بريطانيا .. رفوف المتاجر الفارغة رسالة مرئية من جهة غير مرئية
أدى النقص في سائقي الشاحنات إلى تفريغ الرفوف في المتاجر البريطانية. حتى إن هناك حديثا عن استدعاء الجيش من أجل المساعدة. أما بالنسبة إلى أولئك الذين أرادوا أن تبقى المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الأوروبي، يبدو أن هذه هي اللحظة المناسبة لقول، "لقد قلنا لكم، إن خروج بريطانيا من الاتحاد كان كارثيا". لكن هذا يجانب النقطة المهمة. الرفوف الفارغة هي رسالة مرئية من قوة عاملة عادة ما تكون غير مرئية. إنهم يخبروننا بقصة الخطأ الذي وقع في تلك الزاوية من اقتصاد القرن الـ21 - وليس فقط في المملكة المتحدة.
في وقت سابق من هذا العام بدأ دومنيك هاريس، الذي عمل سائق شاحنة منذ 2012، بالشعور بالدوخة والتوعك. توجه إلى المستشفى، وهناك أخبرته الممرضة أن مشكلته هي الإرهاق. هناك حدود قانونية لساعات القيادة، بإمكان سائقي مركبات البضائع الثقيلة القيادة لتسع ساعات فقط في اليوم "حاليا هي عشر ساعات بسبب النقص".
كان من المعتاد لهاريس، البالغ من العمر 39 عاما، أن يخرج من المنزل لمدة 12 إلى 15 ساعة في اليوم. وعندما يعود يكون مرهقا جدا لدرجة أنه يذهب إلى السرير مباشرة. يقول، "لقد خسرت عديدا من العلاقات مع أصدقائي، لم أعد دوم القديم نفسه".
قد تكون ساعات العمل غير متوقعة. نص إعلان لوظيفة حالية من شركة إكس بي أوه "ستعمل 45 ساعة على الأقل في الأسبوع على أساس نمط مناوبات ’في أي خمسة أيام من الأسبوع‘ لذلك قد تتغير أيام عملك كل أسبوع وقد يتضمن ذلك العمل في عطلة نهاية الأسبوع. وستبدأ العمل في الصباح الباكر ويجب أن تكون على استعداد للعمل طوال الليل".
على الرغم من ساعات العمل القاسية وحقيقة أنهم في الأغلب ما يحصلون على الأجر مقابل مؤهلاتهم "يتقاضى هاريس 1500 جنيه استرليني"، فإن السائقين ينحدرون للأسفل في سلم الأجور. في عام 2010، كان متوسط دخل سائق الشاحنات الثقيلة لنقل البضائع في المملكة المتحدة يزيد 51 في المائة للساعة على متوسط دخل أمين صندوق المتجر. وبحلول عام 2020، كان قسط التأمين 27 في المائة فقط. وقد واجهوا ضغوطا خاصة في الأعوام الخمسة الأخيرة، ارتفع متوسط الأجر بالساعة لسائقي الشاحنات 10 في المائة منذ 2015 إلى 11.80 جنيه استرليني، مقارنة بـ16 في المائة موظفي المملكة المتحدة كافة. يقول توماسز أورينسكي، وهو سائق شاحنة وصحافي مقيم في اسكتلندا، يخطط للانتقال إلى فنلندا، "لماذا أريد أن أكون سائق شاحنة، مع كل تلك المسؤوليات وساعات العمل الطويلة وغير المتوقعة، إذا كنت أستطيع الذهاب إلى متاجر آلدي وأجني 11.3 جنيه استرليني في الساعة مقابل ملء الرفوف؟".
يقول كيران سميث، المدير التنفيذي لوكالة درايفر ريكواير للتوظيف، إن أصحاب الأعمال خفضوا تكاليف العمالة من أجل التنافس على العملاء الأقوياء مثل متاجر السوبر ماركت. "يمتلك العملاء قوة شرائية هائلة وقد أجبروا شركات النقل على تقاضي أقل هوامش الربح". يضيف أن كثيرا من السائقين يتركون العمل في الثلاثينيات من عمرهم لأن ساعات العمل تجعل الأمر شبه مستحيل للمساهمة في تربية الأطفال، حتى إن الدخل ليس كافيا لمساندة بقاء الشريك الآخر في المنزل.
نتيجة لذلك، القوة العاملة تتقادم في العمر. في عام 2000، كان هناك انقسام متساو بين العمال الأكبر من 45 عاما والأصغر من ذلك. الآن عدد العمال الأكبر من 45 يقدر بـ62 في المائة. ويجتاز ما بين 20 ألف و40 ألف شخص الامتحان ليصبحوا سائقي شاحنات في العام غير المتأثر بالجائحة، لكن يبدو أن كثيرين يتركون هذا القطاع. ترك هاريس العمل هذا الصيف ليبدأ عملا في العناية بالقبور. إنه عمل مسالم وهو يحب العلاقات التي يقوم بتكوينها. ولا يرغب في العودة.
تقادم السن بالنسبة إلى القوة العاملة ونقص العمالة ههما من المشكلات الموجودة في الدول الأخرى أيضا. في أوروبا ترسل بعض الشركات الأوروبية الشرقية سائقين للعمل في الدول الغربية بمعدلات الأجور في الشرق.
في المملكة المتحدة كان مستوى المشكلة مخفيا قبل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من خلال توفير سائقين من الاتحاد الأوروبي ساعدوا على ملء الشواغر. إضافة إلى ذلك، سمحت ثغرة للسائقين في سوق العمل سيئة التنظيم في المملكة المتحدة بتأسيس أنفسهم على شكل شركات محدودة. أدى هذا إلى زيادة أجرهم الصافي عن طريق خفض الضرائب "على حساب حقوقهم كعمال". أغلقت الحكومة الثغرة هذا العام، الأمر الذي دفع بعض السائقين إلى المغادرة. في غضون ذلك، أدت جائحة كوفيد إلى إلغاء اختبارات السائقين الجدد ودفعت كثيرا من الأوروبيين للعودة إلى ديارهم.
يقول أدريان جونز، من نقابة "يونايت"، إن النقص في العرض يعني أن السائقين الآن يتمتعون بلحظة من النفوذ. وهو يريد أن يرى إصلاحات طويلة الأجل كما هي الحال في هولندا، حيث يتم التفاوض على اتفاقية جماعية بين أصحاب العمل والمجموعات النقابية التي تحدد أرضية للأجور والشروط عبر القطاع. يقول إدوين أتيما، من اتحاد النقابات العمالية الهولندية، "ستصبح هذه الاتفاقية الجماعية قانونا، لذا فهي تمنح موردي النقل القدرة على أن يقولوا لعملائهم، هذا هو القانون، لذلك لا يمكنني أن أعطي سعرا أرخص من هذا".
لكن بعض أصحاب العمل ما زالوا عازمين على إصلاحات قصيرة الأجل. تقدم شركة تسكو للسائقين الجدد مكافأة قدرها ألف جنيه استرليني و"علاوة مؤقتة" على مدى ستة أشهر. وتحذر الشركة قائلة: "إن جميع الحوافز المؤقتة هي وفق تقدير شركة تسكو وتخضع للمراجعة والتغيير والإزالة".
إن قصة أرفف بريطانيا الفارغة، مثل قصة فراولتها غير المقطوفة ودجاجها غير المعالج، هي قصة تحكي كيف أن الهجرة المقترنة بسوق عمل ضعيفة التنظيم وتجار تجزئة أقوياء للغاية، سمحت لبعض البضائع والخدمات كي تصبح رخيصة بشكل غير دائم. لقد اقتطع النظام أموالا من فواتير التسوق الخاصة بنا ولكنه لم يكن مرنا. الذين صوتوا لمصلحة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي محقون في قولهم إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ساعد على حصول الأزمة الحالية، لكن من الخطأ القول إن كل شيء كان على ما يرام بدونه. والذين صوتوا لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي محقون في القول إن الهجرة ساعدت في كبح أجور السائقين، لكن كما أثبتت هولندا، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يكن هو الطريقة الوحيدة لحل الأزمة.
النقص في العمالة هو لحظة للتفكر. إذا استخدمناها فقط للجدل بشأن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، سنغرق الدروس الحقيقية في خضم الضوضاء.