أسعار النفط والتوترات ومؤشرات الاقتصاد الكلي

رغم تزايد التوترات في البحر الأحمر، تم تداول أسعار النفط في يناير حتى الآن في نطاق ضيق. حيث، تراوحت أسعار خام غرب تكساس الوسيط في الفترة من الثالث من يناير إلى نهاية الأسبوع الماضي بين 70 و75 دولارا للبرميل، وأسعار خام برنت بين 76.5 و80.5 دولار للبرميل.
يشير هذا إلى أن المتداولين لا يراقبون الصراع في الشرق الأوسط فحسب، بل يراقبون أيضا مؤشرات الاقتصاد الكلي، الطلب وإمدادات النفط من خارج "أوبك+"، خاصة الولايات المتحدة.
مع ذلك، لا يتجاهلون خطر التصعيد الكارثي الذي يمكن أن يعطل إنتاج النفط والصادرات وشحن الناقلات، لكنهم يتعاملون معه باعتباره خطرا أقل احتمالا. وخلص معظم المتداولين إلى أن خطر التصعيد غير المحسوب الذي قد يؤدي إلى مواجهة كبيرة وتعطيل إمدادات النفط العالمية لا يزال منخفضا نسبيا.
في هذا الجانب، يقول المحللون إنه دون تصعيد جيوسياسي كبير في المنطقة، من المرجح أن تظل أسعار النفط حول المستويات الحالية هذا العام، بسبب الطاقة الاحتياطية الكبيرة لدى منتجي "أوبك+" وتوقعات العرض والطلب المتوازنة إلى حد كبير.
أدت الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر والرد الأمريكي عليها إلى ارتفاع أسعار خام برنت لفترة وجيزة فوق 80 دولارا للبرميل في نهاية الأسبوع قبل الماضي، لكن الأسعار تراجعت سريعا إلى نحو 78 دولارا للبرميل في التعاملات الآسيوية في وقت مبكر من الإثنين. وتواصل السوق ترقب التطورات في الشرق الأوسط واحتمال حدوث انقطاع كبير في إمدادات النفط من أهم منطقة منتجة ومصدرة للنفط في العالم.
لكن صورة العرض والطلب على النفط تبدو متوازنة إلى حد ما أو قد تشهد فائضا طفيفا هذا الربع، في حين ارتفاع الطلب في الربعين الثاني والثالث من شأنه أن يشدد على السوق وربما يدفع الأسعار إلى الارتفاع.
سيعتمد كثير على سياسات العرض الخاصة "بأوبك+" التي أعلنت تخفيضات إضافية في الإنتاج للربع الأول من 2024. وإذا قررت المجموعة إلغاء تلك التخفيضات، أو جزء منها بعد مارس، فإن العرض سيكون أكثر من كاف لتلبية نمو الطلب، مع الأخذ في الحسبان أن إمدادات النفط من خارج المجموعة من المتوقع أيضا أن تستمر بالارتفاع بقيادة الولايات المتحدة، البرازيل وكندا. ويمتلك منتجو "أوبك+" الآن طاقة احتياطية كافية لمواجهة بعض الاضطرابات في تدفقات النفط التي قد تنجم عن المخاطر الجيوسياسية، خصوصا عبر مضيق هرمز الذي يمر عبره أكثر من 20 مليون برميل يوميا، وهو ما يعادل نحو 20 في المائة من الاستهلاك العالمي.
لذا من الواضح أن مزيدا من الاضطرابات الكبيرة في تدفقات النفط في هذه المنطقة سيكون أكثر إثارة للقلق بالنسبة للأسواق. على عكس البحر الأحمر – حيث يمكن للسفن تحويل مسارها واتخاذ طريق أطول حول جنوب إفريقيا – لا يوجد بديل آخر يذكر للسفن التي تمر عبر مضيق هرمز. فقط المملكة والإمارات لديها خطوط أنابيب تتجنب مضيق هرمز تبلغ طاقتها المشتركة نحو 6.5 مليون برميل في اليوم، لكن بقية تدفقات النفط ستكون في خطر.
ويقول محللون من بينهم "جولدمان ساكس": إن خطر حدوث انقطاع كبير في تدفقات النفط من الخليج العربي وعبر مضيق هرمز منخفض، لكن الأمر يستحق بالتأكيد مراقبته، نظرا للتأثير المحتمل الذي يمكن أن يحدثه على إمدادات النفط وأسعاره.
بدءا من نوفمبر 2023، كان تحالف "أوبك+" يمتلك أكثر من خمسة ملايين برميل في اليوم من الطاقة الإنتاجية الفائضة أو نحو 5 في المائة من الطلب العالمي، وفقا لبيانات البنك الدولي.
وهذه الطاقة الاحتياطية أعلى بكثير مما كانت عليه في نهاية عام 2022، وتمنح السوق بعض الراحة، حيث إذا لزم الأمر يمكن لــ"أوبك+" زيادة العرض.
في العام الماضي، بلغ متوسط أسعار خام برنت 83 دولارا للبرميل، مقارنة بمتوسط 101 دولار للبرميل في 2022 – بفارق 19 دولارا للبرميل.
وفي أحدث تقرير شهري للطاقة على المدى القصير، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 82 دولارا للبرميل في 2024، وهو السعر نفسه تقريبا في 2023، ثم ينخفض إلى 79 دولارا للبرميل في عام 2025. حيث تتوقع الإدارة أن يتجاوز نمو الإنتاج نمو الطلب قليلا، ما يسمح للمخزونات بالتراكم بشكل متواضع ويضع بعض الضغط الهبوطي على أسعار النفط الخام.
وبطبيعة الحال، تزيد التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط من مخاطر انقطاع الإمدادات مقارنة بالتوقعات، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتقلبات أكثر. وسيؤثر النمو الاقتصادي والطلب على النفط في الاقتصادات الكبرى – بما في ذلك الولايات المتحدة والصين – أيضا على اتجاه أسعار النفط، حيث إن تخفيضات أسعار الفائدة الأمريكية أكثر أو أقل في 2024 عما هو متوقع حاليا يمكن أن تؤدي إلى ميل الاستهلاك ومعنويات السوق صعودا وهبوطا، على التوالي.
بشكل عام، ما لم يحدث تصعيد جيوسياسي كبير يؤدي إلى انقطاع كبير في الإمدادات – وهو أمر لا يمكن استبعاده – من غير المرجح أن تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل في 2024، كما يتوقع البعض. خصوصا مع ارتفاع إنتاج وصادرات النفط الأمريكية بشكل أسرع وأعلى من المتوقع، ومعنويات السوق بشأن الطلب متشائمة إلى حد ما، خاصة في النصف الأول من 2024.
ومع التخفيضات المعلنة الأخيرة للربع الأول من 2024، يحاول تحالف "أوبك+" الحفاظ على توازن متشدد لأسواق النفط. لكن المجموعة تواجه إنتاجا قياسيا من النفط الأمريكي وزيادة الإمدادات من المنتجين الآخرين من خارجها بما في ذلك البرازيل، غيانا، كندا، والنرويج. على الرغم من دعوة البرازيل لتكون جزءا من "أوبك+" بدءا من يناير 2024، لكنها قالت إنها لن تشارك في أي تخفيضات في الإنتاج.
تحاول "أوبك+" الحفاظ على استقرار السوق وحد أدنى لأسعار النفط (على حساب حصتها في السوق)، لكنها قد لا تنجح في دعم الأسعار أكثر من اللازم. وينطبق هذا بشكل خاص إذا لم تقم المجموعة بتمديد التخفيضات إلى ما بعد مارس 2024.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي