نمو صيني متأثر بزمنه
"الاقتصاد الصيني بات أكثر ديناميكية وقدرة على الصمود"
شي جين بينغ، رئيس الصين
إذا نظرنا لنمو الاقتصاد الصيني المتوقع لهذا العام و المقبل، مقارنة بما كان عليه في العقود الماضية. فهذا النمو سيكون منخفضا، يخضع لزيادة والنقصان، بينما كانت وتيرته السابقة ماضية في الارتفاع. الأوقات تتغير على الاقتصاد العالمي كله، وما كان من "المسلمات" سابقا، ليس كذلك الآن. فحتى قائمة ترتيب أحجام الاقتصادات الكبرى، يشهد متغيرات بفترات زمنية قصيرة. فقد احتلت ألمانيا "مثلا" مكان اليابان في هذه القائمة، وتقدمت الهند على بريطانيا. والاقتصاد الصيني الذي يحتل المركز الثاني، يمر بمرحلة حساسة، كغيره من الاقتصادات الوازنة حول العالم، ويحتاج إلى نمو سريع في الفترة المقبلة، بصرف النظر عن نسبته. فالهدف الحكومي هو 5 %، ومن الواضح أن ذلك يمكن تحقيقه بنهاية العام الحالي.
أخيرا، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد الصين، إلى الحد الرسمي المستهدف من قبل بكين، لكن المؤسسة الدولية، ترى ضرورة أن تكون هناك سياسات إضافية لدعم سوق الإسكان المتعثرة منذ أكثر من عامين، في الوقت الذي تؤثر فيه سلبا التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، رغم بعض الانفراجات غير العميقة بين الطرفين في الفترة الماضية. ولا شك، أن الحكومة الصينية (على عكس غيرها من الحكومات في الاقتصادات الكبرى) سياسات قوية لتحفيز النمو، في أعقاب انفجار جائحة "كورونا". التدخلات الحكومية كانت ضرورية جدا لضمان الحراك الاقتصادي خلال فترة الأزمة، التي لا يزال العالم يعاني من آثارها السلبية على الأداء الاقتصادي العام.
لكن في النهاية يحقق ثاني أكبر اقتصاد في العالم، قفزات لافتة على الساحات المختلفة، بما في ذلك، الإجراءات التي اتخاذها البنك المركزي الصيني أخيرا لدعم القطاع العقاري، بما في ذلك برنامج لتمويل عمليات شراء الحكومات المحلية للمنازل الراكدة، لدى شركات التطوير العقاري. وهذه النقطة مهمة جدا، لأنها تعزز الخطوات نحو تقليص حالة عدم اليقين. في الربع الأول من العام الجاري نما الناتج المحلي الإجمالي السنوي (مايو) ليسجل أكثر من 586 مليار دولار، بينما كانت التوقعات بحدود 513 مليار دولار. وهذا يعزز بالتأكيد الوصول إلى نمو سنوي عند 5 % لهذا العام، و4.5 % في العام المقبل. وفي الشهر نفسه، ارتفعت الصادرات بأكثر من التوقعات بعدما نمت بنسبة 6.7 %، حيث زاد فائض الميزان التجاري 83 مليار دولار تقريبا. وهذه نقطة فائقة الأهمية في اقتصاد لا يزال يعتمد بصورة كبيرة على الصادرات.
كل المؤشرات جيدة على الساحة الصينية، شرط ألا تتم مقارنتها بالفترة الذهبية الطويلة التي مر بها اقتصاد البلاد. فالمرحلة المقبلة ليست سهلة، سواء على الساحة المحلية أو الخارجية. وإذا كانت السلطات التشريعية في بكين تقوم بخطوات تسارعت في الآونة الأخيرة محليا لمواجهة أي تعثر، ولعلاج أزمات التي ظهرت مطلع العقد الحالي، إلا أن الأخطار والمشكلات على الساحة الخارجية، لا تزال تلقي بظلالها على الساحة العالمية، نتيجة الصراعات التجارية التي لم تنته بين الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي أفرزت مزيدا من الحمائية لدى الأطراف الثلاثة. حتى أن صندوق النقد الدولي لا يستبعد صداما سريعا للغاية.
ستضمن الصين نموا مقبولا، وسيكون أكبر من أي نمو لأي اقتصاد غربي، ولا بد من البناء عليه في الأعوام المتبقية من العقد الجاري، وستكون الضمانات أكبر، لو تمت بالفعل تفاهمات بين الاقتصادات المحورية عالميا، وحصول هدنة حقيقية في المعارك التجارية التي لم تتوقف منذ أعوام عدة.