واشنطن تطلق «دبلوماسية الفضاء» .. أولويتها رحلات القمر
أطلقت حكومة الولايات المتحدة استراتيجية دبلوماسية الفضاء، بإعلانها أخيرا من قبل وزارة الخارجية الأمريكية عبر وثيقة تتكون من 25 صفحة، وتضم الوثيقة التي أعدت من مختلف الجهات ذات العلاقة وعلى رأسها وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، تفاصيل من شأنها عودة الرحلات الأمريكية المأهولة إلى القمر، بما يحفظ ديمومة سيطرة واشنطن على الفضاء، مع توزيع أدوار التشاركية والتعاون بين الدول الأخرى القادرة على الوصول إلى الفضاء الخارجي، رغم العلاقة التي تجمع البعض منها مع الإدارة الأمريكية بخلافات على الأرض.
تهدف الاستراتيجية الفضائية الأمريكية الأخيرة إلى رفع مستوى الوعي لدى الحلفاء والشركاء بالأخطار المحتملة للتعاون مع المنافسين الاستراتيجيين، وربط شركاء الفضاء الناشئين والطامحين بخبرة الولايات المتحدة وسياسات الفضاء الوطنية وهياكل الوكالات الأمريكية، ودفع الابتكار التكنولوجي، من خلال تعزيز التعاون العلمي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
كما ترمي الاستراتيجية إلى رفع ضمان التفوق الأمريكي في الفضاء الخارجي، وبناء شراكات دولية جديدة، والعمل مع الحلفاء والدول ذات التفكير المماثل، وإقرار قواعد السلوك المسؤول في الفضاء الخارجي، وبلورة نظام دولي ذي أطر وقواعد حاكمة، وحماية الولايات المتحدة وحلفائها من التهديدات الفضائية.
وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز قيادتها للفضاء، خصوصا في مجالات الاستكشاف والأبحاث العلمية ذات الطابع الاستكشافي، وكذلك تعزيز الأولويات من الناحية الأمنية لها وللحلفاء، إضافة إلى وضع مجموعة من القواعد الناظمة للعمل خارج نطاق الغلاف الجوي للأرض، ورسم خارطة طريق تضبط آلية الإجراءات التي تتخذها الدول في تأدية المهام والبعثات الفضائية.
تمثلت تطلعات الحكومة الأمريكية على مستوى الفضاء في الاستراتيجية الفضائية الأخيرة في الحد من التهديدات الفضائية، من خلال إنشاء قوة الفضاء في 2019، إضافة إلى إطلاق ونشر تليسكوب جيمس ويب الفضائي في 2021، وكذلك تقديم تقارير أمريكية إلى لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية، ليوضح جهود الحكومة الأمريكية والقطاع الخاص في التقيد بالمبادئ التوجيهية الرامية إلى استدامة أنشطة الفضاء الخارجي على المدى الطويل، لتعزيز الاستخدام الآمن والمسؤول، كما تسعى اتفاقات أرتميس لإعادة رواد الفضاء إلى القمر بحلول 2024 استعدادا لبعثات بشرية إلى المريخ.
وتهدف اتفاقيات أرتميس التي أطلقتها وزارة الخارجية ووكالة ناسا في 2020 وحظيت بموافقة 24 دولة، إلى إنشاء إطار قانوني محدد لسلوك الدول في الفضاء، بتعزيز التعاون السلمي، ويعود الفضل فيها إلى إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وتحتم الاتفاقية الالتزام بمجموعة من القواعد، مثل المشاركة العلنية للاكتشافات العلمية، وإنشاء مناطق آمنة تمكن الدول من العمل دون أي معوقات على سطح القمر.
وفي إطار الجهود الأمريكية الفضائية أسست جامعة "ديوك" في ولاية كارولاينا الشمالية في كانون الثاني (يناير) 2022، للمساعدة على إعداد الجيل القادم من خبراء الفضاء، وتوضيح أهمية ما يسمى بدبلوماسية المدار، لدفع الحوار حول قواعد السلوك، من خلال التعليم الأكاديمي، ومواكبة الديناميكيات الحالية لاقتصاد الفضاء العالمي، والتأكد من استعداد الدارسين للانخراط في مجالات الفضاء التجارية، والوصول المتزايد إلى المعلومات والصور مفتوحة المصدر، ودفع الجهود الدولية وصولا إلى عقد قمة عالمية لأمن الفضاء، وتدريس دورة جديدة حول اقتصادات الفضاء.
الصين..
تولي الولايات المتحدة اهتماما بالغا بطموحات الصين الفضائية، التي تمكنت في الأعوام القليلة الماضية من جمع محطة فضائية في مدار أرضي منخفض، كما هبطت بنجاح مركبتها الفضائية وعربة روفر على الجانب البعيد من القمر وعلى كوكب المريخ، كما تبني ميناء فضائيا في جيبوتي، خصوصا أن أنشطتها الفضائية التجارية هي جزء من مبادرة الحزام والطريق، التي تعظم نفوذها العالمي، وترغب في مضاهاة الولايات المتحدة أو تجاوزها بحلول 2045.
وفي هذا الإطار، لم يخف بيل نيلسون مدير وكالة ناسا مخاوفه من تنامي القدرات الفضائية الصينية، خصوصا في مجال أولوية الوصول إلى القمر وإعلان تبعيته لها، ومنع دول أخرى بما فيها أمريكا من الهبوط عليه، ما يستدعي عودة الرحلات البشرية الأمريكية المأهولة إلى القمر، التي تعد من وجهة نظر أمريكية ضرورة قصوى، وبحسب المخطط الأمريكي فإن الذهاب إلى القمر سيكون خلال النصف الأول من العقد الجاري، فيما ستكون الرحلات الصينية المأهولة إلى القمر خلال نهاية العقد الجاري، بأفضلية توقيت أمريكية بفارق خمسة أعوام.
القدرات العسكرية..
ترتكز الهيمنة الأمريكية على ثلاثي السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية، ومن أشكال الاهتمام لوزارة الدفاع الأمريكية الظاهرة في الاستراتيجية الفضائية، بناء أنظمة الفضاء لكل قطاعات البنية التحتية الحيوية الأمريكية، بجانب تزايد أهميتها في الأعمال العسكرية والاستراتيجية، مثل: الاستجابات الدولية للكوارث، مكافحة تغير المناخ، تتبع الصيد غير القانوني، متابعة تدفقات اللاجئين، مراقبة الامتثال لمعاهدة الحد من الأسلحة، وتقديم الأدلة على جرائم الحرب أو حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان.
ومن الأمثلة الحية، الحرب الروسية - الأوكرانية وما دلت عليه من الاعتماد على تكنولوجيا الفضاء التجارية، بعد أن أمد الإنترنت الفضائي أوكرانيا بخدمات الإنترنت رغم القصف الروسي، واستخدمت الأقمار الاصطناعية لمتابعة تطورات المعارك العسكرية في وقتها الحقيقي.
دبلوماسيا..
تقاسمت وكالة ناسا ووزارة الدفاع الأمريكية أدوار تنظيم الأنشطة الفضائية الأمريكية سابقا إلا أن استراتيجية الفضاء الأخيرة صنعت أدوارا أخرى، كان الحضور الأبرز فيها لوزارة الخارجية الأمريكية، التي أدركت أخيرا أهمية المساعي الدبلوماسية جنبا إلى جنب مع الجهود العلمية والعسكرية، وفتح المجال أمام الجهود السياسية للاستفادة من الجهود كافة في مختلف الوزارات والمؤسسات وعلى نطاق أوسع مع الدول الحلفاء لواشنطن.
وتعد الاستراتيجية ضرورية فيما يتعلق باقتران الجهود العسكرية بالقوة الناعمة التي يمارسها الدبلوماسيون، من خلال تدريب جيل جديد من دبلوماسي الفضاء كي يمتلكوا الخلفية التقنية اللازمة، فالأهمية المتزايدة للفضاء تحتم وجود خبراء فضاء من غير التقنيين على الطاولة عند مناقشة القرارات المهمة، حيث تمثل المرحلة المقبلة منافسة شديدة على السفر إلى الفضاء والاستفادة من الموارد الفضائية.