«فيسبوك» .. تحول تقني أم تغيير لنماذج العمل؟

قبل أن أشير إلى خبر إطلاق شركة فيسبوك هويتها الجديدة "ميتا فيرس" وإعلانها حزمة من التغييرات الجذرية في برامجها وتطبيقاتها التقنية، أود أن أطلع القارئ على بعض المفاهيم التي تتصل بالسياسات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي. حيث تعتمد شركة فسيبوك في برامجها للتواصل الاجتماعي على عديد من خوارزميات الذكاء الاصطناعي. فبعد تعريض تلك الخوارزميات إلى كم هائل من البيانات وتدريبها على التنبؤ واستنباط نتيجة معينة، أو التمييز بين حالات متغايرة أو تحديد أوجه التشابه مثلا بين نظيرين، تتطور تلك الخوارزميات لتكون قادرة بنفسها على التعامل مع حالات جديدة لم تتعرض لها من قبل. وهنا تكمن الخطورة في إطلاق العنان لتلك البرمجيات بالاستكشاف، أو تحديد الصواب من الخطأ أو التمييز المبني على العرق أو اللون، دون تقييد لطريقة عملها أو وضع سياسات تقنن قدرات تلك البرمجيات.
تتعدد التطبيقات التي قد تفرض فيها خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحديات على مستخدميها، إذا ما روعيت بعض السياسات الأخلاقية المتعلقة بتلك البرمجيات. من أكثرها إلحاحا تطبيقات السيارات المستقلة أو ذاتية القيادة التي تستعين في تعاملها مع الظروف المحيطة بها بقدرات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار الصائب في الوقت الصائب. إن أي اختلال في تلك الخوارزميات وفي القرارات التي تتخذها قد تؤدي للتلف في الأرواح. مسألة أخرى تتعلق بالملكية الفكرية، حيث أعيد ترميم لوحة فنية للرسام رامبرانت باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق ومن ثم طباعتها بأبعاد ثلاثية. ففي هذه الحالة لمن تعود ملكية التحفة الفنية للرسام أم لمطوري تلك الخوارزميات؟ إن هاتين المسألتين تؤكدان أهمية وجود قواعد وسياسات أخلاقية تحكم تلك البرامج، وتقنن المدى الذي يمكن أن تصل إليه.
وفي نهاية الشهر الماضي، أعلنت "فيسبوك" تغيير مسمى الشركة إلى "ميتا فيرس" متزامنا مع إطلاق هوية جديدة للشركة. حيث عللت الشركة ذلك التحول بالتركيز على الموجة الجديدة في عالم الحوسبة التي تتمحور حول العالم الافتراضي. فمن خلال ذلك التحول، تهدف "ميتا فيرس" إلى تطوير تطبيقات العالم الافتراضي والمعزز بشكل موسع، ليشمل كل شيء نتعامل معه من حولنا، كاجتماعات العمل أو الحياة الاجتماعية أو التسوق.
لكن هل السبب الرئيس لتحول "فيسبوك" كان مدفوعا بتبني الموجة التقنية المقبلة (عالم افتراضي متكامل) ومواصلة نموها، أم أن هذا القرار أتى بعد الانتقادات الواسعة التي لقيتها بسبب خوارزمياتها الذكية التي تتعامل عبرها مع بيانات البلايين من المستخدمين، أو انتهاكات خصوصية البيانات التي وجهت لها؟
في بحث رصين نشر في شهر حزيران (يونيو) من هذا العام في مجلة "الذكاء الاصطناعي والأخلاق" لمؤلفه ديفيد لاور، ذكر فيه أن إخفاقات "فيسبوك" ليست عرضية، بل هي جزء من نموذج العمل. وكان من أبرز ما تناوله ذلك البحث هو إشارته إلى طريقة عمل خوارزميات "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، حيث تعتمد بالأساس على إيجاد ما يسمى بفقاعات التصفية filter bubbles، والاستفادة من تقسيم مستخدمي التطبيق إلى مجموعات منفصلة تتشارك في قيم محددة لتتسبب في وجود استقطاب حاد بين المستخدمين. حيث يذكر لاور أن هذه المنهجية تساعد على زيادة التفاعل وانتشار ما يطرح على التطبيق من محتوى بشكل كبير. وبهذا النموذج، تحقق الشركة أرباحها مستفيدة من هذا الانتشار، ما يحتم مراجعة السياسيات الأخلاقية لخوارزميات الذكاء الاصطناعي كما يشير الباحث.
وأختم بمنشور طريف نشرته شركة M-sense الألمانية على صفحتها في "لينكد إن" مستغلة حدث تغيير هوية "فيسبوك" الجديدة. تذكر فيه الشركة أنها تشعر بالفخر أن شعار "فيسبوك" الجديد مستوحى من شعار تطبيقهم M-sense (وبالفعل يوجد تشابه كبير بينهما)، ولربما يستلهمون أيضا إجراءات خصوصية البيانات لديهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي