عندما تسمع عن الرقابة الداخلية ولا تراها

يحكي عن 5 حكماء مكفوفين لا يعرفون شكل الفيل ولم يسمعوا حتى باسمه. فقرروا أن يحصلوا على صورة ذهنية، أي معرفة، من خلال لمس الحيوان. فتحسس أول حكيم منهم خرطوم الفيل وجادل بأن الفيل يشبه ثعباناً ضخما قويا وعنيفا، وفي ذات الوقت قام الثاني عند إحدى ساقي الفيل الضخمتين وقال بل هو عمود خشن ذو أبعاد هائلة، وأمسك الثالث بذيل الفيل وأصر على أن الفيل يشبه فرشاة كبيرة مرنة، وكان الرابع ممسكا بناب الفيل الحاد وأعلن أن الفيل يشبه رمحاً كبيراً، وفحص الخامس أذن الفيل المتأرجحة وقال بثقة إن الفيل ليس إلا مروحة.

الرقابة الداخلية تشبه الفيل الضخم، الحكماء الـ5 هم من عمل على جزء واحد منها وظنوا أنه الرقابة الداخلية، وللأسف الشديد فإن الكثير يصر على أن ما عالجه من قضايا الرقابة الداخلية هو كل ما تعنيه، فتجده يتمسك بالضوابط الرقابية التي تشمل الوقائية والاستكشافية، والرادعة، التصحيحية وكأن هذه الضوابط هي الرقابة ولا غيرها، لذلك تجده يعمل جاهدا على فهم هذه الضوابط، لكن عندما يريد تفعيل النظام الرقابي لا يعرف على وجه الدقة أين يضع الضابط وبكم يضعه، بل لا يدرك على الاطلاق أنه قد لا يكون بحاجة إلى كل هذه الأنواع.

يذهب آخر نحو الهيكل التنظيمي ومصفوفة الصلاحيات وكأنها المنجي من كل التهديدات، لكنه لا يدرك أن هذه الصلاحيات ليست إلا مسارا للعمل وتحديدا للمساءلة، ثم يعود آخر ليظن أن الرقابة تختص فقط بالموجودات المالية الثمينة ولا يهتم بشأن الضوابط التي تتعلق بالإنجاز، وهكذا كل يرى الرقابة الداخلية كما وصف الحكماء الـ5 مشروع الفيل الضخم.

هذا التحدي في رؤية الرقابة الداخلية وبالتالي تشغيلها بالشكل الصحيح مشكلة قديمة جدا ظهرت مع تنامي ظاهرة الاحتيال في الأسواق المالية، لقد طالبت الجهات الرقابية في الدول المتقدمة في هذا المجال كافة الشركات المدرجة في الأسواق المالية بتطبيق أفضل الممارسات في الرقابة الداخلية، لكن المشكلة أن الجميع كانوا من الحكماء المكفوفين، كل كان يرى الرقابة الداخلية من جانب واحد صغير، لذلك بقيت المشكلات عالقة والاحتيال في توسع، حتى تم الاتفاق على أن الرقابة الداخلية عملية وليست هدفا بذاتها.

تشمل مستويات المنظمة هدفها الأساس هو تقدم تأكيد معقول بقدرة المنظمة على تحقيق الأهداف بكفاءة وفاعلية. فلا رقابة من غير أهداف، ويكفي من الأهداف أوضحها وأصدقها، وإذا لم نفهم معنى الكفاءة/الفعالية، فإن الرقابة ستكون فاشلة. الكفاءة والفعالية وجهان لعملة واحدة، لا تستطيع أن تحمي الكفاءة من غير أن تحقق الفعالية.

للأسف كثير من خريجي الجامعات لا يدركون الفرق بينهما، وأتذكر أنني حضرت محاضرة لبرنامج دراسات عليا وتعجبت كيف فشل المحاضر في شرح هذين المفهومين معا، الكفاءة هي الحد من الهدر في استخدام الموارد، وإذا نظرت إليها منفردة فإن أي إجراء رقابي نقوم به من أجل منع الوصول للموارد أيا كان نوعها (أصول مادية أو مالية أو بشرية) ومنع استخدام أي مورد إلا بالمرور بعدة نقاط تأكيد أن ذلك ضروري، واختبار للمسؤولية.

ومعنى ضروري هنا أي أن يكون له إسهام واضح في تحقيق أهداف المنظمة. لكن عبارة "إسهام واضح"، قد تجعلنا نضيق واسعا ونضع العصا في العجلات الدائرة، فمن يقرر متى يكون استخدام المورد يحقق إسهاما واضحا في تحقيق الأهداف؟ الحل هو مفهوم الفعالية، الفعالية هي قدرة المنظمة على تحقيق أهدافها، فلا معنى لمنظمة تعمل من أجل أن توفر في استخدام الموارد، بل نشأت لتحقيق الأهداف (ربحا أو مسؤولية اجتماعية).

هكذا يتضح أن الفعالية والكفاءة وجهان للعملة الواحدة وهي الرقابة. فإذا فهمت العناصر الـ3 (الأهداف - الكفاءة - الفعالية) فهمت ما ذا يعني الإجراء الرقابي ضمن نظام الرقابة، فهو مجرد نقطة تحقق في مسار الموارد (هل كافية ووافية وخالية من المخاطر) نحو تحقيق الأهداف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي