خريطة سنابل

[email protected]

وافق مجلس الوزراء الموقر في منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي على الترخيص بتأسيس الشركة العربية السعودية للاستثمار "سنابل السعودية" التي ستكون شركة حكومية تابعة لصندوق الاستثمارات العامة برأسمال يبلغ 20 مليار ريال قابلة للزيادة عند الحاجة عن طريق إقراض الصندوق للشركة، أي أن سنابل السعودية ستبقى تعمل تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة, الذي سيظل - بحسب ما أكد معالي وزير المالية - الذراع الاستثمارية الأساسية للدولة. وقد أشار الخبر الذي أوردته الاقتصادية إلى أن شركة سنابل السعودية تهدف إلى القيام بالاستثمار في أية أصول رأسمالية أو حقوق عينية والاستثمار في الأسهم والسندات والتعامل في الأوراق المالية بمختلف أنواعها والاستثمار العقاري والاستثمار في العملات الأجنبية والمعادن والسلع وإدارة محافظ الاستثمار لحساب الغير. كما أوضح وزير المالية أن الهدف من إنشاء سنابل السعودية هو أنها "ستضيف بعدا جديدا ومرونة إضافية للاستثمارات الحكومية، وستكون أداة للربط بين اقتصاد المملكة والشركات العالمية الكبرى في جوانب نقل التقنية والتسويق وغيرها".
بداية، إن قراءة خبر تأسيس شركة حكومية تحت مظلة الذراع الاستثمارية للحكومة ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة يجب أن تأخذ حيزها من التحليل والقراءة, خصوصاً أن رأسمال الشركة كبير وقابل للزيادة عند الحاجة. هناك عدة تساؤلات تبرز بعد الترخيص لسنابل السعودية، أولها، ما الفرق بين أنشطتها وأنشطة صندوق الاستثمارات العامة؟ ثانياً، لماذا لم يتم إنشاء سنابل السعودية كصندوق سيادي مستقل؟ ثالثاً، ما استراتيجية سنابل السعودية؟ وماذا ستضيف لأداء الاستثمار الحكومي؟
للإجابة على هذه التساؤلات، فمن المهم استذكار الهدف الأساسي من إنشاء صندوق الاستثمارات العامة عام 1971 ميلادية وهو توفير التمويل لبعض المشروعات العامة ذات الطابع التجاري التي تركزت في مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاستراتيجية والصناعية التي ينقصها الخبرة أو التمويل من خلال الإقراض، الضمان، أو الاستثمار المباشر لاحقاً. بناء على هذا الهدف الأساسي، من الواضح أن صندوق الاستثمارات العامة كان مستعداً ليس لتوفير الموارد المالية والخبرات فحسب، بل بتحمل جزء كبير من المخاطرة في المشاريع الاستراتيجية الصناعية والإنتاجية, وتلك المرتبطة بالبنية التحتية التي تؤهل لبناء وتحرك الاقتصاد السعودي، ففي عالم الاستثمار والأعمال يشكل تحمل المخاطر دفعة قوية لجدوى أي مشروع، وخصوصاً المشاريع العملاقة المرتبطة بمصافي التكرير، مشاريع الإنشاءات، ومشاريع النقل والمواصلات. وبمقارنة هذا الهدف الأساسي لصندوق الاستثمارات العامة بأهداف وأنشطة سنابل السعودية التي توفرت في وسائل الإعلام، سنصل إلى الإجابة على التساؤل الأول. فالخبر الذي أوردته الاقتصادية ووسائل الإعلام الأخرى يشير إلى أن سنابل السعودية ستستثمر في مجالات محددة وغير تقليدية بالنسبة للصندوق كالاستثمار في الأوراق المالية والسندات والعقار والمعادن والسلع وإدارة المحافظ، أي أن هذه الاستثمارات التي تتميز بمخاطرة أعلى من النشاطات التقليدية للصندوق وتحتاج إلى إدارة ديناميكية واستثمارات من الأرجح أن يكون مداها الزمني أقصر من الاستثمارات التي اعتاد عليها الصندوق هي الفرق الأساسي بين أنشطة الصندوق وأنشطة سنابل السعودية. بمعنى آخر، فإن إطلاق سنابل السعودية يهدف إلى تحسس ميدان الاستثمار الذي لم يطأه الصندوق من قبل، وهذه الشركة الوليدة منوط بها استكشاف الفرص وتوفير معيار أو ثيرموميتر لحرارة الاستثمار في هذه الميادين مقاسة بحجم العائد والمخاطرة التي سيقرر الصندوق بناء عليها الاستمرار في رفع حجم الاستثمارات أم لا.
وبالنسبة للتساؤل الثاني المتعلق بعدم تأسيس سنابل السعودية كصندوق سيادي على غرار صناديق الإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان، فقد يكون السبب للبيئة العامة للاقتصاد السياسي وحساسيته تجاه استثمارات الصناديق السيادية, كما أوضح بتفصيل الزميل الدكتور عبد الوهاب أبو داهش في مقالة الأحد الماضي في هذه الصفحة. وعلى ما يبدو أن السبب الأرجح هو عدم توافر الخبرات المحلية للتعامل مع نموذج أعمال الصناديق السيادية الغريب على أنشطة القطاع العام الاستثمارية, الذي تهدف سنابل السعودية حالياً إلى الاقتراب منه. فإذا نجح نموذج سنابل السعودية في الاستثمارات الخارجية وتفوقت عوائدها على الاستثمارات المحلية، قد يتم إنشاء صندوق سيادي أو تحويل سنابل السعودية نفسها إلى صندوق سيادي يركز على الاستثمار الخارجي، ولكن ليست هنالك معلومات متوافرة عن هذه السيناريوهات.
وأخيراً، وكإجابة على التساؤل الثالث، فإن من المتوقع أن تنتهج سنابل السعودية سياسة استثمارية داخلية وخارجية مغايرة لنهج صندوق الاستثمارات العامة ونهج الصناديق السيادية أيضا، وأتوقع أن يكون نهج سنابل في منطقة وسط بين نموذج شركة مبادلة الظبيانية التي تسعى للتنمية الداخلية في الإمارات العربية المتحدة بالدرجة الأولى ونموذج الصندوق السيادي الظبياني "آديا" الذي يصول ويجول باستثمارات قوية في الأسواق الدولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي