"الأسلحة المحرمة".. عنوان جديد للحرب الروسية الأوكرانية

"الأسلحة المحرمة".. عنوان جديد للحرب الروسية الأوكرانية
"الأسلحة المحرمة".. عنوان جديد للحرب الروسية الأوكرانية

يعد زمن الحرب الروسية الأوكرانية زمن الخيارات الصعبة، ولا بديل لكل من أطراف النزاع عن النصر، فمن وجهة النظر الروسية لن يتحقق السلام ولن تنتهي حملتها العسكرية إلا بتحقيق أهدافها، والتي تتلخص مبرراتها بما يسمى نظرية قلب العالم، والتي وضعت في 1904 من قبل المتخصص في الجغرافيا السياسية، البريطاني هالفورد ماكيندر، وتدخل هذه النظرية في مبررات روسيا لحربها في أوكرانيا، التي تقسم العالم إلى ثلاثة أجزاء، وهي جزيرة العالم بما فيها أوروبا وآسيا وإفريقيا، والجزر البحرية مثل الجزر البريطانية أو الأرخبيل الياباني، وأخيرا الأمريكيتان وأستراليا باعتبارها جزرا نائية.
فيما تقتصر الأهداف الأوكرانية في الحرب القائمة على دحر ما يصفونه بـ"العدوان الروسي"، والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهذا الصراع عادة ما يدفع القوى العظمى في العالم إلى التدخل بتخفيف حدة الصراع من جهة، والالتفاف لصف أحد طرفي النزاع ودعمه من جهة أخرى، وهذا ما حصل بالوقوف الأورو أمريكي بصف الطرف الأوكراني فيما حظي الموقف الروسي بدعم دول كبرى محسوبة على المعسكر الشرقي.
التصريحات النارية الروسية دائما ما تأتي على لسان نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف، والتي تحمل في ظاهرها وباطنها التطرق للأسلحة النووية، والتي كان آخرها قوله إن "إنهاء أي حرب بسرعة ممكن عبر خيارين هما: اتفاقية سلام أو استخدام الأسلحة النووية"، كما حذر في مناسبة أخرى قائلا: "هذا بالتأكيد ليس خدعة"، وذلك بعد أن قلل الرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي في السابق من أهمية مثل هذه التحذيرات باعتبارها ابتزازا نوويا.
ما بين التصرحات واتخاذ الخطوات على الأرض فارق كبير، فالموقف الأمريكي الداعم لأوكراني سياسيا وعسكريا، خطا نحو التصعيد بدعم كييف بالأسلحة العنقودية، وهذا الإجراء يعد عملا تصعيديا بالنسبة إلى روسيا، والتي وصفت ما جرى بـ"العمل اليائس"، وذلك في بيان صادر عن وزارة خارجيتها، عادة في بيانها ما حدث على أنه "دليل إضافي على فشل الهجوم المضاد الأوكراني"، مؤكدة بأن إمداد أوكرانيا بالقنابل العنقودية لن يؤثر في مسار العملية العسكرية الخاصة، في إشارة محتملة إلى أن موسكو قد توظف أسلحة جديدة أو مماثلة للرد على إمداد أوكرانيا بهذه النوعية من الأسلحة.
وتعليقا على تزويد واشنطن كييف بالأسلحة العنقودية، دافع الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن "قراره الصعب للغاية" بتزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية، والتي لها سجل في قتل المدنيين، إذ برر ذلك على أساس أن "ذخيرة الأوكرانيين تنفد".
بدوره، أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أخيرا، أن بلاده وقعت اتفاقية "لا تشجع على استخدام" الذخائر العنقودية، في إشارة إلى اتفاقية أوسلو لـ2008، وفي المقابل، قالت مارجريتا روبليز وزيرة الدفاع الإسبانية، إنه ينبغي عدم إرسال قنابل عنقودية إلى أوكرانيا، مؤكدة أن بلادها لديها التزام قوي بعدم تسليم أسلحة وقنابل معينة تحت أي ظرف، وذلك على الرغم من التزامها بدعم أوكرانيا، كما أشارت ألمانيا، التي وقعت على معاهدة الحظر نفسها، إلى أنها لن تقدم مثل هذه القنابل لأوكرانيا، وإن أبدت تفهمها للموقف الأمريكي.
إلى ذلك انتقدت جماعات حقوق الإنسان القرار الأمريكي، فقد رأت منظمة العفو الدولية أن الذخائر العنقودية تشكل "تهديدا خطيرا على أرواح المدنيين، حتى بعد فترة طويلة من انتهاء النزاع"، بينما أكد تحالف "الذخائر العنقودية الأمريكية"، وهو جزء من حملة المجتمع المدني الدولية التي تعمل على القضاء على هذا النوع الأسلحة، أنها ستسبب "معاناة أكبر اليوم، ولعدة عقود مقبلة"، وهو التقييم ذاته الذي ذهبت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية.
كما أكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، رغبته في عدم رؤية هذه الأسلحة تستخدم ميدانيا.
يلاحظ أن إحدى أدوات الحرب الأمريكية ضد روسيا هي توظيف الحرب القانونية الحقوقية ضد موسكو، وذلك عبر اتهامها بارتكاب جرائم حرب في روسيا، على غرار الاتهامات الموجهة لها، بالقيام بتصفية مدنيين في مدينة بوتشا الأوكرانية أو اتهام المحكمة الجنائية الدولية لبوتين بالمسؤولية عن ارتكاب جريمة حرب متمثلة في ترحيل أطفال أوكرانيين إلى روسيا، وعلى الرغم من أن موسكو نفت هذه الاتهامات، فإن واشنطن سعت لممارسة ضغوط على الدول الأخرى لتقليص علاقاتها بروسيا، وهي الجهود التي لم تلق نجاحا.
بالنسبة إلى روسيا، لم توضح الطريقة التي سترد بها على هذا التصعيد الأمريكي، ولكن يعد أحد الخيارات المتاحة أمامها هو توظيف السلاح نفسه ضد القوات الأوكرانية المهاجمة، وهو ما يحيد أي تأثير متوقع للهجوم الأوكراني المضاد، كما ينبغي عدم التهوين من امتلاك الجيش الروسي قدرات عسكرية أكبر من القنابل العنقودية، قد يلجأ إلى استخدامها لتحييد أي ميزة عسكرية قد تحققها أوكرانيا باستخدام هذه النوعية من القنابل.
ومن ردود الأفعال المحسوبة على روسيا، طالب القائم بأعمال جمهورية دونيتسك، دينيس بوشيلين، باتخاذ إجراءات استباقية ومضادة عبر تحديد مواقع هذه الذخائر بمجرد وصولها إلى أراضي أوكرانيا، وتدميرها في إشارة إلى المزاعم التي انتشرت حول قيام القوات الروسية بتدمير مخزن لذخائر اليورانيوم المنضب، وهي الذخائر التي كانت بريطانيا قد أعلنت اتجاهها لإمداد أوكرانيا بها لتوظيفها ضد الجيش الروسي في آذار (مارس) 2023.
جاء إعلان إمداد أوكرانيا بالقنابل العنقودية ليؤكد أن هناك إجماعا داخل دوائر صنع القرار العسكرية في الولايات المتحدة على أن أوكرانيا غير قادرة على إحراز أي تقدم يذكر ضد الجيش الروسي، في هجومها المضاد، وأن الأسلحة الغربية المرسلة من معدات، سواء دبابات أو ناقلات جند أو غيرها من المدرعات، لم تصنع أي فارق في مسار العملية العسكرية، وأن مواصلة الهجوم الأوكراني على هذا النحو سيكبد كييف خسائر عسكرية فادحة دون انتصارات ميدانية مقبولة تبرر التكلفة البشرية والمادية الباهظة.
أما أوكرانيا فقد سعت لإثارة قضية أخرى، وهي الانضمام إلى حلف "الناتو"، بل وطالبت بأن يلتزم الحلف بذلك في قمة "الناتو" التي أقيمت أخيرا، وهو المطلب غير الواقعي في الظروف الحالية، بالنظر إلى أن انضمامها، وهي في حالة حرب مع روسيا، سيعني هجوم الحلف ضد روسيا دعما لأوكرانيا بشكل مباشر، وفقا لمبدأ الدفاع الجماعي، أي شن حرب نووية تفني العالم، وليس من الواضح أن لدى أي دولة غربية الاستعداد للذهاب إلى هذا الخيار دفاعا عن أوكرانيا.

الأكثر قراءة