من الفريق البحثي إلى السوق

أعلنت جامعة تورونتو الكندية مطلع هذا الأسبوع عن نجاح فريقها البحثي، بقيادة بروفيسور هندسة الاتصالات جورج إليفثريادس، من تحقيق اختراق تقني يمكن من زيادة سعات شبكات الاتصالات اللاسلكية إلى الضعف. ويعزى تحقيق تلك الخاصية - مضاعفة سعة الاتصال السلكي - إلى التمكن من إرسال واستقبال الإشارات اللاسلكية في الفترة الزمنية نفسها وعلى التردد نفسه من دون إحداث أي تداخل بين الإشارات.
ومقارنة بالتقنيات السائدة، كنظام الجيل الخامس للاتصالات الخلوية، فإن الاستقبال والإرسال يحدث على التردد ذاته، ولكن عبر فترتين زمنيتين مختلفتين. ولقصر المدة بين تلك الفترتين، لا يلحظ المتصل أو المستقبل للمكالمة أي فرق أو تأخير أثناء الحديث. وعودا على الاكتشاف العلمي، استطاع الفريق تطوير وحدات استقبال وإرسال تتمتع بخاصية إرسال إشارتين متزامنتين، ولكن بفارق في البعد المكاني. ولتقريب الصورة، يمكن تشبيه مسار الإشارتين بعبور مركبتين على طريق مزدوج، وباتجاهين مختلفين من دون حدوث أي تصادم. إن القدرة على الفصل بين موجات الاتصال وهي تسير بسرعة الضوء والتحكم في رحلة عبورها عبر مسار حيزي معين، يعد أقرب للخيال منه للواقع.
إن سبب إيراد هذا الخبر ليس الاكتشاف العلمي وحده - وإن كان على أهميته -، بل هو الانتقال السلس والتحويل المنطقي لمخرجات البحث التطبيقي إلى منتج أولي قابل للإثبات ومن ثم التصنيع والتسويق. حيث انتهى دور فريق البحث المكون من البروفيسور إليفثريادس ومساعده باحث ما بعد مرحلة الدكتوراه، بإثبات نظرية هذا الاكتشاف في المعمل الخاص بهما. وبسبب نضج البيئة البحثية والابتكارية، إلى جانب عدد من الأسباب الأخرى لا يتسع المقال لذكرها، استطاعت LATYS، وهي شركة ناشئة متخصصة في تقنيات الهوائيات antennas وتطبيقاتها في الاتصالات اللاسلكية، تبني هذا الاكتشاف وتطويره، ليكون قابلا للتسويق لدى مصنعي أنظمة الاتصالات اللاسلكية.
وبإلقاء نظرة سريعة على موقع تلك الشركة الناشئة، تجد أن فريقها الاستشاري يتضمن مجموعتين من قطاعين مختلفين، هما قطاع البحث الأكاديمي وقطاع الصناعة والتقنية. إن هذا التنوع في اختيار تشكيلات فرق العمل وتقديم المشورة يجسد أهمية التواصل بين العناصر المختلفة في حلقة الابتكار، وذلك لزيادة التنسيق بين مخرجات الأبحاث واحتياجات السوق. وهذا ما شدد عليه رئيس قسم هندسة الكهرباء والحاسب الآلي في جامعة تورونتو بتأكيده على أهمية العلاقة بين قسم الهندسة في الجامعة وبين عالم الأعمال.
ولم تقف دورة حياة هذا المنتج التقني عند هذا الحد، بل قام صندوق استثماري وحاضنة أعمال ومقرهما في مونتريال الكندية، باستضافة شركة LATYS لتساعدها على تحقيق نمو سريع وتربطها بعالم الشركات التقنية والصناعية، لتعزيز فرص التوسع والاستثمار. إن دورة هذا المنتج التقني وبداية نشأته في أروقة ومعامل الجامعة وتبنيه من قبل شركة ناشئة، ومن ثم احتضانه في مسرعة للأعمال، يرسم مشهدا لافتا لسلسلة الابتكار التقني. كما يعطي هذا المشهد تصورا عن كيفية تحقيق الميزة التنافسية عبر تلك الاكتشافات العلمية.
ولأهمية الابتكار في تعزيز التنافسية وتنويع مصادر الدخل، فقد قامت حكومة المملكة بإنشاء هيئة تعنى بالبحث والتطوير والابتكار، للدفع بعجلة الاقتصاد القائم على الابتكار وتحقيق الاستدامة والتنمية الاقتصادية. كما تبنت المملكة مشاريع طموحة للاستثمار في التعليم والتدريب، ودعم الشركات الناشئة وتطوير بيئة ريادة الأعمال في خطوات منها لتعزيز البيئة الابتكارية للمملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي