السمنة .. عائق اقتصادي ومحطم للإنتاجية
يبدو أن الغذاء هذا الشتاء كحقل ألغام أكثر من ذي قبل. كان الأغنياء مهووسين بالنشويات وبكتيريا الأمعاء ويرتدون أجهزة مراقبة السكر في الدم كأحدث الإكسسوارات. واقتصر غذاء الفقراء على الطعام الرخيص الذي أصبح مصنعا أكثر مما يمكن تصوره. يضم عالمنا - الذي من المفترض أنه متقدم - مشهدا غريبا لأشخاص بدناء، لكن لا يزالون جائعين.
لحسن الحظ، الحلول في متناول اليد. في الحقيقة، قد يكون 2024 هو العام الذي نبدأ فيه قلب تيار السمنة. يظهر العلم بوضوح متزايد طرق تأثير الأطعمة غير الصحية في بيولوجيتنا، ويقدم أدوية جديدة للمساعدة. تدرك الحكومات التي تعاني ضائقة مالية أن السمنة تفرض تكاليف غير مقبولة على فرص العيش، وأنظمة الصحة، والإنتاجية. وتوضح بعض المبادرات الرائعة، في كل من أوروبا وأمريكا، أننا نستطيع السيطرة على هذه الأزمة بطرق من الممكن أن تغطي تكاليفها حتى.
كان السياسيون والأطباء قلقين حتى الآن بشأن إخبار المواطنين بما عليهم أكله. يؤكد السياسيون على الحرية "وأسلوب الحياة"، أما الأطباء الذين قابلتهم فقد كانوا متشائمين عما إذا كان مرضاهم سيفقدون الوزن أبدا أم لا. لكن تعارض أدلة أن بعض المنتجات تسبب الإدمان الاعتقاد بأن الأشخاص يجب أن يعطوا الحرية لاختيار السموم بأنفسهم بشكل متزايد.
وجدت الأبحاث أن بعض الدهون والسكريات عندما تمزج معا تعطي أدمغتنا شعورا مماثلا لشعور إفراز الدوبامين عند استخدام النيكوتين والمشروبات الكحولية: يمكن أن يصبح لدى فئران التجارب التي أعطيت التشيزكيك رغبة عارمة به بشكل قاتل. تشير بعض الأعمال الأخرى إلى أن الأطعمة غير الصحية قد تسبب اختلالات هرمونية لبعض الأشخاص ذوي الوزن الزائد للغاية، ما يبقيهم جائعين. أشار استطلاع حديث في المملكة المتحدة إلى أن أقل من 0.1 في المائة من السكان كانوا يتبعون إرشادات الغذاء الصحي الحالية جميعها، وأصبحت "الحلويات" تستهلك يوميا الآن. "التوعية العامة" وحدها لن تقلب التيار.
يعد ظهور الأدوية المثبطة للشهية مثل "ويجوفي" نقطة تحول. الجزء الناقد مني كان مترددا في قبول شيء يبدو أنه لا يستلزم إلا جهدا ضئيلا، كما أنني قلقة من الآثار الجانبية المحتملة. وقد شعرت بالقلق من أن بعض أصدقائي في الطب العام قد ذكروا أن بعض المرضى يطلبون "ويجوفي" لعطلة نهاية الأسبوع، حل سريع ليبدوا رشيقين في أمسية خارج المنزل. لكن مساعدة الناس على الخروج من دائرة الأطعمة غير الصحية هي واجب أخلاقي ومالي. وبدأت ألتقي أشخاصا وجدوا أن فقدان الوزن الأولي أخرجهم من حالة الشراهة، ما أعطاهم حافزا لتحسين نظامهم الغذائي ومستويات نشاطهم.
كما يبدو أن الأدوية الجديدة جعلت الأطباء أكثر انفتاحا لاحتمالية أن المرضى يمكنهم فقدان الوزن وعدم اكتسابه مجددا. تزداد شجاعة الأطباء الذين عادة ما يسألون المرضى عما إذا كانوا يدخنون في التطرق إلى موضوع الوزن الحساس. في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، تصف العيادات الرائدة الأطعمة الطازجة كعلاجات. في بنسلفانيا، بدأت إحدى شركات التأمين الصحي "صيدلية الأطعمة الطازجة" التي تقدم عشر وجبات صحية و20 ساعة من ورش الطبخ لمرضى السكري وعائلاتهم. صمم البرنامج ليتخطى التحديات التي يواجهها أولئك الذين ليس لديهم وصول كبير للمكونات الجيدة. تحسن المدخرات الناتجة عن فواتير المستشفيات الدخل الصافي.
كان الاستسلام للسمنة أمرا استثنائيا، قيل لنا في وقت ما إنها نتيجة للجينات، لكن لا يمكن تفسير أن وباء بهذا الحجم قد يكون نتيجة للجينات. اتهم أولئك الذين يحثون على اتخاذ إجراءات صارمة بأنهم يصمون الناس بالسمنة، حتى إن كان تأثيرها في الصحة واضحا وأنها تصيب الفقراء بشدة أكبر. ينهي واحد من كل ثلاثة أطفال إنجليز الآن المدرسة الابتدائية بزيادة في الوزن، ومن المحتمل أن يصاب الأطفال في المناطق المحرومة من الدول بالسمنة ضعف احتمالية إصابة الأطفال في معظم المناطق الأكثر حظا. وقد تم حثنا على رؤية المستهلكين على أنهم ساذجون، أتذكر أنه كان يتم إخباري - عندما كنت أعمل على ضريبة السكر على المشروبات في 2015 - بأن الناس لن ينتقلوا من المشروبات الغازية إلى الماء مباشرة، بل سيتحولون إلى البدائل من فئة "دايت" فقط.
رفض النشطاء تقبل أي من هذا. زرت أخيرا مدرسة ابتدائية في لندن حيث كانت نصف عائلات الأطفال فقيرة لدرجة تؤهلها للحصول على وجبات المدرسة المجانية. جلسنا للغداء على طاولة طويلة ذات كراسي، حيث وضعت أطباق من شرائح الجزر والفاكهة بشكل جذاب. شاهدت الأطفال يركضون نحو نافذة تقديم الطعام، حيث كان هناك طاه من أحد أفضل المطاعم يشجع الأطفال على تجربة شيء واحد على الأقل لم يجربوه من قبل. كان المشروب الوحيد هناك هو الماء. وكان الموظفون يأكلون مع الأطفال ويتحدثون عن الحديقة الصغيرة التي يزرعون فيها الأعشاب. تلك كانت واحدة من بين 190 مدرسة مدعومة من طهاة في المدارس، وهو عمل خيري يغير الثقافة ويساعد المدارس على إنشاء المطابخ وزراعة الأطعمة والطبخ من الصفر، وتعليم الأطفال والأهالي والموظفين على حد سواء.
إن هذا الطموح هائل، ويجب أن ينتشر. توفر المدارس ومراكز رعاية الأطفال والمشافي والمؤسسات العامة الأخرى فرصا ضخمة لتحسين ما نأكل. في الدنمارك، تعاونت الحكومة والشركات على تشريع عزز أن يكون ما يصل إلى 60 في المائة من نسبة الأطعمة المشتراة في الأماكن العامة عضوية. في كوبنهاجن، بلغت النسبة الآن 90 في المائة، مع خفض التكاليف باستخدام نسبة أكثر من الفاصوليا وأقل من اللحوم.
بدأ تنفيذ بعض الإجراءات المحلية: تحظر بعض المجالس البريطانية منافذ الوجبات السريعة من العمل بالقرب من المدارس. يمهد الإجماع الطريق لقيادة وطنية أكبر، على قيود الإعلانات والوصفات.
يبدو تصحيح المسار الآن ممكنا، بطريقة لم تكن ممكنة قبل الجائحة. سيكون كبح السمنة ميزة تنافسية حيث يصبح من الواضح بشكل متزايد أنها تعوق الاقتصاد، وتحطم الإنتاجية، وتضعف فرص العيش. ستترأس الدول التي لا تتخذ إجراءات جادة لتقليل وزن سكانها قريبا، المجتمعات التي لا يزال الفقراء فيها تحت رحمة دورة الوجبات السريعة، بينما يدفع الأغنياء ثروة للهروب منها، سنجتاز هذا المأزق نحو التحسين.