أسعار النفط والعوامل الاقتصادية والجيوسياسية
يتميز الوضع الحالي لأسواق النفط باتجاه هبوطي. فعلى الرغم من ارتفاع أسعار خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط يومي الخميس والجمعة الماضيين، إلا أنها حققت انخفاضا أسبوعيا بلغ أكثر من 3.4 دولار للبرميل. ويعود هذا التراجع إلى المخاوف بشأن الطلب، البيانات الاقتصادية الصينية الأضعف من المتوقع، ارتفاع مخزونات النفط، وتناقص علاوة مخاطر الأزمة في الشرق الأوسط، التي تفاقمت بسبب الأحداث الجيوسياسية الأخيرة.
ومما زاد من تفاقم مشكلات السوق، التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حول احتمال رفع أسعار الفائدة في المستقبل، ما أدى إلى زعزعة توقعات الطلب القوي في كل من أسواق الأسهم والنفط الخام. ويمارس التباطؤ الاقتصادي العالمي، الذي تميز بذروة عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام في أكتوبر، وتدهور ظروف العمل في الاقتصادات الرئيسة، ضغوطا هبوطية إضافية على أسعار النفط. على الرغم من نمو الاقتصاد الأمريكي، إلا أن المخاوف بشأن نمو الطلب على النفط الخام لا تزال قائمة.
مع ذلك، ارتفعت أسعار النفط، الجمعة الماضي، متراجعة عن أدنى مستوياتها في أكثر من ثلاثة أشهر التي وصلت إليها الأربعاء، مع ارتفاع خام برنت تسليم يناير إلى 81.43 دولار للبرميل، في حين ارتفع خام غرب تكساس الوسيط تسليم ديسمبر إلى 77.17 دولار. ومع تحول المعنويات نحو توقعات أكثر هبوطية، ستتجه كل الأنظار إلى "أوبك+" التي ستجتمع مرة أخرى في 26 نوفمبر.
في الواقع، من الواضح أن السوق أقل قلقا بشأن الاضطرابات المحتملة في العرض في الشرق الأوسط. بدلا من ذلك ركزت السوق على بيانات مخزونات النفط في الولايات المتحدة والطلب. لذا، ووفقا لحسابات معهد البترول الأمريكي، زادت احتياطيات النفط الخام في أمريكا بنحو 12 مليون برميل في الأسبوع الذي سبق الثالث من نوفمبر، وهو ما يمثل نموا كبيرا في المخزونات. لكن، هذه بيانات غير رسمية. حيث، أجلت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إصدار تقريرها الرسمي لأسبوع لإجرائها تحديثا مجدولا للنظام. يمكن أن تشير الزيادة القوية في المخزونات إلى وجود فائض مؤقت في العرض وعلامة على ضعف الطلب.
في هذا الصدد، تتوقع الإدارة أن ينخفض إجمالي استهلاك النفط في البلاد هذا العام بمقدار 300 ألف برميل يوميا ـ حيث غيرت الإدارة توقعاتها السابقة من زيادة قدرها 100 ألف برميل يوميا إلى سلبية.
وفي الصين، ألقت الصعوبات في إدارة مكافحة التضخم، وانكماش الصادرات، بظلال من الشك على آفاق التعافي الاقتصادي القوي، وهو أمر بالغ الأهمية نظرا لوضع الصين باعتبارها مستهلكا رائدا للسلع الأساسية.
في الوقت نفسه، أظهرت واردات الصين من النفط الخام نموا قويا في أكتوبر. لكن صادرات السلع والخدمات انكمشت بوتيرة أسرع من المتوقع، ما زاد من المخاوف بشأن انخفاض الطلب العالمي على الطاقة.
كما تلاشت علاوة الصراع في الشرق الأوسط تدريجيا، حيث لم يعد المشاركون في السوق يرون أسبابا مقنعة للخوف من انقطاع الإمدادات.
في الوقت الحالي، أصبحت الأزمة محصورة، وتراجعت مخاطر التصعيد على المستوى الإقليمي. لكن، مستوى عدم اليقين لا يزال مرتفعا جدا. وشجع هذا المشاركين في السوق في نهاية الأسبوع الماضي، ليس فقط على إغلاق مراكز البيع، لكن أيضا على فتح مراكز شراء على أمل ارتداد الأسعار من أدنى مستوياتها خلال ثلاثة أشهر.
وفي هذا الجانب أيضا، أشار محللو بنك يو بي إس (UBS) إلى أن أسعار النفط الحالية هي عند "مستوى الدعم التقني"، ما يشير إلى احتمالية ارتفاع الأسعار. ويتوقعون ارتفاع أسعار النفط بعد هذه الفترة من الضعف، مشيرين إلى أن المملكة وروسيا أعادتا التأكيد على التزامهما بالحفاظ على تخفيضات الإنتاج والتصدير حتى نهاية العام، ما يساعد على استقرار السوق. إضافة إلى ذلك، من المرجح أن يتم تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية إلى الربع الأول من العام المقبل، بسبب الانخفاض الموسمي في الطلب على النفط في بداية العام، استمرار المخاوف بشأن النمو الاقتصادي، وهدف "أوبك+" في تحقيق الاستقرار في السوق والحفاظ على مستوى سعر معين.
من جانبه، أكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة "أن الطلب على النفط لا يزال قويا، وأن المضاربين هم من يتحملون اللائمة في انخفاض الأسعار الأخير". وقال بشكل قاطع: "الطلب ليس ضعيفا، البعض يزعم ذلك، لكن كل هذا مجرد خدعة". أضاف الوزير أن بعض المنخرطين في سوق النفط أساءوا فهم الزيادات في صادرات النفط من الدول العربية الأعضاء في منظمة "أوبك" خلال الأشهر الأخيرة، وربطوا بينها وبين معدل إنتاج تلك الدول، لافتا إلى أن الشحنات موسمية، تميل إلى الانخفاض في الصيف، ثم تصعد مجددا في سبتمبر وأكتوبر، ما يعني أنه لا ينبغي النظر إليها على أنها تعني وجود تقلبات في الإنتاج.
وانتقد وزير الطاقة مرارا وتكرارا التجار والمضاربين في مجال النفط، محذرا إياهم في وقت سابق من هذا العام من أن أي شخص يراهن على النفط الخام سيعاني بصورة كبيرة. إنه مجرد واحد من عديد من التحذيرات.
وفي علامة على قوة الطلب، طلبت مقاطعة شاندونج، مركز التكرير المستقل في الصين، من الحكومة المركزية ثلاثة ملايين طن متري أخرى من حصص استيراد زيت الوقود للفترة المتبقية من العام، حيث تكافح المصافي لزيادة الإنتاج. وفي حالة الموافقة على الطلب قد يرفع حصة واردات زيت الوقود للمقاطعة لهذا العام إلى 19.2 مليون طن.
باختصار، أسعار النفط تلتقط أنفاسها وتعود بقوة بعد أن وصلت إلى مستويات منخفضة. ودعمت علامات التدخل المحتمل لـ"أوبك+" والبيانات الاقتصادية الصينية المشجعة هذا الانتعاش. تبدو التوقعات قصيرة المدى إيجابية، لكن تطورات السوق المستقبلية تظل تعتمد على عوامل اقتصادية وجيوسياسية مختلفة.