متى تخرج عقارات الصين من الحفرة؟
لا تبدو نهاية سريعة لأزمة العقارات في الصين، بالرغم من تدخل الحكومة المركزية والحكومات المحلية لاحتواء الآثار التي تركتها الأزمة، ليس فقط في مجال التمويل المحلي، بل والعالمي أيضا، على اعتبار أن هناك عددا من المؤسسات المالية والمصارف الخارجية، باتت منذ مطلع العقد الحالي، منكشفة على نظيراتها الصينية التي تعاني الآثار السلبية للأزمة العقارية. باتت مشاهد الأبنية الفارغة في كثير من المدن الصينية سائدة، إلى جانب أعداد هائلة من الأبنية التي لم تكتمل. وهذا يعد بمنزلة حفرة عميقة تمتص الأموال، بينما يسعى المشرعون إلى تخفيف ضغوط الأزمة، بوسائل متعددة، لم تصل بعد إلى ما تطمح إليه الحكومة المركزية في بكين.
ولا شك في أن تراجع ثقة المسترين والمستمرين في السوق العقارية الصينية لا يزال مستمراً، وهذا ما أسهم في تراجع الأسعار بشدة في السنوات الماضية، ناهيك عن عزوف مستثمرين تخصصوا في التمويل العقاري، عن دخول السوق في الوقت الراهن، انتظاراً للنتائج المأمولة من عملية الإصلاح التي بدأت بالفعل منذ أكثر من عام. بعض الجهات تعتقد بأن التدخل الحكومي للإنقاذ لا يزال أقل مما يجب، وبعضها الآخر ترى أن الأمر لا بد أن يصل إلى مرحلة أن تترك شريحة من هذه العقارات لمصيرها، على أساس أن ذلك سيكون أقل تكلفة من إنقاذها، ولا سيما المساكن الفاخرة المرتفعة القيمة. على الساحة الصينية اليوم أكثر من 390 مليون متر مربع من الوحدات السكنية غير مأهولة، وفق الإحصاءات الرسمية، ومن المتوقع أن ترتفع ولو قليلاً بنهاية العام الجاري.
ومن العلامات الفارقة للأزمة الراهنة، أنها تمتد على البر الصيني حقاً شمالاً وجنوباً. الذي يجعل الأمر أكثر حدة، أن الاستثمار العقاري في الصين، كان ينظر على أنه الأكثر أماناً، مقارنة ببقية القطاعات التي تشكل في النهاية ثاني أكبر اقتصاد في العالم. فقبل هذه الأزمة، كان هذا القطاع يرفد الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بـ 25 %. ويبدو واضحاً أن وسائل التشجيع التي تطرحا الحكومات المحلية، بما في ذلك توفير دعم يصل إلى 14 دولار للمتر المربع الواحد، لم تحقق حتى الآن نتائج عملية. فالضغوط على القطاع مستمرة، إلى جانب عدم قدرة مزيد من شركات التطوير العقاري على السداد، ولا سيما ذات الأحجام الصغيرة والمتوسطة.
أسعار العقارات تواصل الانخفاض بصورة كبيرة، ولا سيما تلك المندرجة ضمن المشاريع الحديثة. والخوف حالياً من تأثر أكبر للمصارف التي وفرت التمويل العقاري على مدى السنوات الماضية، والرهان الأساسي بات يرتكز بقوة على الشركات العقارية الحكومية، التي ينبغي عليها أن تطرح الوحدات السكنية الفارغة بأسعار مقبولة. وفي النهاية، تعرض الحكومة المركزية أنه لا بد من مواصلة طرح حزم التحفيز من جانبها، لضمان احتواء واقعي لأزمة العقارات، كما يحدث عادة في أغلبية الدول، عندما تواجه أزمات مشابهة في هذا القطاع أو غيره. ومن ذلك، هناك من لا يزال يعتقد على أن هذه الحزم لن تحدث التحول السريع في الفترة المقبلة.
ما يحتاجه القطاع العقاري في الصين حالياً، إلى جانب المحفزات أو التسهيلات من الجهات المختلفة، هو ارتفاع حجم الطلب على المساكن بكل أنواعها، ولا سيما غير الفاخرة منها، خصوصاً مع استمرار اتساع الرقعة الديمغرافية في كل المناطق الصينية دون استثناء، بفعل الهجرة الداخلية المتواصلة نحو المدن. وقد أثبتت التجربة منذ بدء الأزمة، أن تسهيلات إعادة الاقتراض ليست أدوات ناجعة لتحريك السوق. إنها عملية متكاملة لا بد من اشتراك كل الأطراف بها للخروج من أزمة تؤثر بصورة سلبية متعاظمة في الأداء العام للاقتصاد الصيني.