المهارات الناعمة
قد تكون إحدى حسنات جائحة كورونا هو اعتياد الناس على عقد اجتماعاتهم ولقاءاتهم افتراضيا، أو باستخدام ما يسمى الاتصال المرئي أو عن بعد. حيث برزت عدة منصات توفر خدمات الاجتماعات الافتراضية، كما أن مجملها يقدم الخدمة الأساسية بلا رسوم. ومع ازدياد الإقبال على تلك الخدمة، وتفضيل اللقاء الافتراضي على الاجتماع الحضوري في عديد من الجهات، سواء في بيئة العمل أو التعليم أو حتى على المستوى الشخصي، تطورت منصات الاتصال المرئي في فترة وجيزة.
بعض تلك الخدمات التي توفرها هذه البرامج، ميزات تتعلق بإدارة الاجتماع كالتحكم بمن يستطيع الدخول لقاعة الاجتماع الافتراضية ابتداء، أو مقدرة مدير الاجتماع على السماح للحضور بالمشاركة من عدمها. كذلك توفر تلك المنصات خدمات التصويت بطريقة ميسرة عبر إيماء باليد افتراضيا أو إضافة رمز الموافقة على شاشة كل مشارك. من الميزات أيضا في الاجتماعات الافتراضية، خصوصا التي تضم أعدادا كبيرة من الحضور، هي خاصية توزيع الحضور على غرف افتراضية مصغرة breakout room، إما لإثراء نقاش أو إنجاز مهام مسندة لكل فريق.
وأثناء مشاركتي في بعض تلك الاجتماعات الافتراضية، تفاجأت بأن عددا ليس بقليل لا يتقن بعد أساسيات هذه البرامج ككيفية المشاركة والتصويت أو حتى التحكم بالصوت من حجب ونحوه. كذلك يغيب عن كثير من الناس بعض القواعد العامة أو "الإتيكيت" المرتبط بهذا النوع من الاجتماعات، ككتابة الاسم بشكل كامل غير مبهم، أو تفعيل الصوت والصورة معا أثناء المشاركة والحديث، وأخيرا وليس آخرا إخطار مدير الاجتماع عند مغادرة الاجتماع قبل انتهائه.
إن المقدرة على التعامل مع تلك الخدمة الحديثة أو غيرها لم تكن منتشرة قبل عام 2019، ما هو إلا مثال على إحدى المهارات الناعمة التي يمكن اكتسابها وتعلمها وأقصد بذلك مهارة التواصل باستخدام التقنية. وفي ظل تقدم التقنية بوثبات متسارعة والاعتماد بشكل متزايد على الأتمتة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن تعلم وإتقان مهارات ناعمة بات أمرا ملحا. ومما يؤكد هذا الطرح ما جاء في تقرير ماكينزي حول مستقبل الوظائف مع انتشار الأتمتة في قطاع الأعمال تحديدا، حيث يذكر التقرير أن نحو الـ 30 في المائة من ساعات العمل المقضية على أيدي العاملين قد يتم إنجازها بأنظمة التشغيل أو الميكنة الآلية بحلول عام 2030. إن دخول التقنية في مجالات الصناعة والأعمال عموما، تعني الاستغناء عن نسبة من اليد العاملة، خصوصا تلك التي تتطلب جهدا حركيا أو بدنيا.
إن وظائف المستقبل ستفرض واقعا جديدا وستتطلب مزيجا مختلفا من المهارات والمؤهلات. إن الاعتماد الكلي على المؤهل الجامعي أو المهني لن يكون كافيا، وأيضا الاكتفاء بالمهارات الناعمة أو الاجتماعية ليس كافيا وحده. فالجمع بين الاحتراف المهني أو التخصص العلمي والمهارات الاجتماعية سيزيد فرص العمل المستقبلية للمتقدم ويوسع مجموعة الخيارات التي ستكون متاحة لمن يجمع بين الأمرين.
فالاستطاعة على التكيف أو المرونة المعرفية أو الذكاء العاطفي، من المهارات الناعمة التي قد تكون المفاضلة بين الباحثين عن العمل وفقا لاكتسابهم أو تمتعهم بتلك المهارات. بعض المهارات المهمة أيضا كالتعاون، والتواصل، والتفكير النقدي أو حل المسائل المعقدة، معظمها سيكون جزءا رئيسا من متطلبات وظائف المستقبل. إن سوق العمل سواء المحلية أو العالمية آخذة بالتشكل من جديد، فارضة قواعد ومهارات مختلفة، فإما أن يختار الباحث عن العمل التطوير ومواكبة التعلم ليلحق بالركب، وإما انحسار الفرص أمامه سيكون الاحتمال الأكبر.