الذكاء الاصطناعي .. الحوكمة أو التهديد؟
شهدت الآونة الأخيرة أسئلة عدة مرتبطة بمستقبل الذكاء الاصطناعي وأثره في حياة الإنسان على المستويين الإيجابي والسلبي، وكان مفاد أكثر الأسئلة شيوعا بـ"هل الذكاء الاصطناعي سيكون لخير الإنسان وخدمة البشرية أم لا؟" حيث يسيطر الشك والريبة على بعض الناس بسبب مستقبل سيطرة الآلة على حياة الإنسان، فيما يحظى هذا التطور بتأييد البعض الآخر.
أخذت هذه المخاوف مساحة أكبر بسبب الانتشار الواسع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي دفع الدول المتقدمة إلى الدفاع عن نهضتها التكنولوجية، بنفي ودحض المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، حيث تؤكد أبحاث ودراسات أمريكية مستقلة صادرة عن مراكز الدراسات والأبحاث التكنولوجية منها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي خاضعة للسيطرة الكاملة، وأن الحكومة الأمريكية بصدد وضع تشريعات تضبط عمل الشركات المستثمرة في هذا المجال خشية من تغولها على هذا المجال، وسيطرتها المطلقة، ما يسبب وقوع حوادث".
التطور المستمر في معدلات الذكاء الاصطناعي أوجد شرخا بين الناس، حيث انقسمت وجهات النظر بين مؤيد ومعارض، الأول يرى في هذه القفزة التكنولوجية إنجازا لمصلحة البشر، سينعكس على حياتهم نحو الأفضل، بما سيوفره من سهولة ويسر في الحياة، خصوصا في المجالات الطبية، والتعليمية، والعملية.
أما الفريق الآخر فكان له رأي مخالف لاعتبارات أخلاقية تتعلق بالخصوصيات التي سيجري انتهاكها، فضلا عن المخاطر المحتملة التي تهدد سلم البشرية وأمنها، ولا يمكن التحكم فيها أو السيطرة عليها، حيث سيواجه الناس زيادة في معدلات البطالة، إذ يعدون أن هذا التطور السريع سيأخذ الحياة البشرية للهلاك بعد أن تسيطر الآلة بشكل كلي على حياة البشر.
وبعيدا عن جدلية التأييد والمعارضة، نجد أن الذكاء الاصطناعي أخذ أشكالا إيجابية، خصوصا بدوره المهم في مجال الهندسة الحيوية والجينات البشرية المعدلة، من خلال قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات الجينية والبيولوجية، لإدراك وفهم علم الجينوم البشري وتعقيداته بطريقة أفضل وأكثر فاعلية، لتحديد الجينات التي قد تكون مرتبطة بأمراض أزهقت عديدا من الأرواح.
وسينعكس أثر هذا التطور في عمليات تعديل السلاسل الجينية بدقة عالية، حيث سيتمكن العلماء من تحديد التسلسل الجيني، لمنع وعلاج الأمراض الوراثية، على الرغم من هذا التطور البناء للذكاء الاصطناعي في مجال الهندسة الحيوية إلا أن مخاوف أخلاقية واجتماعية، مرتبطة بالتبعات طويلة المدى للتعديل الجيني، وتحديدا تلك المرتبطة بإمكانية تغيير الصفات الوراثية، التي تؤثر في التنوع الجيني والبيولوجي، الذي سيضع رعاة هذا التوجه في أزمة قيم أخلاقية كبيرة.
على الصعيد الأخلاقي، تبنت الحكومات والشركات جهودا متقدمة لحوكمة الذكاء الاصطناعي لتدعيم المبادئ والثوابت والقيم في مجالات الذكاء الاصطناعي، لضمان تطوير أنظمة ذات موثوقية أخلاقية وأساسها الشفافية، حيث أخذ الذكاء الاصطناعي منحى آخر في هذا المجال، عبر تطوير منهجية اصطناعية متكاملة لاحترام القيم الأخلاقية والخصوصية والعدالة، من خلال إطار ثلاثي يرتكز على إدارة الجوانب وهي، الثقة، الخطر، والأمان في الذكاء الاصطناعي.
طالت اتهامات الذكاء الاصطناعي بأنه أصم خال من العواطف والمشاعر، إلا أن النقلة التكنولوجية الهائلة أعطت هذا الجانب حيزا واسعا، حيث أخذت قدرات الوعي والعاطفة لدى نظم الذكاء الاصطناعي تطورا في الوعي والإدراك الذاتي، إذ يتم العمل على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تتمتع بدرجة من الوعي أو الشعور بالذات مشابهة لتلك الموجودة لدى البشر، ومع التطور في مجالات الحوسبة العصبية، قد تصل البشرية إلى هذه المرحلة من الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب.
تعرف الحوسبة العصبية أو الشبكة العصبية بأنها طريقة لمحاكاة الدماغ البشري في أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث تتجمع ضمن مجموعة من العقد الشبكية، على غرار شبكات الأعصاب المتصلة بالدماغ البشري، وتتصل هذه العقد ببعضها بعضا، ولكل منها وظيفة متخصصة للعمليات الحوسبية مثل حل المشكلات وتدقيق الحلول، واعتماد الحلول الأكثر سلاسة وموثوقية، من خلال عمليات متكاملة ومتسلسلة.
وبحسب نتائج الدراسات التي أجريت في هذا المجال سيطول التطور التغلب على ما يسمى عنق زجاجة فون نيومان، وهي منظومة تعتمدها معظم الأجهزة، وتفصل بين الذاكرة والحوسبة، وبالنظر لرقائق نيومان التي تنقل المعلومات بين الذاكرة ووحدة المعالجة المركزية باتجاهين مختلفين من وإلى الذاكرة والحوسبة، التي تتسبب في إهدار الوقت، وبحسب خبراء التقنية الحديثة فإن الحوسبة العصبية المستوحاة من الدماغ البشري ستكون حلا وبديلا لبنية فون نيومان، ومن المرجح أن يتم التسويق لها عالميا بين مراكز التطوير والأبحاث التابعة للدول المتقدمة، لتكثيف جهود الاكتشاف العلمي.
المخاوف المتكررة كانت أغلبيتها من أنظمة الحوسبة العصبية، التي ارتبطت بحادثة سابقة ذكرتها صحيفة التليجراف البريطانية، أن فيسبوك أغلق روبوتات الدردشة التفاعلية ذات الذكاء الاصطناعي "بوب" و"أليس" بسبب تواصلهما بلغة لا يفهمها البشر، مشيرة إلى أن علماء أبحاث الذكاء الاصطناعي بشركة ميتا اكتشفوا أن "بوب" و"أليس" تحدثا أثناء التفاوض فيما بينهما بهدف محاولة لتبادل القبعات.
وذكر الباحثون أن روبوتات الدردشة التفاعلية كانت مبرمجة على استعمال اللغة الإنجليزية أثناء المحادثة، بيد أنها استخدمت كلمات غير مفهومة بالنسبة للبشر، إلا أنها كانت واضحة لدى الروبوتات، التي أدت المطلوب منها بنجاح.
الحادثة السابقة كانت قبل الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يشمل مجالات المحادثة المتطورة، من خلال تصميم الأنظمة والنماذج القادرة على إنشاء محتوى جديد قد يكون على شكل نصوص مكتوبة أو مسموعة، ومنها ما يكون على شكل صور واقعية أو تخيلية، ومنها موسيقية ابتكارية، وتتمحور الوظيفة الرئيسة لهذا النوع من الذكاء الاصطناعي بتوظيف قواعد البيانات لصناعة شيء جديد ومتميز عما سبقه، وسيشهد العالم مزيدا من التطور في هذا المجال خلال العام المقبل.
اعتمد الاستخدام التكنولوجي والحاسوبي، بمختلف مستويات ذكائه على طريقة ونوعية المستخدم في توظيف هذه المنهجيات المتطورة لخدمة الإنسان والبشر إلا أن التكنولوجيا الناشئة حديثا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وأنواعه المختلفة تتجاوز دور الإنسان واستخدامه، حيث تشكل آلية العمل الذاتي خطرا على الإنسان في حال حدوث خلل ما كما يحصل في أفلام الخيال العلمي.