قوة الخليج وعمق آسيا تجمعهما إرادة سياسية مشتركة
من المعلوم بالضرورة أن قوة الدول تنبع من عوامل ثابتة تتمثل في إرثها التاريخي والحضاري، وأخرى متغيرة تبنى على حضورها الاقتصادي والسياسي، ولكن لا يمكن لهذه القوى مجتمعة أن تكون منتجة وبناءة دون أن تعبر عنها إرادة سياسية مشتركة، وجدت في قمة جدة حين اجتمعت على أرض المملكة بدعوة سعودية رائدة قيادات دول آسيا الوسطى ودول الخليج العربي حول طاولة واحدة.
دول وسط آسيا بإرثها الحضاري المشترك والمتكامل في جوانب كثيرة مع الإرث الخليجي الإسلامي لطالما كانت غائبة عن أجندة العلاقات السياسية والفرص الاقتصادية الممكنة لدول العالم العربي عموما والخليجي خصوصا، في حين أن أوروبا كانت على مر العصور تنظر إلى عمقها الآسيوي بوصفه البوابة الأوسع للشرق الأوسط وشرق آسيا.
لذلك فإن قمة جدة تعيد ترتيب الأولويات والخارطة السياسية الدولية بانفتاحها أخيرا ووفق أسس واضحة وضعتها القمة على هذا العمق الدولي من جميع النواحي والممكنات السياسية والاقتصادية والثقافية. وكأنها تقول للعالم وأوروبا خصوصا نحن الأولى بهذه العلاقات الضاربة جذورها في التاريخ الإسلامي والإنساني العريق بين دول آسيا الوسطى والخليج العربي.
ولأن الأرقام أبلغ من يعبر عن واقع هذه القوة المشتركة وعمقها، فقد ذكر الأمير محمد بن سلمان ولي العهد القادة الحاضرين بمجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول القمة، الذي يبلغ 2.3 تريليون دولار. مع الأمل في تعزيزها ورفعها مستقبلا كهدف واضح ومشترك لهذه القمة.
وهو ما تلقاه القادة بالإيجاب ليأكدوا، في البيان الختامي الذي أوردته وكالة الأنباء السعودية "واس"، وبناء على القيم والمصالح المشتركة والروابط التاريخية العميقة بين دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى، أهمية تعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية بين الجانبين على المستويين الجماعي والثنائي، واستمرار التنسيق السياسي بما يحقق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ومواجهة التحديات، والعمل على ضمان مرونة سلاسل الإمداد، والنقل والاتصال، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن المائي، ودفع بناء علاقات التعاون في تطوير مصادر وتقنيات الطاقة الخضراء والمتجددة، وإيجاد فرص الأعمال التجارية ودعم فرص الاستثمار وزيادة التبادل التجاري.
وحيث إن الشعوب هي المحور الأساس لمثل هذه الملتقيات فقد أكد القادة حرصهم على تعزيز التواصل بين الشعوب، وتبادل أفضل الممارسات والخبرات في جميع المجالات، مثل: التعليم، الثقافة، شؤون الشباب، السياحة، وسائل الإعلام، والرياضة، وفقا لخطة العمل المشترك المتفق عليها للفترة 2023–2027.
كما أن وحدة الصف والتعاون دوليا الذي تبنته القمة تجلى في نقاش القادة للقضايا الإقليمية والدولية، حيث توافقت الرؤى حول أهمية تضافر الجهود كافة لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في جميع أنحاء العالم، وأولوية استتباب السلم والأمن الدوليين، من خلال الاحترام المتبادل والتعاون بين الدول لتحقيق التنمية والتقدم، ومبادئ حسن الجوار، واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، والحفاظ على النظام الدولي القائم على الالتزام بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وعلاوة على ذلك، أكد القادة أن تزايد أخطار المواجهة النووية بين الدول المسلحة نوويا يشكل تهديدا خطيرا ومرفوضا للسلم والأمن الدوليين، وأنه ينبغي عدم السماح أبدا باستخدام الأسلحة النووية.
وبعد هذا الإجماع والإجمال للثوابت المشتركة والفرص الممكنة بين دول الخليج ودول وسط آسيا لم يعد هناك أدنى شك في وصول هذه الرسالة الإيجابية والنوعية لجميع دول العالم قبل أن تفكر أي دولة في استمالة طرف على حساب آخر في ميزان القوى والتحالفات الذي أثبت بعد هذه القمة أنه يشهد اليوم تحالفا متينا بين قوة الخليج الاقتصادية وعمق دول آسيا الوسطى.