دماء في الرمال .. وإنفاق تريليونات الدولارات «2 من 2»

حدث معظم التدخلات العسكرية الأمريكية وتدخلات وكالة الاستخبارات المركزية في دول تناضل من أجل التغلب على الحرمان الاقتصادي الشديد. لكن بدلا من تخفيف المعاناة وكسب التأييد الشعبي، تقوم الولايات المتحدة عادة بتفجير البنية الأساسية الضئيلة التي يمتلكها البلد الذي تستهدفه، في حين تتسبب في فرار المهنيين المتعلمين للنجاة بحياتهم. إن مجرد نظرة سريعة على الإنفاق الأمريكي في أفغانستان يكشف لنا مدى تعنتها في سياستها هناك. وفقا لتقرير حديث صادر عن المفتش العام الخاص المكلف بإعادة إعمار أفغانستان، فقد استثمرت الولايات المتحدة ما يقرب من 946 مليار دولار خلال الفترة من 2001 إلى 2021، ورغم إنفاق ما يقرب من تريليون دولار، لم تفز الولايات المتحدة إلا بقلة من القلوب والعقول.
إليكم السبب، فإن من أصل 946 مليار دولار، ذهب مبلغ 816 مليار دولار بالكامل، أو 86 في المائة، للإنفاق العسكري على القوات الأمريكية. ولم ير الشعب الأفغاني سوى أقل القليل من المبلغ المتبقي (130 مليار دولار)، حيث ذهب مبلغ 83 مليار دولار إلى القوات الأمنية الأفغانية. وأنفقت عشرة مليارات دولار أخرى أو نحو ذلك على عمليات حظر المخدرات، بينما ذهب مبلغ 15 مليار دولار إلى وكالات أمريكية عاملة في أفغانستان. بهذا لم يتبق سوى مبلغ هزيل قدره 21 مليار دولار لتمويل الدعم الاقتصادي.
ومع ذلك، لم يسفر قسم كبير من هذا الإنفاق إلا عن أقل القليل من التنمية على الأرض، إن كان أي قدر من التنمية حدث حقا، وذلك لأن البرامج في حقيقة الأمر تدعم مكافحة الإرهاب، وتعزز الاقتصادات الوطنية، وتساعد على تطوير أنظمة قانونية فعالة ومستقلة ويسهل الوصول إليها".
باختصار، وصل أقل من 2 في المائة من إنفاق الولايات المتحدة في أفغانستان، وربما أقل كثيرا من 2 في المائة، إلى الشعب الأفغاني في هيئة بنية تحتية أساسية أو خدمات للحد من الفقر. كان بوسع الولايات المتحدة أن تستثمر في المياه النظيفة والصرف الصحي، والمباني المدرسية، والعيادات، والاتصالات الرقمية، والمعدات الزراعية والإرشاد الزراعي، وبرامج التغذية، وعديد من البرامج الأخرى لانتشال البلاد من براثن الحرمان الاقتصادي. لكنها بدلا من ذلك تخلف من ورائها بلدا حيث يبلغ متوسط العمر المتوقع 63 عاما، ومعدل الوفيات بين الأمهات 638 لكل 100 ألف ولادة، ومعدل تقزم الأطفال 38 في المائة.
ما كان ينبغي للولايات المتحدة أن تتدخل عسكريا في أفغانستان أبدا ليس في عام 1979، ولا عام 2001، ولا خلال الـ 20 عاما التالية. لكن بمجرد وصولها هناك، كان بوسعها، بل كان واجبا عليها أن تعمل على تعزيز أفغانستان أكثر استقرارا وازدهارا من خلال الاستثمار في صحة الأمهات، والمدارس، والمياه النظيفة، والتغذية، وما إلى ذلك. كانت مثل هذه الاستثمارات الإنسانية، خاصة التي يجري تمويلها بالمشاركة مع دول أخرى عبر مؤسسات، مثل بنك التنمية الآسيوي لتساعد على إنهاء إراقة الدماء في أفغانستان، وغيرها من المناطق الفقيرة المحرومة، واستباق أي حرب في المستقبل.
مع ذلك، لا يدخر القادة الأمريكيون جهدا في التأكيد للجمهور الأمريكي على أننا لن نهدر أموالنا على مثل هذه التفاهات. الحقيقة المحزنة هي أن أهل الطبقة السياسية الأمريكية ووسائل الإعلام يحتقرون شعوب الدول الأكثر فقرا، حتى حين يتدخلون بلا هوادة وبكل تهور في هذه الدول. بالطبع، يحتقر كثيرون من أهل النخبة في أمريكا فقراء أمريكا ذاتها على نحو مماثل.
في أعقاب سقوط كابول، تلقي وسائل الإعلام الجماهيرية في الولايات المتحدة، كما هو متوقع، بالمسؤولية عن فشل الولايات المتحدة في أفغانستان على الفساد غير القابل للإصلاح هناك. الواقع أن الافتقار إلى الوعي الذاتي في أمريكا مذهل. وليس مستغربا بعد إنفاق تريليونات الدولارات على الحروب في العراق وسورية وليبيا وغيرها، أن تعجز الولايات المتحدة عن إظهار أي نتيجة لجهودها سوى دماء في الرمال.
خاص بـ «لاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي