الميركوسور والاتحاد الأوروبي .. منافع متبادلة تحجبها عقلية استعمارية

الميركوسور والاتحاد الأوروبي .. منافع متبادلة تحجبها عقلية استعمارية

انعقدت مطلع الشهر الجاري في مدينة بويرتو إجوازو، شمال الأرجنتين على الحدود بين كل البرازيل والباراجواي، قمة تجمع ميركوسور الذي يضم في عضويته التأسيسية كلا من البرازيل والأرجنتين والأورغواي والباراجواي، والتي جذبت أنظار العالم إليها، اعتبارا لما تضمنه جدول أعمال القمة بدءا من مناقشة اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي وليس انتهاء بتسليم البرازيل، بقيادة الزعيم اليساري لولا دا سيلفا، الرئاسة للأشهر الستة المقبلة.
نجح هذا التكتل الاقتصادي الذي تأسس وفق معاهدة أسونسيون، بعد التوقيع على بروتوكول "أورو بريتو"، بتاريخ 26 آذار (مارس) 1991، في التحول إلى واحد من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم. فإلى جانب الدول الأربع المؤسسة، انضمت كل من تشيلي وبوليفيا والبيرو والإكوادور وكولومبيا وغويانا وسوريام، وحصلت كل من المكسيك ونيوزيلاند على صفة الملاحظ في التجمع. وألغيت عضوية فنزويلا في التكتل، اعتبارا من أواخر 2016، بتهمة انتهاك المبادئ الديمقراطية للمجموعة.
يعتمد تجمع دول المخروط الجنوبي بأمريكا اللاتينية اللغتين البرتغالية والإسبانية داخل الاتحاد الذي يتشكل من عدة أجهزة: فعلى مستوى الرئاسة نجد مجلس السوق المشتركة، ثم مجموعة السوق المشتركة كجهاز تنفيذي، وتتوزع باقي الأجهزة بين: السكرتارية العامة والمنتدى الاقتصادي والاجتماعي ثم مجموعات العمل الفردية والمحكمة الدائمة لمراجعة سياسات ميركوسور والمحكمة الإدارية لشؤون العمالة الخاصة بدول التجمع.
تدريجيا، عمل التجمع على تبنى جملة من البروتوكولات، لضمان حسن سير هياكل ومؤسسات التكتل، فتبنى في 2002، بروتوكول "لوليفوس" من أجل تسوية المنازعات والصراعات داخل التكتل، وفقا لآليات سلمية وتعاونية. كما تم توقيع بروتوكول في 2004 لغاية إنشاء صندوق تمويلي للسوق المشتركة، وفتح المجال أمام المجتمع المدني للمشاركة. وفرض بروتوكول مونتفيديو على الدول الأعضاء الالتزام بقواعد الديمقراطية في الدول الأعضاء.
تتوافر دول الميركوسور على قائمة من العوامل التي تضمن النجاح لها، من التقارب الجغرافي، بتموقع دول التكتل في جنوب شرق أمريكا اللاتينية، إلى الاشتراك في اللغة "الإسبانية والبرتغالية" والدين "الكاثوليكية" والتاريخ "الأصول المشتركة"، وصولا إلى التشابه الكبير في التجارب السياسية "الحضور القوي لليسار الشعبي". فضلا عن المعطى الديموجرافي، فإجمالي الساكنين يقترب من 300 مليون نسمة، وهو ما يمثل زهاء 62 في المائة من سكان أمريكا الجنوبية، ونحو 67 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للقارة.
مؤشرات وأخرى فتحت شهية الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الميركوسور التي كانت إحدى النقاط المثيرة للاهتمام في القمة الأخيرة، بعدما انتفض القادة ضد الاشتراطات الأوروبية، حيث اقترح هؤلاء ملحقا بيئيا إضافيا للاتفاق التجاري مع التكتل، يحتم على دول ميركوسور الامتثال المتعهد بها كجزء من اتفاقيات باريس للمناخ عام 2015، التي يبقى الخضوع لمقتضياتها حتى الآن طوعيا.
فرصة استغلها دا سلفا الباحث عن أمجاد الماضي، بالتشديد على أن "التفاوض بين الشركاء الاستراتيجيين ينبغي ألا يبنى على عدم الثقة والتهديد بالعقوبات"، مطالبا بروكسيل بتقديم اتفاق متوازن. وكان ألبرتو فرنانديز، رئيس الأرجنتين ثاني أقوى دول التكتل، أكثر حدة من سابقه بمطالبته الاتحاد الأوروبي بمراجعة جوانب من الاتفاقية، مشيرا إلى المطالب الأحادية المتعلقة بالبيئة، وإصرار الأوروبيين على توقف حكومات ميركوسور عن إعطاء الأفضلية للشركات المحلية في المشتريات العامة... إلى جانب تحفظات أخرى "لا أحد يستطيع أن يفرض علينا بأن نكون موردين للمواد الخام التي يصنعها الآخرون ثم يبيعونها لنا مجددا بأسعار باهظة".
بعد عقدين من المفاوضات الصعبة، بين تجمع الميركوسور والاتحاد الأوروبي، بشأن اتفاقية التجارة الحرة التي توجت، في 2019، باتفاق مبدئي بين الطرفين، يتعثر الأمر من جديد، بسبب شروط الاتحاد الأوروبي، الذي لم تغير دوله بعد نظارات القرن الـ19، بخلفيتها الاستعلائية الاستعمارية، عند نظرتها إلى بقية دول العالم.
يتوقع ذلك، وإن أفادت كل المؤشرات بأن المنافع متبادل بالنسبة إلى الجانبين، فالأرقام تتحدث عن إنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم. كما يتوقع أن يلغي الاتفاق الرسوم الجمركية على نحو 90 في المائة من صادرات الميركوسور نحو الاتحاد الأوروبي، ويسمح للشركات من الجهتين بتقديم عطاءات للحصول على عقود حكومية، وما إلى ذلك من الامتيازات التي تعزز من مكانة الاتحاد الأوروبي باعتباره الشريك التجاري الثاني لدول التجمع "63 مليار دولار صادرات/ 57 مليار دولار واردات".
كل ما سبق لم يمنع رئيس البرازيل التي تتولى رئاسة التجمع من الإعلان عن أن التوصل إلى اتفاق نهائي مع الاتحاد الأوروبي، في غضون الأشهر الستة المقبلة، سيكون ضمن أولوياته من موقعه كرئيس لتكتل الميركوسور. لأجل ذلك دفع الدول الأعضاء، في نهاية القمة، نحو تجديدهم الالتزام بالتقدم نحو التوقيع الفوري على اتفاق يضمن مصالح جميع الأطراف.
تظل أماني دا سلفا عصية عن التحقق خلال ولايته على رأس التجمع، فعلى فرض نحاج الطرفين في المقبل من الأسابيع، على اعتبار أن الحكومة البرازيلية بصدد تحضير اقتراح مضاد تقدمه لبروكسل خلال قمة الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أمريكا واللاتينية منطقة البحر الكاريبي "سيلاك"، في التوصل لاتفاقية بشأن التجارة الحرة، لا تزال أمامها خطوات كبيرة يتعين اتخاذها قبل إنفاذها، إذ يجب على كل دولة من الدول الأعضاء التصديق على المعاهدة بشكل فردي من خلال برلمانها.

الأكثر قراءة