العصر الاصطناعي ومستقبل الوظائف
لم يعد في مقدور الشركات والمؤسسات الإبقاء على موظفيها التقليديين، وبالذات في الإدارة العليا، إذ إن العصر الاصطناعي بدأ يدق بقوة أبواب هذه الشركات ويطالبها بإحلال موظفين من أصحاب المهارات الرقمية محل الموظفين التقليديين الذين لم يستطيعوا أن يغيروا بوصلة مهاراتهم ويحموا شركاتهم من الخسائر الفادحة التي أخذت تهدد بقاء واستمرار الشركات.
ويرى أصحاب الشركات أن حظوظ شركاتهم في المستقبل مرتبطة بشكل كبير بقدرتها على اجتذاب مجموعة من العاملين المؤهلين في مجالات تكنولوجيا المعلومات، وأن الصبر على الموظفين التقليديين قد نفد، وأن الوقت قد حان كي يغادر الموظفون التقليديون مواقعهم للمؤهلين والمتخصصين في تكنولوجيا المعلومات.
ووفقا لما ورد في تقرير مستقبل الوظائف في 2018 من المتوقع أن يتم إلغاء 75 مليون وظيفة بحلول 2022، وفي الوقت نفسه فإن العالم الرقمي يستطيع أن يوفر نحو 133 مليون وظيفة في إطار الوظائف الرقمية التي بدأت تجتاح المؤسسات والشركات في كل أنحاء العالم. وما يجب أن نسلم به أن نقص الكوادر الفنية المدربة بات يطول كل دول العالم وليس فقط دولا بعينها .وترى دول الخليج العربي أنها معنية جدا بتوفير وتأهيل مزيد من الكوادر الرقمية حتى لا تتعرض خططها التنموية الطموحة إلى الانحسار بسبب عدم توافر الكوادر الرقمية التي يقع عليها عبء تحريك المشاريع وتنفيذ برامج الخطط التنموية، وعلى سبيل المثال، فإن المؤسسات الصحافية في دول الخليج هي أكثر المؤسسات التي تحتاج إلى توفير الكوادر المؤهلة رقميا، وإلا فإن البديل المؤسف هو الإغلاق ــ لا سمح الله ــ ومغادرة سوق الإعلام. وفي ضوء ذلك، فإن سوق العمل ستحتاج إلى إعادة تشكيل المهارات الوظيفية لما لا يقل عن 54 في المائة من الموظفين بحلول 2022.
حتى لا نذهب بعيدا، فإن دول العالم جميعها في حاجة إلى تطوير مناهجها التدريبية والتعليمية، بحيث يوفر النظامان التدريبي والتعليمي العدد المطلوب من الكوادر الماهرة في مجالات تقنية المعلومات.
ولذلك نستطيع القول، إن المؤسسات والشركات ترى أن حظوظها المستقبلية مرتبطة بشكل متزايد بقدرتها على اجتذاب مجموعات من العاملين الماهرين في مجالات تكنولوجيا المعلومات، ومن المتوقع أن يصبح هذا النقص أكثر حدة في الأعوام القليلة المقبلة مع دخول الثورة الصناعية الرابعة في مراحلها المتقدمة.
ووفقا للبيانات الصادرة عن مؤسسة استشارات الموارد البشرية أنه بحلول 2030 سيكون هناك نقص عالمي يزيد على 85 مليون موظف في مجالات تقنية المعلومات، وهذا النقص يمثل عائدات سنوية ضائعة قيمتها نحو 8.5 تريليون دولار. وبناء على ذلك تتوقع مؤسسة كورن فيري، أن تشهد الولايات المتحدة وروسيا نقصا قوامه ستة ملايين عامل لكل منهما، في حين قد تواجه الصين عجزا في القوى العاملة يقدر بـ 12 مليون عامل من ذوي المهارات في تكنولوجيا المعلومات.
ويقول آلان جورينو رئيس مجلس إدارة مؤسسة كورن فيري، إن هناك طلبا مرتفعا على علماء البيانات ومهندسي البرمجيات والمبرمجين وخبراء الحوسبة السحابية ليس فقط في شركات البرمجيات وشركات التكنولوجيا، وإنما أيضا في الشركات المالية الكبرى التي أصبحت التطبيقات الرقمية فيها من أهم أدوات تنفيذ الأعمال وتحقيق التقدم، وفي ضوء ذلك، فإن المخاطر الاقتصادية ستتزايد مع تغلغل التكنولوجيا في عدد متزايد من القطاعات، فقد ارتفعت حصة التكنولوجيا من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بأكثر من ستة أضعاف منذ 1980. وهذا يعني أن النقص في المهارات البشرية سيؤدي إلى خسائر كبيرة لأي اقتصاد يعاني عجزا ونقصا في القوى العاملة المدربة والمؤهلة. ونلاحظ في المؤسسات المختلفة لدى دول الخليج نقصا ملحوظا في المهارات، وأن من يدير المؤسسات اليوم هم مجتهدون ينقصهم مزيد من الدراسات، ونؤكد أن الرقمنة مجموعة مجالات علمية تحتاج إلى دراسات ومؤهلات متخصصة ولم تعد مجرد اجتهادات شخصية.
إن التغيرات الكبيرة في سوق العمل يجب أن تتبعها تغيرات كبيرة في النظام التعليمي وبناء المهارات، ونعترف أنه لم يسبق أن كان الاستثمار في البشر له هذه الأهمية التي تشهدها أسواق العالم اليوم.
إن الثورة الصناعية الرابعة جعلت رأس المال البشري هو حجر الزاوية للنجاح والبقاء والاستمرار.
ويبدو أن جائحة كورونا أكدت ضرورة الاهتمام بالاستثمار البشري كمورد مهم من موارد استمرار الحياة وتحقيق النجاح والأرباح، حيث إن الطلب على الأطباء والممرضين والأطقم الطبية بلغ أقصى مداه في فترة اجتياز الوباء لكل أنحاء دنيانا.
إن المطلوب من جميع دول العالم أن تسرع إلى تطبيق منهج الرقمنة في كل أعمالها، وأن تواجه بشجاعة جائحة الفقر في الفنيين الرقميين حتى لا تقع فريسة وباء الجهل الرقمي، الذي بدأ يلمح إلى خطورة غياب أصحاب المهارات الرقمية عن مؤسساتنا الإدارية والفنية.