شركات التقنية الكبرى .. مخاطر من كل جانب
أثارت حادثة انقطاع خدمات شركة فيسبوك وشركاتها التابعة "واتساب" و "إنستجرام" الإثنين الماضي، وخروج كامل خدماتها عن الخدمة لما يقارب السبع ساعات، التساؤلات حول قدرة شركات التقنية الكبرى على مواجهة تلك المخاطر، وهل تستطيع تلك الشركات التقنية بعد تحقيقها معدلات نمو غير مسبوقة إحكام سيطرتها على أعظم ما تملكه من أصول غير ملموسة كالبيانات والمعلومات؟.
عديد من الخبراء التقنيين تنبأوا بأن سبب هذا الانقطاع يعود لخلل فني في خوادم نظام اسم المجال DNS التي تقوم بعملية تحويل أو ترجمة أسماء نطاقات مواقع الإنترنت إلى عناوين IP، حتى تستطيع قراءتها الشبكات المستضيفة لتلك المواقع. كما تزامن هذا الانقطاع أيضا مع عدم قدرة موظفي "فيسبوك" المسؤولين عن تشغيل وإدارة الخوادم عن الولوج لحساباتهم، باستثناء خدمة البريد الإلكتروني، لتصحيح الخلل. بيد أن شركة فيسبوك لم تصدر بيانا تقنيا تذكر فيه السبب الرئيس وراء هذا الانقطاع، غير أن إعدادات الخوادم قد غيرت ثم أعيدت إلى ما كانت عليه لتعود الخدمة بكاملها.
إن الصعود غير المسبوق لكثير من شركات التقنية الكبرى التي يطلق على بعضها لقب "أحادية القرن" Unicorn بسبب تخطيها حاجز المليار دولار في وقت قياسي، قد يثير مخاوف تعرضها لهبوط مدو يهوي بتقييمها إلى القاع. عادة ما تقيم الشركات بمدى قوة تدفقاتها النقدية أو بالأصول التي تملكها، أو بنماذج العمل الفريدة والابتكارات التي أحدثت إرباكا في السوق التي تستهدفها. وفي اختلال أي من تلك العوامل تتأثر قيمة تلك الشركات دراماتيكيا. الملف للانتباه أن شركات التقنية تتأثر بتلك العوامل أكثر من غيرها من الشركات التقليدية التي تملك أصولا ملموسة أو لديها استقرار في مداخيلها المالية، إضافة إلى نضج الأنظمة والتشريعات المنظمة لأعمالها داخليا وفي السوق التي تعمل فيها.
إن الشركات التقنية التي حققت تقييما عاليا في بداية نشأتها، غالبا يستند ذلك التقييم إلى نموها المتوقع بسبب ما أبدعته من نماذج عمل أو خدمات مبتكرة. ولكن تظل تلك الشركات التقنية معرضة لدخول منافسين جدد يربكون المشهد ويسحبون البساط من تحتها، مثل ما حدث مع شركة ياهو ودخول شركات بمنتجات ونماذج عمل مختلفة مثل "جوجل" و"فيسبوك" أو "واتساب". ولك أن تتصور أن سهم شركة ياهو وصل إلى 118 دولارا في 2000 وفي غضون تسعة أشهر هوى إلى أقل من عشرة دولارات. كما أن عملية الاختراق التي تعرض لها موقع ياهو وتسبب في تسريب معلومات 500 مليون مستخدم في 2014 فاقم من موقع الشركة بين منافسيها.
عامل الأنظمة والتشريعات أيضا لا يقل تأثيرا عن الابتكار المزعزع في شركات التقنية الكبرى. وأقرب شاهد على ذلك، ما تسببت فيه تشريعات الحكومة الصينية على شركات التعليم عن بعد وتقييدها في مدة ونطاق خدماتها. وكذلك تشريعات الحكومة الصينية المتعلقة بخوارزميات منصات وسائل التواصل، والقيود المفروضة على مشاهدات ألعاب الفيديو. كل تلك التنظيمات والقيود كان لها تأثير عميق في عمليات تلك الشركات وبالتالي تقييمها المالي. والأمر ينطبق كذلك على شركات التقنية، خصوصا العاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي، قد تؤثر فيها أي تشريعات محتملة تحد من أعمالها.
وعند تأمل بعض شركات التقنية الكبرى التي صعدت صعودا هائلا وأعقبه سقوط مدو، استحضرت قانون نيوتن في الحركة الذي ينص على أن "لكل فعل ردة فعل، مساوية له في القوة ومعاكسة في الاتجاه". فالبناء المفتقد للأصول الملموسة والمعرض للابتكارات المزعزعة أو التشريعات المستحدثة معرض للمخاطر أكثر من غيره.