قطاع الطاقة .. هل تجاوزنا الأسوأ؟
استقرار أسواق الطاقة واستدامتها وسلامة شرايينها، هي عين التطور وأساس التنمية وقلب المدنية النابض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استقرار الدول والمجتمعات التي تواجه شحا في الطاقة، أو اضطرابا في إمداداتها.
في العقد الأخير، شهد العالم كثيرا من المتغيرات والأحداث المؤثرة، وواجه كثيرا من التحديات القوية، التي أثرت بطبيعة الحال في مفاصله الحيوية في شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها.
جائحة كورونا التي شلت الاقتصاد العالمي برمته وأثرت في جل الأنشطة الاقتصادية تأثيرا حادا، ولم تكن أسواق الطاقة عموما، وأسواق النفط خصوصا، بمعزل من آثار هذه الجائحة الحادة، حيث انخفض الطلب على النفط ومشتقاته بصورة قياسية بسبب الحظر الكلي أو الجزئي الذي فرضه كثير من الدول.
أدى إغلاق كثير من الأنشطة الاقتصادية، وتقييد السفر، إلى انخفاض الطلب على النفط ومشتقاته ومنها وقود الطائرات، وغيرهما من العوامل التي هوت بأسعار النفط إلى مستويات تاريخية، وسجلت أسعارا لم يسبق لها مثيل.
تبعت هذه الجائحة التي ظن العالم أنه نفض غبارها وتجاوزها، الأزمة الروسية الأوكرانية التي هددت بلا شك أمن الطاقة العالمي، بل تعدى أثرها إلى الأمن الغذائي.
عند استشراف مستقبل الطاقة على المدى القصير وأعني هنا 2023، فأعتقد أن استشرافه بدقة لن يكون بالأمر السهل لكون المدخلات متغيرة ومتقلبة ومتسارعة تستوجب عملا ديناميكيا ومتسارعا كذلك، لتصبح المخرجات أكثر دقة في استشراف المستقبل أو قراءته بموضوعية.
فيما يخص مدخلات استشراف المستقبل على المدى القصير، فلا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال روسيا لكونها أحد أهم منتجي النفط والغاز في العالم، وانعكاس العقوبات الاقتصادية ضد روسيا على إمدادات الطاقة العالمية وأسعارها عموما، وعلى أوروبا خصوصا.
من المدخلات المهمة أيضا -في رأيي- السعي الحثيث والمستغرب وغير الموضوعي من بعض الدول والجهات، إلى وقف الاستثمارات في عمليات الاستكشاف والتنقيب الجديدة عن النفط، الذي سيتسبب -في اعتقادي- في تعميق أزمة الطاقة، بل انتشار وباء شح الطاقة الذي سيصيب كثيرا من الدول وستعاني ويلاته إذا لم يراجع من يحملون هذا اللواء توجههم بحكمة بعيدة كل البعد عن الأجندات السياسية والاقتصادية المرحلية.
أرى فعلا أنه إذا ما استمرت أزمة روسيا وأوكرانيا والتصعيد الحاصل بين روسيا من جهة، وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى، ولم تحدث انفراجة، وأيضا إذا ما استمر بعض صناع القرار في تشريع وتنفيذ توجهاتهم الراديكالية ضد النفط والاستثمار فيه، فإن العالم فعلا يقف على شفير الهاوية فيما يخص أمن الطاقة.
أعتقد أن ملامح أزمة الطاقة بدأت تتضح جليا في بعض دول أوروبا التي تعمل جاهدة على تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية على روسيا التي تشمل إمدادات الطاقة، حيث إن هذه الدول تعي يقينا أنها لا تستطيع بأي حال من الأحوال الاستغناء عن منتجات الطاقة الروسية على المدى القصير في أقل تقدير، وتعلم أن البدائل مكلفة جدا مقارنة بشرايين الطاقة الروسية، وأن الغاز الأمريكي سيثقل كاهل الاقتصاد الأوروبي شاؤوا أم أبوا. رغم صعوبة الوضع وتعقيداته إلا أنني أرى بصيص أمل في انفراجة قريبة أو تنازلات من الطرفين، وإن كانت جزئية، تبعث رسالة تطمين إلى أسواق الطاقة العالمية، وأن الأسوأ قد مضى!