صندوق النقد: النمو غير النفطي في السعودية سيظل قويا .. توصية بإبقاء الضريبة المضافة
أكد صندوق النقد الدولي، أن الاقتصاد السعودي يشهد حالة من الازدهار بفضل ارتفاع أسعار النفط، والتحسن القوي في مستويات الاستثمار الخاص، وتنفيذ الإصلاحات، إذ بلغ فائض الحساب الجاري أعلى مستوياته خلال عشرة أعوام، كما جرى احتواء التضخم، فيما أوصى بتثبيت ضريبة القيمة المضافة وتوسيع البرامج الاجتماعية.
لكنه أشار إلى أن عدم اليقين الذي يخيم على الاقتصاد العالمي يقتضي مواصلة بذل الجهود لبناء مزيد من الاحتياطيات الوقائية وتنويع الأنشطة الاقتصادية.
وأوضح في تقرير بعد ختام بعثته إلى السعودية، أن مواصلة الإصلاحات المالية مستقبلا، إلى جانب المعايرة الدقيقة لبرامج الاستثمار، ستسهم في تعزيز استدامة المالية العامة والمركز الخارجي، في الوقت الذي سيساعد تنفيذ خطة الإصلاحات الهيكلية المبهرة على تحقيق نمو قوي وشامل وأكثر استدامة.
وأضاف الصندوق أن السعودية خلال عام 2022، كانت الأسرع نموا بين اقتصادات مجموعة العشرين، إذ بلغ النمو الكلي 8.7 في المائة بفضل قوة الإنتاج النفطي ونمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4.8 في المائة الناتج عن صلابة مستويات الاستهلاك الخاص والاستثمارات الخاصة غير النفطية، بما في ذلك المشاريع العملاقة.
وشملت المحركات الأساسية للنمو غير النفطي تجارة الجملة والتجزئة وقطاعي البناء والنقل.
وحسب التقديرات، أمكن سد فجوة الناتج خلال عام 2022، ولا يزال الزخم مستمرا خلال عام 2023، حيث تشير التنبؤات الآنية إلى تجاوز النمو غير النفطي 5 في المائة في النصف الأول من عام 2023.
وبلغ معدل البطالة في المملكة أدنى مستوياته، فمع زيادة نسب المشاركة في القوة العاملة، تراجع مجموع البطالة إلى 4.8 في المائة مع نهاية عام 2022 – مقابل 9 في المائة خلال جائحة كوفيد – وهو ما يعكس ارتفاع أعداد العاملين السعوديين في القطاع الخاص، وتزايد العاملين الوافدين مجددا مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة (ويتركز معظمهم في قطاعي البناء والزراعة).
ومقارنة بالعامين السابقين، تراجع معدل بطالة الشباب إلى النصف مسجلا 16 في المائة في عام 2022، بينما بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوة العاملة 36 في المائة في عام 2022، متجاوزة نسبة 30 في المائة المستهدفة في إطار "رؤية 2030".
ورغم ازدهار النشاط الاقتصادي، لا يزال التضخم منخفضا، كما يبدو أنه آخذ في التراجع حاليا، ففي عام 2022، سجل متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك نموا بنسبة 2.5 في المائة على أساس سنوي مقارن، وأمكن احتواؤه جزئيا بفضل الدعم المحلي وفرض حدود قصوى للأسعار وقوة الدولار.
وفي نيسان (أبريل) 2023، عادت مستويات التضخم الكلي إلى 2.7 في المائة على أساس سنوي مقارن رغم ارتفاعها في أوائل عام 2023 إلى 3.4 في المائة على أساس سنوي مقارن، حيث تراجعت مساهمات أسعار النقل والغذاء لتوازن الزيادة الهائلة في الإيجارات.
ولا يزال متوسط الأجور ثابتا رغم ضغوط الأجور الملاحظة في شريحتي العمالة منخفضة المهارات والعمالة عالية التخصص.
وأسهم ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج النفطي في تحسين أوضاع الحساب الجاري، حيث بلغ الفائض عام 2022 أعلى مستوياته خلال عشرة أعوام.
وسجل فائض إجمالي الناتج المحلي 13.6 في المائة، دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة مماثلة في مستويات الاحتياطيات الرسمية بسبب تراكم كثير من الأصول في الخارج.
توقعات إيجابية
يتوقع أن يظل زخم النمو غير النفطي قويا، وأن يصل متوسط النمو غير النفطي إلى 5 في المائة في عام 2023، ليظل متجاوزا مستواه الممكن بفضل الإنفاق الاستهلاكي القوي والتعجيل بتنفيذ المشاريع ودورهما في تعزيز الطلب.
وخلال عام 2023، سيمكن احتواء التضخم الكلي، حيث يبلغ متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك 2.8 في المائة، ليتجاوز قليلا مستواه في عام 2022، وإن كانت قوة العملة وإعانات الدعم والحدود القصوى على أسعار البنزين توازن الضغوط التضخمية الناتجة عن انحسار حالة الركود في أسواق العمل وازدهار الاقتصاد غير النفطي.
وعلى المدى المتوسط، يتوقع تراجع تغطية الاحتياطيات للواردات عن مستواها الحالي بدرجة طفيفة، وإن كانت ستظل أعلى كثيرا مقارنة بمستويات كفاية الاحتياطيات القياسية.
تعزيز المالية العامة
وأسهمت ديناميكيات أسواق النفط المواتية في تعزيز وضع المالية العامة، ما أتاح الحيز لتجاوز الإنفاق المقرر في الميزانية المبدئية.
وفي عام 2022، سجلت المالية العامة فائضا للمرة الأولى منذ عام 2013 بما يعادل نصف التوقعات الأولية للخبراء البالغة 5.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يعكس أساسا زيادة السلع والخدمات والإنفاق الرأسمالي.
وحسب التقديرات، بلغت المصروفات الإضافية 2.5 في المائة تقريبا من إجمالي الناتج المحلي، وتمثل نفقات استثنائية غير متكررة (نصفها تقريبا في صورة سلع وخدمات). ويعد الدين العام منخفضا وفي حدود يمكن الاستمرار في تحملها، حيث بلغ 23 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مع توافر الحيز المالي اللازم للتصدي للعوامل المعاكسة المحتملة.
وتشير تحليلات الخبراء إلى أن تجاوز مستويات الإنفاق المقررة (حتى عام 2030) قد يطيل الفترة الانتقالية لحين بلوغ الموقف المالي المرجو على المدى المتوسط لاستقرار نسبة صافي الأصول المالية للحكومة المركزية.
وتؤيد البعثة الخطط الهادفة إلى مواصلة توخي الحصافة المالية وضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط.
وأشارت إلى أنه ينبغي مواصلة إيلاء الأولوية لجمع الإيرادات غير النفطية، وينبغي أن تستند الإصلاحات الضريبية إلى جهود حثيثة نحو سد الفجوة الضريبية مقارنة بمتوسط مجموعة العشرين، بما في ذلك من خلال إصلاحات أوسع نطاقا لتثبيت معدل ضريبة القيمة المضافة ليكون 15 في المائة بحد أدنى وترشيد النفقات الضريبية. وينبغي أن تقترن هذه الإصلاحات بتعزيز الإدارة الضريبية.
ورحب بوضع استراتيجية جديدة للحماية الاجتماعية وإطلاق السجل الاجتماعي الموحد. وأوصى بتوسيع نطاق البرامج الاجتماعية التي تستهدف الفئات المستحقة بدقة مثل برنامج "ضمان" الموجه لذوي الاحتياجات.
السياسة النقدية
وبحسب الصندوق، أمكن تخفيف أزمات السيولة التي ظهرت في 2022.ومع تجاوز التوسع الائتماني لنمو الودائع، اتسعت الفروق بين سعر الفائدة السائد بين البنوك السعودية وسعر الفائدة السائد بين بنوك لندن على القروض لثلاثة أشهر إلى ما يزيد على 150 نقطة أساس خلال شهري حزيران (يونيو) وتشرين الأول (أكتوبر) 2022.
وقد ساعد تدخل البنك المركزي في المرتين على تخفيف ضغوط السيولة مع عودة فروق أسعار الفائدة الطبيعية في الوقت الحاضر إلى متوسطاتها التاريخية.
ويظل نظام ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي ملائما نظرا إلى الهيكل الاقتصادي الحالي. فقد عادت هذه السياسة بالنفع على البلاد حيث ساعدت على دعم الاستقرار النقدي.
وأوضح الصندوق أن الجهاز المصرفي لا يزال على مسار قوي. وتتسم نسبة كفاية رأس المال الإجمالية بأنها قوية، ومستوى الربحية مرتفع – تحركه هوامش الفوائد الصافية – ويتجاوز مستويات ما قبل الجائحة، كما أن نسبة القروض المتعثرة منخفضة وآخذة في التراجع.
وبينما تراجع نمو الرهون العقارية أخيرا، لا يزال الطلب على القروض المرتبطة بالمشاريع والقروض الاستهلاكية قويا، وهو ما يساعد على موازنة التأثير في الربحية الناجم عن تكاليف التمويل المتزايدة المرتبطة بارتفاع أسعار الفائدة وزيادة حصة الودائع لأجل والودائع الادخارية في التزامات البنوك.
ولم تكن هناك تداعيات مباشرة تذكر من انهيار بنك كريدي سويس وعديد من البنوك متوسطة الحجم في الولايات المتحدة.
رغم انتعاش القروض العقارية في الأعوام الأخيرة، تشير التقييمات إلى أن المخاطر التي يفرضها قطاع الإسكان على القطاع المصرفي لا تزال محدودة حتى الآن.
وازدادت القروض العقارية منذ عام 2018 تدفعها المبادرات في ظل برنامج الإسكان السعودي، فأصبحت تشكل جزءا كبيرا من محافظ البنوك.
غير أن المخاطر التي تنشأ من الإقراض العقاري لا تزال قيد الاحتواء نسبيا. ورغم سرعة ارتفاع أسعار المساكن في عدد قليل محدد من المدن أو المناطق، ليس ثمة ما ينذر بحدوث فورة في النشاط، ولا تزال أسعار المساكن في المملكة معتدلة مقارنة باقتصادات منطقة مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
نمو قوي وأكثر خضرة
تنفيذ خطة الإصلاح في ظل رؤية السعودية 2030 لا يزال مستمرا دون معوقات نحو تحقيق اقتصاد منتج وأخضر.
وأجريت عملية حصر في منتصف الفترة للأهداف المحددة في ظل "رؤية السعودية 2030" أوضحت مدى التقدم على صعيد التحول الرقمي، والبيئة التنظيمية والخاصة بالأعمال، وانضمام المرأة للقوى العاملة، وزيادة استثمارات القطاع الخاص – وخلصت في بعض الحالات إلى أنه قد تم بالفعل تجاوز الأهداف المحددة لعام 2030.
ويمكن مواصلة تعزيز نمو القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج من خلال العمل الجاري لإعطاء دفعة لرأس المال البشري في ظل برنامج تنمية رأس المال البشري، وترشيد الرسوم المتعددة، وزيادة إمكانات الحصول على التمويل، وسن نظام جديد بشأن الاستثمار، وتعزيز الحوكمة.
وأشار الصندوق إلى أن تطبيق "مبادرة السعودية الخضراء" مطلب ضروري لتحقيق هدف الانبعاثات الصافية في السعودية. وترحب البعثة بالخطط الجارية لزيادة مصادر الطاقة المتجددة بطاقة إنتاجية إضافية قدرها 2.1 جيجاواط بحلول عام 2024، وتوليد وفورات من خلال البرامج التي تهدف إلى تحقيق الكفاءة (ترشيد)، ونشر احتجاز الكربون، وتكنولوجيات الاستخدام والتخزين، ولجعل المملكة البلد الرائد في تصدير الهيدروجين على مستوى العالم.
ومن شأن وضع تفاصيل المبادرات المحددة المرتبطة بكل هدف أن يساعد على تقييم التقدم والتعديل اللازم للحد من الانبعاثات بما يصل إلى 278 مليون طن سنويا بحلول عام 2030 والوصول إلى هدف المملكة للوصول إلى مستوى انبعاثات صفرية صافية بحلول عام 2060.