العالم يتغير من السعودية
عقب انتهاء اجتماع قمة العلا الخليجية الناجحة أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عن مشروع ذا لاين، وهي المدينة الأولى في قائمة مشاريع المدن الذكية التي اعتمدتها رؤية السعودية 2030، التي ستكون منارة حضارية من منارات مدينة نيوم الذكية، وأطلق ولي العهد على المشروع اسم ذا لاين المعزز بالذكاء الاصطناعي. ويغطي المشروع مساحة 170 كيلو مترا، وأهم الخصائص التي يتميز بها مشروع مدينة نيوم الذكية هو أن مجموعة المشاريع التي ستشهدها المدينة الذكية ستقام بنظام يحافظ على نظافة البيئة ويوفر للمجتمع الجديد بيئة نظيفة وحالمة وخالية من التلوث والتوسيخ.
ويعتمد مشروع ذا لاين على بنية تحتية ذكية متناغمة مع البيئة المحيطة، وتعمل بشكل كامل على مختلف أنواع الطاقة المتجددة ما يوفر بيئة صحية خالية من التلوث. وسيكون مشروع ذا لاين أساسا متينا لبناء اقتصاد المعرفة القائم على احتضان الكفاءات والعقول والمهارات في مختلف المجالات لخدمة البشرية، وسيسهم ذا لاين بإضافة 180 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي، كما سيوفر 380 ألف فرصة عمل بحلول 2030. ويقع مشروع ذا لاين في نيوم شمال غرب المملكة عند طرف خليج العقبة على البحر الأحمر، وتبرز أهمية موقعه على البحر الأحمر باعتباره يقع على مفترق طرق العالم، حيث يستطيع نحو 40 في المائة من سكان العالم الوصول إلى نيوم في أقل من أربع ساعات ما يدعم فكرة أن تكون نيوم مركزا عالميا للابتكار والإبداع، كما أن نحو 13 في المائة من حركة التجارة العالمية تمر من خلال البحر الأحمر.
إن مشروع ذا لاين يعيد ابتكار تنشيط المجتمعات بجعلها مجتمعات إدراكية متعددة الاستخدام مع إتاحة فرص المشي في الحياة العامة للنسيج الحضري، وستكون الطاقة النظيفة هي المحرك بنسبة 100 في المائة لجميع أشكال وألوان الحياة بشكل متسق من خلال نظام رقمي متصل بأنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وستكون كل المجالات مهيأة للتنافس بين الذكاء الآلي والذكاء البشري، وهي الظاهرة التي يراهن عليها المبدعون وأصحاب العقول.
إن من أهم أهداف المدن الذكية إنشاء مجتمعات إدراكية تعيش في انسجام مع الطبيعة، بحيث تجتمع فيها المتنزهات، والحدائق، والبيئة، والإنتاج الغذائي المستدام، وستكون جميع الأعمال والمجتمعات متصلة بمنصة للذكاء الجماعي الذي يقدم المعرفة والتعليم وبلوغ النمو بشكل مطرد مستمر، ويعمل هذا النظام الذكي على استخدام وتحليل نحو 90 في المائة من البيانات ما يوفر أنظمة قابلة للتوقع والتحديد وليس التفاعل فقط.
والواقع أن مشاريع نيوم الذكية تهدف - في مجملها - إلى جذب أبرز المواهب والعقول وجذب رؤوس الأموال ليس من المملكة فقط وإنما من كل أنحاء دول العالم، وهذا من شأنه أن يبني اقتصادا مزدهرا مستداما تمشيا مع الأهداف المعلنة لرؤية السعودية 2030 والهادفة إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على المورد الواحد. ولذلك فإن تصميم المدينة الذكية الجديدة سيؤثر مباشرة في السلوك العام لمجتمع المدينة، بحيث يجعل المشي نمطا أساسيا للحياة، كما سيسهم التطوير الكامل متعدد الاستخدامات في إمكانية الوصول بكل سهولة إلى المرافق والحدائق العامة، وكذلك الوصول إلى الطبيعة المحيطة لكل مكونات المجتمع الجديد، ويعد هذا التصميم الفريد نموذجا مميزا للمجتمعات الإدراكية، حيث إنه يعيد الطابع الإنساني لا المادي إلى الحياة الحضرية، ويحقق العيش في وئام مع الطبيعة.
ويقودنا هذا النمط من الحياة إلى أن بناء البيئة في المدينة الذكية يجب أن يصمم من أجل راحة الإنسان وليس من أجل راحة المركبات، ولذلك نلاحظ أن المشاريع تستهدف التحفيز على المشي وإيجاد آفاق جديدة للجمال والطمأنينة والاستقرار. ومن أجل تحقيق هذا الهدف فإن البنية التحتية للخدمات ستشمل المواصلات الفائقة السرعة، كذلك تشمل خدمات الشحن، والطاقة، والمياه، والرعاية الصحية، وتقنية المعلومات، وغيرها بحيث تكون مدمجة بطريقة توفر مساحات للمشي وتحد من التلوث والضوضاء والازدحام.
كل هذا من أجل بناء المجتمعات الإدراكية فوق البنية التحتية التي تأخذ شكل العمود الفقري، وتوفر إمكانية التنقل بسرعة وسهولة في مجتمعات "ذا لاين"، إضافة إلى أن المجتمعات الإدراكية ستتيح سهولة وسرعة الوصول إلى الطبيعة، ومن شأن هذا التخطيط الحضري للأحياء السكنية أن يسهل وصول السكان لجميع المرافق ضمن مسافة مشي قصيرة لا تحتاج إلى جهد وتكاليف تستنزف الأموال والجهود.
نخلص من هذا إلى أن مشروع ذا لاين العملاق والمقرر إقامته في نيوم هو بمنزلة مدينة ذكية كبرى وسلسلة من المجتمعات الإدراكية المترابطة، المعززة بالذكاء الاصطناعي، والخالية من الانبعاثات الكربونية، والبعيد عن الضوضاء والتلوث، أو المركبات المزعجة والشوارع المكتظة بالزحام. بمعنى أن مشروع ذا لاين سيحقق التغيير المذهل لكل المجتمعات الحضرية، وسيكون نقطة انطلاق مجموعة مشاريع ذكية في مدينة نيوم، وسيكون المشروع نموذجا عالميا مذهلا تتطلع إليه كل الدول التي تنشد تغيير حياتها وتطوير مجتمعاتها بعيدا عن المنغصات المادية والتلوث بكل أشكاله وألوانه.