورا مؤثرا في إنهاء التوترات في منطقة الشرق الأوسط.
ويسجل للدبلوماسية السعودية أنها صاحبة اتفاق السلام الذي طرحته المملكة على المجتمع الدولي في 1982 لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي من خلال تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية ترتكز إلى قرارات المجتمع الدولي، وتهدف إلى إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي الذي دام لأكثر من نصف قرن. وقدمت السعودية مشروع السلام بين الدول العربية وإسرائيل، واكتسب قبولا من المجتمع الدولي حتى أصبح مشروعا دوليا للسلام في الشرق الأوسط.
وبالنسبة لأفغانستان فقد كان للدبلوماسية السعودية دور في استتباب الأمن والسلم في منطقة الشرق الأدنى، وهناك قائمة طويلة من الجهود التي بذلتها الدبلوماسية السعودية لنشر الأمن والسلم والقضاء على بؤر التوتر وعدم الاستقرار في كل ربوع منطقة الشرق الأوسط، وهناك أدوار سعودية في العراق واليمن وسورية حتى بين الدول الخليجية، وجميعها كانت تهدف إلى التوصل إلى سلام دائم وشامل والقضاء على بؤر التوتر وإحلال الاستقرار والأمن.
واستضافت المملكة اجتماع المصالحة بين دولتين من دول القرن الإفريقي إثيوبيا وإريتريا، واجتمع الأشقاء بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ووقعا على اتفاقية جدة للسلام بين الدولتين الشقيقتين، حيث وضعت الاتفاقية حدا لخلافات استمرت لعقود طويلة من الزمن خسرت الدولتان خلالها خسائر جسيمة وفادحة في الأموال والأرواح.
والواقع أن سجل السعودية في مجال ترسيخ الأمن والسلم في المنطقة سجل ناصع ورائع وغير قابل للمزايدة. ومن جهودها الرامية إلى تحقيق الأمن والسلم في المنطقة رعايتها لمؤتمر يجمع الفصائل الفلسطينية فتح وحماس للمصالحة وإنهاء حالات المواجهة والصدام، وفي رحاب بيت الله الحرام وقع الفلسطينيون على اتفاق بإيقاف العمليات المسلحة والالتزام بقواعد الأمن والسلم.
وإذا رجعنا إلى الوراء في الأربعينيات الميلادية نلاحظ أن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود كانت له أدوار إيجابية ومهمة على كل المستويات، وكان يطالب أشقاءه العرب بالتفاوض وقبول قرار التقسيم الذي أصدره مجلس الأمن في 1947، وهو قرار كان يضمن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، كما أن الملك عبدالعزيز كان حريصا على عقد اتفاقيات الصلح والسلم مع كل دول الجوار حتى أمن مستقبل حدود المملكة وأسس لعلاقات دولية راسخة مع دول الجوار المحيطة بالسعودية. إن هذه الأدوار التي قامت وتقوم بها المملكة تؤكد أن السعودية دولة عظمى ورائدة تسعى من أجل ترسيخ مبادئ الأمن والسلم الدوليين.