مكافحة الفساد .. عندما تفشل الرقابة الداخلية؟

نشرت هيئة مكافحة الفساد عدة قضايا تم فيها الكشف عن جرائم فساد وإخلال بالأمانة، وعند دراسة هذه الحالات تبيَّن أن منها حالات تم فيها الكشف عن المتورطين في القضايا قبل تنفيذ ما يسعون إليه، ومن ذلك ما تم الإعلان عنه من القبض على مواطن ومقيمين، لحظة تسليمهم مبلغا ماليا كبيرا مقابل إدخال حاوية من ميناء جدة دون دفع الرسوم الجمركية، وبطريقة غير نظامية من خلال تضمين البيانات الجمركية معلومات مضللة.
في هذه الحالة نقر بأن نظام الرقابة الداخلية في هيئة الزكاة والدخل كان فعالا، وتم التعاون مع هيئة مكافحة الفساد في تسهيل دخول الحاوية ومتابعة خط سيرها لتحديد المستفيد النهائي، وهو ما مكن من تفتيش الموقع حيث تبين وجود كميات كبيرة من منتجات مخالفة (غير معلومة المصدر)، وبذلك تم التنسيق مع الجهات المختصة (هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، وأمانة محافظة جدة، والهيئة العامة للنقل، والهيئة العامة للغذاء والدواء) لإعداد المحاضر اللازمة، هنا نجد حالة مثالية من تفعيل أنظمة الرقابة وأدوات الكشف عن الفساد وتفاعلا مميزا بين قطاعات عدة.
في حالة أخرى جرى القبض على مواطن لقيامه بالاشتراك مع موظف في بنك محلي بالتحايل على الأنظمة البنكية واستخراج تمويل بمبلغ ضخم بطريقة غير نظامية، عبر قيام المواطن بتقديم طلب تمويل يتضمن صكوكا لعقارات غير صحيحة وعقودا وهمية لاستثمار تلك العقارات من قبل جهات حكومية، وقيام موظف البنك بقبول طلب الأول، ورفع بريد إلكتروني للجهات المختصة في البنك التي أصدرت التمويل وقد تم استلام مبلغ التمويل وتحويل جزء كبير منه لخارج السعودية وشراء عقارات بهدف إخفائها، وقد تم كشف المتورطين من جانب مكافحة الفساد بالتعاون مع رئاسة أمن الدولة والبنك المركزي السعودي، أي إن البنك الذي حدثت فيه القضية (كما فهمت) لم يتمكن من كشف الفساد، كما حدث في هيئة الزكاة والدخل والجمارك.
وبمعنى أكثر مهنية فإن أنظمة الرقابة في الهيئة كانت فعالة ولم تفشل في كشف الفساد، بل تعاونت مع مؤسسات الدولة الأخرى لكشف مواقع الجريمة المنظمة، وفي البنك لم تتمكن أنظمة الرقابة من كشف الفساد بل تم ذلك من خارج مؤسسة البنك من هيئة مكافحة الفساد بعد أن فشل نظام الرقابة الداخلية، فما السبب وراء فشل نظام الرقابة الداخلية؟

لعل أهم ما يمكن استنتاجه من الحالتين السابقتين هو التحسن الكبير في أنظمة الرقابة الداخلية في القطاعات الحكومية، ما يشير إلى نجاح كافة إجراءات الدولة في هذا الجانب، من خلال التعديلات التي طالت الحوكمة وإدخال مجالس إدارات بدلا عن المؤسسات التي تدار بهيكل عمودي يرأسه شخص واحد، ووجود اللجان المستقلة التي حسنت من أداء الحوكمة وعززت من قوة نظام الرقابة الداخلية، مع جهود المؤسسات الرقابية مثل هيئة مكافحة الفساد والديوان العام للمحاسبة، لكن كما أشرت أعلاه فإن حدوث ضعف في النظام الرقابي في القطاع الخاص يقدم إشارات تتطلب جهودا من الجهات ذات الصلة لفحص الحوكمة وضمان وصول أكبر للمستقلين لآليات صنع القرار.
ذلك أن فشل نظام الرقابة الداخلية في شركات مساهمة كبرى لا يحدث عادة إلا إذا كان هناك خلل في الحوكمة، خاصة في آليات صنع القرار، حيث ينفرد أشخاص، يمكن حدوث تواطؤ بينهم من أجل تحقيق منافع شخصية، ولا يمكن لأي نظام رقابي منع مثل هذا التواطؤ إلا من خلال آليات حوكمة صارمة جدا، وأههما وجود المستقلين عند مستويات القرار العليا ونقاطه المهمة، مثل اللجان التنفيذية ولجان الترشيح ولجان المكافآت ولجان المراجعة، كما أن إدخال مراجعين داخليين مستقلين قد يكون ذا فائدة كبيرة. لقد أثبتت الحالات العالمية مثل حالة شركة كولومبس وشركة توشيبا أن الحوكمة الفعالة هي أهم المصدات أمام الفساد القادر على تجاوز نظام الرقابة الداخلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي