احفر احفر ولا تتوقف

في انتخابات 2008 وفي أوج نشوة الأمريكيين بثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة رفع المرشح الجمهوري جون ماكين ومرشحة نائبة الرئيس سارة بيلين شعار حملتهم الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض بتعهد صريح قطعوه على أنفسهم بالمضي قدماً بدعم هذه الثورة النفطية في الإنتاج الأمريكي وعدم الالتفات للانتقادات الحادة التي كانت تشير بأصابع الاتهام إلى القفزة الهائلة في الإنتاج الأمريكي والتطور التكنولوجي الذي أسهم في فك إقفال صخور مكامن النفط في أحواض جنوب الولايات المتحدة النفطية وشمال شرقها كما في ولاياتها الشمالية وعدم الالتفات للاتهامات التي أشارت بإصبع التهام إلى تسببها في الزلازل وتلوث المياه الجوفية وتأثيراتها في البيئة والمناخ. كان ماكين وسارة بلين يرفعون شعار "احفر حبيبي احفر"، واستمر في الحفر ولا تهتم لكل هذه الانتقادات والاتهامات التي كان باراك أوباما المرشح الديمقراطي وأنصاره يهاجمون الجمهوريين بسبب هذا الشعار.

ذلك الدعم الذي تعهد به الجمهوريون لأرباب الصناعة النفطية في الولايات المتحدة كان مهماً ومؤثراً وحاسماً حيث الاستمرار في التوسع في الإنتاج والاستكشاف وتطوير التقنيات وتحسين كفاءة الإداء ومضاعفة الأرباح يمر في مسار حساس وصعودي ويحتاج إلى الدعم والمساندة. كان صناع السياسة والجمهوريون على وجه الخصوص يرون في هذا الدعم عاملاً مهماً يفضي إلى استقلال الولايات المتحدة في قطاع الطاقة وتحريرها من الاعتمادية على نفط الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.

اليوم يرفع دونالد ترمب المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية الشعار نفسه ويتعهد بالمبدأ نفسه وهو يغازل في تريده هذا الشعار الأصوات التي ترى في استمرار زيادة الإنتاج فرصة كبيرة للاقتصاد الأمريكي كما يخطب ود الولايات المتأرجحة النفطية التي ترغب في زيادة الأنشطة النفطية وزيادة في توفير الوظائف في القطاع النفطي. لكن 2024 ليس كعام 2008 فخلال الـ16 عاماً الماضية مر كثير من الماء تحت الجسر ولعل العام 2019 كان محطة مهمة للولايات المتحدة حيث حطمت الولايات المتحدة الرقم القياسي للإنتاج وتصدرت دول العالم بإنتاجها فوق مستوى 12.3 مليون برميل يومياً بعد أن كانت لعقود طويلة في موقع خلف السعودية وروسيا في مستوى إنتاجها النفطي.

ويبرز السؤال هل هذا الشعار سيحدث فرقاً كما كان في 2008؟ الحقيقة أن الإجابة هو أن تأثير مثل هذا الشعار والتعهد بدعم أنشطة الحفر والإنتاج قد تكون محدودة فالولايات المتحدة قد وصلت فعلاً إلى مستوى قياسي آخر في الإنتاج وأصبحت تنافس نفسها، ففي 2023 وصل إنتاجها من النفط إلى 13.3 مليون برميل يومياً كأكبر منتج للنفط في العالم ولم يتبقى كثير من المحفزات التي قد يسهم فيها المرشح الجمهوري ترمب لدعم هذه الأنشطة حيث التركيز الآن على تطوير التقنيات التي قد تستعيض عن مئات الوظائف كما كانت تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي الموازي هي من أحدث فرقاً في ثورة النفط الصخري عند بدايته.

كما أن زيادة الإنتاج التي قد تصل إلى 13.7 مليون برميل يومياً إذا تم تطبيق بعض التقنيات الجديدة التي لن يكون لها علاقة بالتشريعات التي تعهد بها دونالد ترمب بإلغاءها لتسهيل عمليات التوسع أن حدثت بل ستكون مرتبطة بتحسين كفاءة الإنتاج ومضاعفة العوائد. وهناك عامل اقتصادي مؤثر قد يفضي إلى تباطؤ في حجم الأنشطة النفطية في الولايات المتحدة وفي العالم في حال انفجار الزيادة في الإنتاج من الولايات المتحدة إلا وهي زيادة المعروض في الأسواق التي قد يتبعها انخفاض في الأسعار بالتالي تخفيض حجم الاستثمارات وانكماش في توفير الوظائف، فزيادة الإنتاج لا تعني بالضرورة اقتصاد نفطي صحي متعافي ووظائف جاذبة واستثمارات مستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي