سكاكين «داعش» تتبدل وتزول .. لكن سكين «الكراهية» لا تزول
لا يزال الوطن يُفجع من وقت لآخر بأحد أبنائه قاتلا أو مقتولا في حوادث تتسلسل في زمانها، وتتصاعد في سيناريو بؤسها وبشاعتها. حوادث غادرة تطاولت على بني المجتمع، الأمنية والاقتصادية، لترتد اليوم وتطول الأسرة؛ نواة المجتمع وقوامه. فإذا كان استهداف الأقارب يبدو في ظاهره جديدا على مستوى تنظيمات الإرهاب إلا إنه وفقا لمختصين عودة إلى الجذور.
فالأسرة بوصفها الحاضن الأول تعد محلا محتملا دائما للعنف. وفي الوقت ذاته لا تخلو من مسؤولية تجاه مسبباته أي محاصرة "خزين الكراهية" الذي قد يتنامى لأسباب أسرية ومجتمعية لا علاقة لها بالتطرف الديني ثم يتحول في صمت وغفلة، لينفجر، عنفا أسريا أو إرهابا تنظيميا، في وجه أقرب الأقربين.
وبحسب مختصين يعود تكوين الشخصية ببعدها النفسي واستعدادها الفكري للسنوات السبعة الأولى قبل المدرسة من عمر الإنسان أي للنشأة داخل الأسرة بتفاصيلها اليومية. ومنها يكتسب الفرد كثيرا من الرؤى تجاه تقديره لذاته وتجاه ما هو مقبل عليه من تجارب حياة ستتوالى تباعا بعد ذلك.
أما تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة" وغيرهما من الجماعات شرقا وغربا. فرغم تفاوت الأهداف التنظيمية لكل منها إلا أنها تستهدف فراغات نفسية لدى الفرد لتملأها بالكراهية والغضب. إذ لا يخلو أيّ خطاب متشدد أو متطرف حول العالم من هذين الشعورين باعتبارهما وقودا نفسيا ضروريا لما يأتي لاحقا من أفكار وأيديولوجيات لن تعمل بالشكل المطلوب -عنفا وإرهابا- إذا لم يكن قد أسس لها نفسيا بكثير من الكراهية تجاه "الآخر" أيا كان.
وقد أثبت توالي الأحداث أن خط الكراهية التصاعدي لم يقف عند الآخر "المعادي" المختلف في دينه كما كان المبرر لانطلاق مثل هذه التنظيمات. بل عادت لتطول الأقرب المختلف في مذهبه. ثم أخيرا وليس آخرا طالت أقرب الأقربين من أعمام وإخوة ووالدين.
ولعل ما يصعب من مهمة المختصين أمنيا وفكريا أن مسارات الكراهية تبقى في مهدها وتأسيسها منطلقات نفسية شخصية أسرية ليست محكومة بطريق واحد يمكن تتبعه وتوقع مخرجاته العنيفة والمتطرفة. في حين أن "داعش" و"القاعدة" وما سواهما من تنظيمات يمينية أو يسارية، مهارتها الوحيدة، أنها تعرف كيف تنهل من مستنقع هذه المشاعر المحتدة لتلبسها لبوس الدين والورع.
وهنا تتكامل قوى الشر النفسي والفكري تمهيدا لعمل إرهابي قادم لا يمكن توقع نتائجه ولكن يمكن سلفا تصور بشاعته التي لا تقف عند حد، والأحداث المتتالية خير شاهد. فكلما توقع الإنسان أن هذا أقصى ما يمكن أن تصل إليه هذه التنظيمات أو من يدينون لها بالولاء. تثبت الأحداث أنه لا يزال هناك ما هو أسوأ وأبشع.
فلا حدود زمانية أو مكانية لسكين الكراهية نفسيا. ولا حدود أيضا لتوظيفها واستغلالها خطابيا وفكريا، على شكل تنظيمات حزبية سياسية، أو إرهابية متطرفة يسطع ترهيب بعضها بينما يأفل البعض الآخر، تبعا لتيمة الزمان الذي خرجت منه، وظرف الكراهية الذي استدعته. إذ لم تتوقف على مر التاريخ تنويعات الكراهية ودوافعها بسبب اللون والعرق وصولا للمذهب والدين. وهذا ما يجعل كثيرا من الدول تجرّم "الكراهية" وخطاباتها بوصفها تحريضا، كتحوط استباقي يتحسب لنتائجها المتطرفة مستقبلا.
وحيث يمكن الاعتماد على "هيبة الدولة" وجهاتها الأمنية تجاه ضبط توسع التنظيمات وخلاياها. وتجريم خطابات الكراهية علنا للحد من انتشارها. يبقى التعويل الأهم على "هيبة الأسرة" تجاه النشأة النفسية السليمة لأبنائها وتجاه تحجيم "الكراهية" وخطاباتها الفكرية، هو الأجدى لمكافحة موجات الغضب؛ وقود هذه التنظيمات ومحركها الأساس التي لولاها لما وجدت هذه التنظيمات ولا تمدد العنف والغضب ومشاعر الانتقام بكل الصور، ابتداء من أبشعها منزليا، وصولا لأعقدها سياسيا ودينيا.