نظام بريتون وودز وتجديد التعاون الاقتصادي «1من 2»
أود أن أطلعكم على بعض اللحظات في تاريخنا وأشاطركم بعض الأفكار عن المستقبل - عن مستقبلكم! منذ 75 عاما، اجتمع مندوبو ما يزيد على 40 بلدا للاتفاق على قواعد جديدة للاقتصاد العالمي. كان صيفا حارا؛ لذا اجتمعوا في منطقة جبلية ذات جو منعش في ولاية نيوهامبشير، هي منتجع بريتون وودز. وجاء معظمهم من بلدان كانت لا تزال ترزح تحت نيران الحرب العالمية الثانية. وهذه رسالة موجهة إلى الجيل الصاعد، ندعوهم إلى تجديد الالتزام بالتعاون الاقتصادي العالمي.
وتعهد هؤلاء المندوبون بتجنب الأخطاء التي أدت إلى هذا الصراع الرهيب. فبدلا من العمل معا في فترة ما قبل الحرب، انتهجت البلدان سياسات اقتصادية حمائية لم تفضِ إلى أي شيء سوى زيادة "الكساد الكبير". وكانت النتيجة؛ بطالة واسعة النطاق وغضبا عارما، ما زرع بذور السلطوية والعنف والحرب.
كان "بريتون وودز" انطلاقة نحو حقبة جديدة من التعاون الاقتصادي العالمي، ساعدت البلدان فيها أنفسها على مساعدة بعضها بعضا. وعزمت على إثبات أن في التضامن مصلحة ذاتية. وأسس المندوبون صندوق النقد الدولي وكلفوه بثلاث مهمات بالغة الأهمية: تشجيع التعاون النقدي الدولي، ودعم التوسع التجاري والنمو الاقتصادي، وتثبيط السياسات التي يمكن أن تضر بالرخاء.
منذ ذلك الوقت، طرأت على الاقتصاد العالمي تغيرات جوهرية. وعلى مدى تاريخه الذي يمتد إلى 75 عاما، تكيف صندوق النقد الدولي مع هذه التغيرات، وفي الوقت نفسه حافظ على التزامه بصلاحياته. واليوم، لا يزال الصندوق يخدم البلدان الأعضاء فيه - التي بلغ عددها الآن 189 بلدا - من خلال "محفظته وعقله وقلبه" بتقديم المشورة بشأن السياسات وتوفير المساعدة الفنية والتدريب على أعلى المستويات، بهدف تقوية المؤسسات وتنمية القدرات، وتقديم الدعم المالي وإتاحة متنفس للبلدان التي تمر بأزمات، وهي في سبيلها إلى اتخاذ ما يلزمها من خطوات تتعلق بالسياسات، وتصميم سياسات أفضل لتحسين مستويات المعيشة. هل نجح المندوبون في إحراز أهدافهم؟ نعم، بكل تأكيد. فاليوم، يعيش معظم الناس حياة أطول وأصح وأفضل. وازداد التبادل التجاري بين البلدان، ما يساعدها على النمو بوتيرة أسرع، ويوفر مزيدا من فرص العمل، ويرفع مستويات الدخل. وأدت التجارة إلى انخفاض تكلفة معيشة الأسرة العادية بمقدار الثلثين في البلدان منخفضة الدخل، وبمقدار الربع في الاقتصادات المتقدمة. وعلى مستوى العالم، خرج ما يزيد على مليار نسمة من دائرة الفقر.
وفي الوقت نفسه، لا يزال كثيرون يعانون الفقر وعدم وجود فرص أمامهم. والشباب من أشد فئات السكان معاناة. وسيواجه كثير من البلدان منخفضة الدخل صعوبات جسيمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030، ما يحرم الأجيال الجديدة من فرص النجاح بطريقتها. واشتعل فتيل الغضب والاستياء بسبب الفقر وتزايد عدم المساواة والوسائل التكنولوجية الجديدة. أما الفساد، فأدى إلى فقدان الثقة بالمؤسسات.
وكل هذه التغيرات كانت تغذي المشاعر التي خرجت في صورة نهج أحادية تميل إلى العمل الفردي. ويعلمنا التاريخ أن هذا مسار مدمر، ويمكن أن يفضي إلى "عصر الغضب"، وقد تنهار الثقة ويتهاوى التعاون الدولي - كما حدث بعد "الكساد الكبير".
إنني لا أعتقد، رغم ذلك، أن هذا السيناريو البائس واقع لا محالة. بل على العكس، أعتقد أن علينا مسؤولية الوصول إلى "عصر الإبداع"، ونحن في حاجة إلى التحلي بالشجاعة لبنائه. فيمكن تزويد السيارات والمنازل والمصانع بالطاقة من مصادر متجددة. ويمكن أن تحصل النساء على الفرص والرواتب نفسيهما اللتين يحصل عليها الرجال. ويمكن من خلال الابتكار - من خلال اختراعاتكم أنتم - إيجاد فرص أفضل للجميع.
كيف نجعل هذا التصور واقعا حقيقيا؟
يكمن جزء من الرد على هذا السؤال فيما أسميه "العمل التعددي الجديد"، وبمقدوركم أن تسموه كذلك الفطرة السليمة. ويقصد به ضمان اقتسام الفرصة الاقتصادية على نطاق أوسع، لتتاح الفرصة أمام الشباب في كل مكان كي ينجح ويسهم في المجتمع. إنه يعني ضمان عمل الحكومات والمؤسسات من أجل المصلحة العامة. والهدف منه؛ تعاون البلدان على التصدي للتحديات العالمية.
ما الذي يتعين تغييره؟... يتبع.