لماذا ستقود الأسهم الأوروبية مفاجأة انتعاش قوي في 2025؟

في يناير، أخبرتكم بأن الضباب يكتنف توقعاتي لعام 2025. بدت 3 سيناريوهات متساوية الاحتمال: قد تشهد أسهم الولايات المتحدة والعالم انتعاشًا كبيرًا مرة أخرى أو تنخفض قليلًا أو تحقق مكاسب ضئيلة. وعدتكم بالعودة للكتابة عندما يتضح الوضع. الآن، أصبح الوضع أوضح.
السيناريو الأول-انتعاش قوي في 2025- يبدو الأكثر احتمالًا، ولكن مع تحول مفاجئ: ستكون أوروبا الرائدة. إليكم السبب.منذ يناير، لاحظت تدهور المعنويات بصورة حادة. ولا سيَّما المستثمرين الأوروبيين الذين أصبحوا أكثر تشاؤمًا بكثير مما يبرره الواقع. وهذا ينشئ فرصًا لمفاجآت إيجابية متفائلة.
في وقت سابق، قلت إن المكاسب الكبيرة ستفاجئ معظم المستثمرين. فلم تسجل مؤشرات "ستاندرد آند بورز 500" الأمريكية، التي تعدُّ من بين الأهم عالميًّا، 3 سنوات متتالية من المكاسب التي تتجاوز 20% منذ أواخر التسعينيات. الآن، من بين 62 توقعًا للمحترفين حول سوق الأسهم الأمريكية لعام 2025، يتوقع فقط اثنان مكاسب تفوق %20 -أحدهما تعديل حديث. غالبًا ما تكون النتائج غير المتوقعة أكثر احتمالًا.
إضافة إلى ذلك، في القرن الماضي، ارتفعت الأسهم الأمريكية في 60% من أعوام تنصيب الرؤساء، مثل 2025. وعندما ارتفعت أسهم تلك الأسواق، كان متوسط المكاسب 26.5% بالدولار الأمريكي. ومع تحسُّن الوضع الاقتصادي يتوقع أن ترتفع الأرباح.
وبسبب العلاقة القوية بين الأسواق العالمية وأثر الاقتصاد الأمريكي الكبير سيتوسع هذا التفاؤل في جميع أنحاء العالم. نعم، حدّت مخاوف الحرب في الشرق الأوسط من مكاسب سوق "تداول" السعودي في 2024، إذ كانت المكاسب 0.6% فقط. وأيضًا، قد يرى المستثمرون الذين يتبعون قواعد الشريعة أن اختلاف القطاعات يؤثر في العوائد. لكن بصورة عامة، تزايد الشبه بين سوق "تداول" السعودي وأسواق الأسهم العالمية. منذ ما قبل جائحة كورونا، كانت العلاقة الشهرية لسوق "تداول" مع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تساوي 0.57، وهي علاقة مرتفعة بما أن الرقم 1.00 يعني حركة متزامنة تمامًا، بينما 1.00- تعني حركة عكسية تمامًا. وكانت العلاقة أعلى مع مؤشر إم إس سي آي العالمي لجميع الدول (0.61) ومؤشر إيه سي دبليو آي الإسلامي المتوافق مع الشريعة الإسلامية (0.64).
ما أكبر أساس للتفاؤل عندي؟ تشاؤم أوروبا الزائد. بينما يهنئ معظم المستثمرين الأمريكيين والسعوديين فوز الجمهوريين "المؤيدين لقطاع الأعمال" بالبيت الأبيض والكونغرس، يعاني الأوروبيون من "رعب ترمب". هيمنت مخاوف الحرب التجارية على مؤتمر "دافوس"، إذ هدد الرئيس ترمب بفرض رسوم جمركية على أي شخص لا يستثمر في أمريكا. من المرجح أن يحميك عجز ميزان التجارة بين السعودية وأمريكا وتعهد السعودية بشراء سلع أمريكية بقيمة 600 مليار دولار خلال رئاسة ترمب. ولكن تخشى أوروبا ألا تكون محظوظة بالقدر نفسه. تثير الرسوم الجمركية على المعادن التي فرضها ترمب القلق.
أما في آسيا، فالوضع مشابه لذلك. يتجاهل المحللون النمو ويعدونه عابرًا، مشيرين إلى ضعف الصين في ظل تبادل الرسوم الجمركية مع أمريكا. ورغم ذلك، تبين أنَّ الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين بنسبة 10% (والرد الصيني الانتقامي) كانت أقل تأثيرًا مما كان متوقعًا، إضافة إلى النمو في الصين بنسبة 5.0% في 2024. عادة ما تحدث المفاجئات الإيجابية عندما يسبقها اتجاهات يتم تجاهلها.
بعيدًا عن الرسوم الجمركية، تخيم حالة عدم اليقين السياسي على أوروبا، وترتبط بشدة بارتفاع شعبية الأحزاب المتطرفة. و يخشى كثيرون تبني سياسات مناهضة للاتحاد الأوروبي، لكن لا داعِي للقلق. تُشتت الأحزاب المتطرفة الدعم السياسي، ما يزيد احتمال تشكيل ائتلافات غير متجانسة. عادة ما يكون هذا الجمود البرلماني إيجابيًّا من الناحية الاقتصادية.
من الناحية الاقتصادية، ترى أوروبا نفسها على أنها مستنقع من دون نمو، مثقلة بألمانيا "الرجل المريض" وبفرنسا المتعثرة. قليلون فقط يرون القوة الاقتصادية لدول جنوب أوروبا، مثل النمو السريع في الربع الرابع من إسبانيا. حتى النمو الطفيف في الناتج المحلي الإجمالي سيكون مفاجئًا إيجابيًّا، كما حدث في 2024.
أمَّا بالنسبة للرسوم الجمركية الأمريكية؟ قد لا تُطبق أبدًا! نذكر تهديدات ترمب عام 2017 بفرض ضرائب على السيارات الأوروبية. مثل عديد من التهديدات الأخرى، كانت مجرد أوراق ضغط بهدف إتمام الصفقات. يشير تأجيل الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا لمدة شهر إلى أن هناك صفقات مشابهة تُعقد الآن.
حتى وإن فُرضت الرسوم الجمركية، فإن 16% فقط من صادرات الاتحاد الأوروبي تذهب إلى أمريكا. أما السعودية، فلا تتجاوز 5%. في حال لم تكن التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب على مستوى عالمي، فإنها كانت قابلة للتحايل عليها بسهولة عن طريق نقل البضائع عبر دول أخرى. هناك مجال كبير لتخفيف هذه الرسوم.
ستحفز هذه الرياح المجهولة الأسواق العالمية، ولا سيَّما في أوروبا. ولهذا السبب، تفوقت أوروبا على أمريكا وسوق "تداول" والعالم حتى منتصف فبراير. ولهذا السبب، تستمر أسواق الأسهم في هولندا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا والمملكة المتحدة في تحقيق أرقام قياسية جديدة.من المتوقع أن تتألق الأسواق العالمية في 2025. لكن أوروبا المتخوفة هي التي ستتألق أكثر من غيرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي