"الترفيه" الأمريكي مهدد بتدني الأجور والذكاء الاصطناعي
تعد صناعة الترفيه والأفلام إحدى أدوات الإدارات الأمريكية المتعاقبة للترويج لأفكارها وتبرير حروبها، وعملياتها العسكرية، وتنقل من خلالها المحتوى الترفيهي، الذي يناسب توجهاتها المستقبلية، حيث استطاعت هوليوود تشكيل نهج جديد وإجراء تغير جذري في أساليب الدعاية المستخدمة من أجل جذب الرأي العام حول القضايا المختلفة، بالشكل الذي يناسب المصالح الخاصة بالجهة المصدرة للفن المرئي، بهدف تغيير أفكار الجمهور المستقبل والقدرة على تسييره بالاتجاه المطلوب، وتغطي العروض السينمائية مجموعة واسعة من الموضوعات والمجالات مثل الثقافة والاقتصاد والسياسة والحرب.
تهيمن الولايات المتحدة على صناعة الترفيه والأفلام، وتعدها أداة اقتصادية، حيث بلغ حجم سوقها العالمية نحو 90.9 مليار دولار أمريكي في 2021، ومن المتوقع أن تتوسع السوق بمعدل نمو سنوي مركب 7.2 في المائة، خلال الفترة من 2022 إلى 2030، في حال بقيت الأمور على حالها، إلا أن المستجدات على الساحة والمتمثلة بتدني أجور الكتاب، وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي ستأخذ الأوضاع لما حدث في 2007.
نفذت نقابة الكتاب الأمريكية إضرابا مفتوحا منذ مايو 2023، بعد أن قرر الآلاف من كتاب السينما والتلفزيون الإضراب بعد فشل المحادثات مع الشركات الكبرى حول أجورهم، وهي تعد المرة الأولى منذ 15 عاما التي تشهد فيها نقابة الكتاب الأمريكية إضرابا واحتجاجا لأكثر من تسعة آلاف كاتب، وهو ما يعادل 98 في المائة من الأعضاء الذين لهم حق التصويت.
ويعد هذا الإضراب الأكبر بعد إضراب 2007، الذي تسبب في خسائر وصلت إلى حدود ملياري دولار للصناعة الهوليوودية، إضافة إلى نحو 240 مليون دولار من الإيرادات الضريبية لولاية كاليفورنيا، خلال 100 يوم فقط.
وبعد نحو ستة عقود يجتمع الكتاب وشخصيات التمثيل التلفزيوني في الإضراب، حيث انضمت أكبر نقابة في هوليوود إلى ممثلي الشاشة في الاتحاد الأمريكي لفناني الراديو والتلفزيون، والتي تمثل نحو 160 ألف فنان، لتواجه بذلك إضرابا مزدوجا هو الأول بعد إضراب 1960.
ويطالب المحتجون حاليا بتقسيم أكثر إنصافا للأرباح وتعويضات تتعلق بالبث التلفزيوني عبر الإنترنت، إضافة إلى ضمانات ترتبط بعدم استخدام الذكاء الاصطناعي والوجوه والأصوات التي يتم إنشاؤها بوساطة الكمبيوتر لتحل محل الممثلين.
إلى ذلك تشير التوقعات الصادرة عن نقابة الكتاب الأمريكية -الجهة المنفذة للإضراب- إلى ارتفاع تكلفة الخسائر التي ستتكبدها صناعة الترفيه جراء الإضراب الراهن بـ30 مليون دولار يوميا، إضافة إلى انخفاض عدد التصاريح 64 في المائة في الأسبوع الأول من يوليو الجاري، ولم يتم تصوير أي مسلسل تلفزيوني مكتوب في ذلك الأسبوع، إضافة إلى بعض التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن إضرابات.
ومن المحتمل أن يؤدي الإضراب إلى تسريح العمال، حيث تقوم الاستوديوهات وشركات الإنتاج بتخفيض التكاليف لتحمل تداعيات هذا الإضراب، ما يعيد إلى الأذهان ما حدث في إضراب 2007، بتسريح أكثر من 100 ألف عامل في حقل صناعة الأفلام الهوليوودية.
كما سيؤدي الإضراب إلى إلغاء أو تأجيل المشاريع الكبرى في السينما والتلفزيون مع تسجيل خسائر كبيرة في الإيرادات للصناعة، كما ستلحق أضرارا كبيرة باقتصاد مدينة لوس أنجلوس، الذي يعتمد في المقام الأول وبشكل كبير على الترفيه، عبر انخفاض الإيرادات السياحية ومبيعات التجزئة، والإيرادات الضريبية المفقودة من توقف الإنتاج.
وتشير التقديرات إلى أن أجور صناعة هوليوود تشكل نحو 0.7 في المائة من اقتصاد كاليفورنيا البالغ ثلاثة تريليونات دولار، وكانت تقديرات الخسائر المبلغ عنها خلال الإضرابات السابقة تؤكد أن الإضراب طويل الأجل الذي يوقف الإنتاج لعدة أشهر قد يكلف اقتصاد كاليفورنيا عشرات المليارات من الدولارات.
الضرر لن يقتصر على هوليوود وقطاع العمل السينمائي بل سيصل إلى حدود سمعة الاقتصاد الأمريكي جراء تدهور سمعة هذه الصناعة، ما يجعل من الصعب عليها جذب مواهب جديدة، علاوة على الأضرار التي تلحق بثقة المستثمرين على المدى الطويل، ويمكن أن تؤدي إلى إحداث اضطرابات تستغرق أشهرا أو أعواما لتجاوزها.
صدام رابطة الكتاب هذه المرة مع تحالف منتجي الصور المتحركة والتلفزيون، الذي يمثل الاستوديوهات الرئيسة، بما يشمل ديزني ونتفليكس، للمطالبة بأجور أعلى وحصة أكبر من أرباح طفرة البث الحديثة، كما تتمحور القضايا الرئيسة في المحادثات حول آلية تقاضي الكتاب رواتبهم نظير العروض التي في الأغلب ما تظل على منصات البث لأعوام.
حملة تأييد
وشهد الإضراب دعما كبيرا، وتأييدا من نجوم الشاشات حيث أكد سيث مايرز مذيع برنامج ليت نايت، وقوفه مع المضربين في برنامجه الجمعة، قائلا، "أشعر بقوة مطالب الكتاب المعقولة، وبصفتي عضوا فخريا في النقابة، أنا ممتن جدا لوجود جهة تهتم بالمصالح العليا للكتاب".
بدوره أكد أليكس أوكيف، كاتب المسلسل الكوميدي الدرامي "ذا بير" والعضو في الاتحاد، في تصريح صحافي، "أن نصف الكتاب يحصلون من الاستوديوهات على الحد الأدنى"، موضحا أن الإنتاج الإبداعي لزملائه في الكتابة كان أفضل من أي وقت مضى، ويتوافق مع متطلبات عصر البث، لكن الكتاب يحصلون على رواتب أقل من أي وقت مضى.
ونقلا عن المخرج كريستوفر نولان أن النجمين كيليان ميرفي وإميلي بلانت غادرا العرض الأول لفيلمه "أوبنهايمر" مع بدء الإضراب.
الملاذ الأخير
بدوره، علق المدير التنفيذي الوطني للنقابة وكبير المفاوضين، دنكان كرابتري أيرلاند على إجراءات الإضراب بوصفه لها بأنها "الملاذ الأخير"، للعاملين في الرابطة والقطاع السينمائي، مشيرا إلى الدور الكبير الذي تقدمه النقابة لخدمة قطاع السينما الهوليوودي، في ظل جحود الشركات الكبرى، التي لا تقدم سوى الفتات للعاملين في حقل الكتابة، والتي تعد المحور الأساسي لأي عمل على حد قوله في إحدى الحوارات الصحافية.
احتدام المنافسة
من المتوقع أن تؤدي الشعبية المتزايدة للأفلام والموسيقى الصينية والكورية الجنوبية والهندية، إلى مزيد من النمو في تلك المناطق، مع توقعات لنقل مركز صناعة الترفيه والأفلام من الولايات المتحدة، ليتجه نحو أسواق جديدة، حيث تشير التقديرات في هذا الصدد إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تسجل أعلى معدل نمو سنوي مركب بنسبة 8.2 في المائة من 2022 إلى 2030، ويعزى هذا النمو بشكل رئيس إلى زيادة إنفاق المستهلكين على الترفيه والتسلية.
الأثر التكنولوجي
كما تمثل التكنولوجيا الحديثة أحد أبرز المتغيرات التي ستؤثر في صناعة الترفيه عموما، وهوليوود خصوصا، ومن المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغير في شكل هذه الصناعة وإتاحتها في متناول الجميع في أي مكان، علاوة على ذلك، يمكن للأفراد إنشاء المحتوى الخاص بهم بسهولة واكتشاف المواهب الجديدة.
واتساقا مع هذا التوجه، بدأت شركات الإنتاج الكبرى في الوجود في الأسواق الجديدة، والبدء في إنتاج محتوى إقليمي مناسب لهذه الأسواق، حيث سبق وأن أطلقت Disney+، في فبراير 2021، علامة Star التجارية في أستراليا ونيوزيلندا وأوروبا الغربية وكندا.