ارتفاع الأسعار يخفض الادخار الشهري إلى النصف
تراجعت عمليات الادخار والإيداع الشهري في البنوك من قبل العاملات والموظفات السعوديات خلال الأشهر الماضية، وكانت معلومات قد أشارت في وقت سابق إلى تنامي الثقافة الادخارية لدى غالبية العاملات لتصل إلى نحو 10 في المائة، لكنها سرعان ما تراجعت وفقا لمصادر مصرفية إلى نحو 5 في المائة.
واعتبرت لـ "المرأة العاملة" متخصصات في مجال المال والاقتصاد أن ارتفاع الأسعار للسلع الأساسية في المملكة من أبرز عوامل تراجع عملية الادخار لدى الموظفات، حيث أصبح راتب الموظفة يصارع الزيادة السريعة في الأسعار ومتطلبات الحياة من جهة وتكاليف المواصلات ومتطلبات العمل كاستقدام خادمة وسائق من جهة أخرى، مشيرات إلى أن ثقافة الادخار لدى الموظفات السعوديات بدأت تتزايد ملحوظ بعد نكسة الأسهم تحديدا، حيث توجهت الكثيرات إلى البرامج الادخارية الاستثمارية في البنوك والمؤسسات المالية من خلال اقتطاع جزء من الراتب الشهري وإيداعه في الحسابات الادخارية ليصل حجم الادخار إلى أكثر من ربع الراتب.
التفاصيل:
ربطت متخصصات في مجال المال والاقتصاد ارتفاع الأسعار في السلع الأساسية بتراجع الادخار لدى المرأة العاملة والتي تراوح عند الغالبية بين 5 و10 في المائة من إجمالي الدخل الشهري.
أوضحت لـ "المرأة العاملة" عبير عبد العزيز اقتصادية سعودية أن ثقافة الادخار لدى الموظفات السعوديات بدأت في التزايد بعد نكسة الأسهم.
وتضيف "صممت لذلك برامج ادخارية واستثمارية للعاملات ولوحظ تجاوب كبير من مختلف قطاعات العاملات ولكن ارتفاع الأسعار العالمي الكبير أسهم في تقليل الادخار إلى النصف.
وتبين نجلاء الدوسري ـ موظفة ـ بنك أن كثيرا من العاملات قللن من الادخار الشهري وهناك فئات كبيرة تستنفد راتبها الشهري بشكل كامل وخاصة اللواتي تراوح مرتباتهن بين ثلاثة وستة آلاف ريال في حين هناك فئة من الموظفات وخاصة المعلمات وموظفات القطاع الحكومي تستقطع ما بين 5 إلى 20 في المائة من مرتبها الشهري للادخار، مؤكدة تراجع عملية الادخار عن الأشهر القليلة الماضية وخاصة بعد ارتفاع السلع والعقارات التي استنفدت الراتب للادخار وأصبحت موجة الغلاء عامل تراجع في عملية الادخار رغم أهميتها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي للأفراد والدولة.
وقالت إن بعض العاملات كن يدخرن شهريا مبلغ 1200 لكن المبلغ تراجع إلى 600 ريال مؤكدة أن العاملات يشعرن بضرورة ادخار مبلغ بشكل شهري لأنه يعد أمانا مستقبليا يحقق لهن الكثير من الأهداف. وقالت الدوسري "لا بد من استبدال ثقافة الاستهلاك بثقافة الادخار لدى المرأة العاملة، حيث إن مشكلة غلاء المعيشة وزيادة الأسعار من المشكلات العالمية التي تسببها وفرة السيولة في أيدي بعض الناس، وارتفاع أسعار النفط التي بدورها تعزز رفع الشركات العالمية أسعار منتجاتها التي تصدرها إلى الدول غير الصناعية؛ مما يسبب ارتفاعاً للأسعار.
وأشارت إلى إن هناك أسباب أخرى محلية كالاحتكار والاستغلال يلجأ إليها بعض التجار، مما يستوجب تفعيل الدور الرقابي للمؤسسات الرسمية لحماية فئات ذوي الدخل المتدني من استغلال أصحاب الرساميل، لأنه سينهك جيوب الشرائح الاجتماعية الفقيرة وتحديدا المرأة المعيلة، لأن له الكثير من النتائج السلبية على المدى البعيد وتحديدا على الصعيد الاجتماعي والنفسي للمرأة والأسرة ككل.
ولفتت إلى أن متوسط دخل المرأة العاملة في السعودية لم يعد يكفي لسد الاحتياجات المتعددة في ظل الارتفاع المتزايد للأسعار وهذا الأمر أصبح يشكل للعديد من النساء العاملات مصدر قلق وتعب نفسي لأن دخلها قادر على تلبية أبسط احتياجاتها.
وتعزو نجود بندر موظفة في قطاع حكومي أسباب تراجع الادخار خلال الفترة الماضية عند العاملات إلى غلاء المعيشة بشكل عام في مختلف السلع الأساسية وارتفاع الإيجارات بشكل سريع وكبير ما أثر في احتياجات الأسرة إضافة إلى متطلبات المرأة العاملة في السعودية من توفير سائق وخادمة لتتمكن من الذهاب إلى العمل.
وعن تجربتها مع الادخار قالت " كنت أدخر مبلغ ألف إلى 1500 بهدف الاستثمار منذ بدأت أعمل ولكن تراجع المبلغ إلى 800 ريال وفي بعض الأوقات لا أدخر أي مبلغ بسبب احتياجات الأسرة، مشيرة إلى أن التسوق يستنزف مبالغ مضاعفة عن الفترة الماضية رغم إن نوعية وحجم المواد على سبيل المثال التي نتسوقها في كل شهر هي نفسها منذ سنة ولكن الأسعار زادت كثيرا.
من جانبها, دعت فدوى المبارك ـ موظفة قطاع خاص ـ لوضع حد أدنى للرواتب خاصة للوظائف الصيفية والخدماتية والمؤقتة التي تضطر بعض السيدات السعوديات الحاصلات على مؤهلات علمية متدنية أو ممن لا تمتلك شهادة للعمل فيها مؤكدات إن طبيعة العمل شاقة وتتطلب الجهد الكبير ولا يتناسب الجهد مع الراتب مثل وظائف حارسات الأمن وعاملات التشغيل في الملاهي والمستخدمات في الأقسام النسائية وبعض الوظائف اليدوية وفي المصانع والتي يتحكم فيها أرباب العمل من حيث تحديد الرواتب وغيرها دون رقيب عليهم.
وبينت المبارك أن هناك وظائف تعمل السعوديات فيها لا تتجاوز رواتبها في أحسن الأحوال ألفي ريال في حين أن هناك رواتب لا تزيد على ألف ريال رغم شروط العمل الصعبة مثل الدوام المسائي الطويل والمتأخر وعدم إبرام عقود والحرمان من الإجازات حتى الرسمية وفي الأعياد والنظرة السلبية من المجتمع إلى هذه الوظائف.
وقالت "كيف يمكن لهذه الأسر التي تعولها سيدات دخلهن بهذا المستوى المتدني العيش الكريم في ضوء ارتفاع الأسعار يوما بعد يوم ، وكيف للمرأة العاملة التي دخلها متدن أن تواجه هذه الزيادة وأن تتحمل نفقات عالية لتحقيق الاستقرار لأسرهن وخاصة إن غلاء المعيشة يلتهم الراتب خلال أيام قليلة من الشهر.
وتؤكد الباحثة السعودية الجازي بنت محمد الشبيكي أن النساء يمثلن غالبية الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، وتمثل الفجوة الأجرية بين الرجال والنساء مشكلة دائماً للنساء على الرغم من ضيق هذه الفجوة في الآونة الأخيرة ،وتشكل نسبة النساء الفقيرات في العالم قياساً للفقراء بشكل عام في العالم 70 في المائة من بين 1.3 مليون فقير، أما النساء العاملات على وجه الخصوص فيمثلن نحو 60 في المائة من 550 مليون من العمال الفقراء.
وتضيف الشبيكي لقد أثر الفقر بشكل كبير في خفض مستوى معيشة النساء وجعلهن يواجهن عدة صعوبات اجتماعية واقتصادية سواء ربات البيوت منهن أو العاملات في أسواق العمل أو العاملات بشكل هامشي في الريف.
ومن تلك الصعوبات عدم قدرتهن على إعالة أنفسهن وتربية أطفالهن ما يشكل مضاعفات خطيرة بالنسبة للمجتمع من حيث نوعية مواطنيه الحاليين والمقبلين وطبيعة إنتاجهم وقدراتهم كمورد بشري للأجيال المقبلة، ومن حيث المشكلات الدينية والأخلاقية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
وكشفت دراسة أعدتها الشبيكي بعنوان "المشكلات الاجتماعية للمرأة الفقيرة في المجتمع السعودي" أن 25 في المائة من الأسر السعودية المهاجرة إلى مدينة الرياض تعيش مع الأم مع غياب الأب سواء بسبب السفر أو الترمل أو الانفصال وأن 54.4 في المائة من هذه الفئة، أما أرامل أو مطلقات. وبينت أنه من أهم المؤشرات الدالة على زيادة فقر المرأة السعودية أكثر من الرجل زيادة أعداد النساء المستفيدات من مخصصات الضمان الاجتماعي سواء المعاشات أو المساعدات الاجتماعية على الرغم من أن تلك الأعداد غير معلن عنها رسمياً (لسياسة الضمان الاجتماعي في هذا المجال). وعلى الرغم من أن التقارير السنوية لمكاتب الضمان الاجتماعي تبين أن الإنفاق على الرجال أكثر من الإنفاق على النساء ولكن عدداً من الشواهد تدل على عكس ذلك منها أن المرأة من أكثر الفئات المنصوص على استحقاقها لمخصصات الضمان الاجتماعي بصفتها أرملة أو مطلقة أو مهجورة أو متزوجة لا عائل لها أو زوجة سجين أو غير ذلك. وأشارت إلى أن تقارير أغلب الجمعيات الخيرية الرجالية والنسائية دلت على أن النساء والأيتام هم أكثر الفئات المستفيدة من مساعدات وإعانات تلك الجمعيات لما تحتاج إليه المرأة بشكل دائم من الإنفاق على صغارها وتحمل عبء مسؤولياتهم في حال ترملها أو طلاقها أو هجرها.
من جانبها بينت نوف محمد إحدى العاملات في القطاع الخاص "إن المستثمرة تواجه عقبات نتيجة زيادة الأسعار والإيجار أصبح عبئا كبيرا مبينة أنها كانت تدخر مبالغ شهرية من مرتبها لأنه ليس لديها التزامات أسرية كثيرة وتستثمرها في قطاع تصميم الأزياء والإكسسوارات ولكنها لم تعد قادرة على توجيه مدخراتها للاستثمار لارتفاع المصروفات سواء رواتب العمالة أو مصروفات الاستيراد.
وطالبت بضرورة الحد من الارتفاع في الإيجارات والاستغلال الكبير للمستأجرات لأن من شأن ذلك أن يسبب الخسائر للمشاريع النسائية الصغيرة.
واقترحت الباحثة الجازي الشبيكي لحل تدني أجور العاملات من الفئات الفقيرة التركيز على عدة برامج وخدمات للمرأة في مجال الخطط القصيرة والمتوسطة قد تسهم بشكل كبير في التخفيف من فقرها وبالتالي تحسين أوضاعها وأوضاع أسرها مثل تبنى برامج تدريب حكومية وأهلية تتوافق مع احتياجات سوق العمل وتنمية روح المبادرة لدى الشرائح الفقيرة بشتى الوسائل من خلال دعم المشاريع الصغيرة وإيجاد فرص عمل ذاتية لهم تحولهم إلى قوى منتجة بالقروض الميسرة الحسنة من البنوك والجمعيات والمؤسسات الخاصة. والتخفيف من تيار الهجرة للمدن من خلال الاهتمام بالمشاريع الصغيرة في القرى والهجر خاصة المشاريع الزراعية والحيوانية والصناعات الغذائية والتقليدية. والاهتمام بالمراكز الاستشارية الأسرية لتوعية المقبلين على الزواج بمسؤولياتهم المشتركة.
يشار إلى أن دراسة أعدتها الهيئة العليا لمدينة الرياض بينت أن متوسط دخل الفرد في السعودية وصل إلى 100 ألف سنويا في حين سجلت نسبة الادخار بين السعوديين 10 في المائة شهريا فقط.