عصر البحث والتطوير والابتكار

من القرارات المهمة التي اتخذها مجلس الوزراء الموقر أخيرا القرار المتعلق بتشكيل اللجنة العليا للبحث، والتطوير، والابتكار. والواقع أن هذا القرار مهم جدا في الظروف الحالية التي يعاني فيها العالم المشكلات المعيقة للتنمية والبناء، والحقيقة أن العلاج الوحيد لإزالة المعوقات من أمام التنمية هو الاستعانة بالكفاءات البشرية المبدعة لحل المعضلات التي تقف حجر عثرة أمام تنفيذ برامج التنمية المستدامة والتغيير.
ودعونا نعترف بأن العالم اليوم تحوم حوله الكثير من المعضلات الصعبة، ولا حل لهذه المعضلات إلا فتح المجالات أمام العقول الشابة للدخول في معترك الحياة ومنحها الفرص لتعالج القضايا الملحة والمطروحة بأسلوب فيه الكثير من الإبداع والابتكار، أو ما يعرف في علوم الإدارة بالحلول غير التقليدية. وهذه الحلول تتميز بخروجها على المألوف والرتابة والنمطية إلى استخدام الحلول غير التقليدية، ولجنة البحث والتطوير والابتكار التي وافق عليها مجلس الوزراء معنية كثيرا بهذه القضايا وغيرها من القضايا الشائكة، إيمانا من حكومتنا الرشيدة بأن قضية التطوير والابتكار من أهم القضايا الملحة التي تقف حجر عثرة أمام مشاريع التنمية في هذه الأيام. إن التعقيدات التي تعانيها المجتمعات الإنسانية تجعل الدول حائرة أمام تعقيدات يصعب فك طلاسمها، وليس أمام العالم إلا حل هذه القضايا بالابتكار والإبداع غير التقليدي.
وإذا أجلنا النظر في رؤية السعودية 2030 نلاحظ أن الرؤية تعول كثيرا على الابتكار في حل مغاليق الحياة واتخاذ التدابير والقرارات مع تحقيق السرعة والجودة في الأداء . وفي حياتنا الواقعية يضرب الأمير محمد بن سلمان الأمثلة الكثيرة على الابتكار والإبداع في إيجاد وتنفيذ المشاريع المبهرة وأمامنا مشاريع مذهلة مثل مشروع نيوم ومشروع القدية، ثم مشروع البحر الأحمر وتبعاته الهائلة في مجالات الترفيه والسياحة.
إن التفكير الإبداعي في مجال الإدارة أثبت أنه المفتاح السحري لحل كبريات المشكلات التي تعانيها المجتمعات، وحينما كلفت بريطانيا بتنظيم دورة لندن الأولمبية في 2012 تعاقدت مع المدير التنفيذي لأحد البنوك ممن عرفوا بالإبداع في المجال الإداري، وفعلا حول جون سميث الدورة الأولمبية من مشروع يستنزف الأموال إلى مشروع يحقق الأرباح، ويومها حققت بريطانيا أرباحا صافية بلغت 30 مليون جنيه استرليني.
إن الإبداع عطاء يتمدد من المبدع ليستفيد منه الجميع، والشخص المبدع هو ذلك الشخص الناجح الذي يتمتع برؤية ولديه رسالة، ويحاول أن يسلك أسلوبا يميزه عن الآخرين وهو في طريقه إلى حل المشكلات التي تواجه المجتمع ويبحث عن إنجازات تخرج المجتمع من معضلات تعرقل تطلعاته .ولذلك نقول إن الإبداع إحدى الوظائف الرئيسة للمديرين الحالمين، ونؤكد أنه لم تعد الإدارة مجرد عمل روتيني، فالمديرون مطالبون بالمبادأة والبادرة في طرح المشاريع الواعدة على اعتبار أن المدير هو المبدع الأول وصاحب الحلم الكبير ، ولذلك فإن من أهم خصائص المدير المبدع أن يتمتع بخيال خصب ويرى بخياله الخصب ما لا يراه الآخرون. وإمعانا في تحليل إمكانيات المدير المبدع، فإن بعض الإحصائيات تقدر أن المدير المبدع يبذل ما يقرب من 25 في المائة من طاقته في عمله المهني، و25 في المائة في القدرة على التخيل، و25 في المائة من طاقته في تكوين مدخراته الإبداعية التي يستعين بها في طرح الحلول غير التقليدية للمشكلات التي تعرقل مشاريع المجتمع .إن الحاجة إلى الإبداع تظهر حينما يدرك متخذ القرار في المنظمة أو الوزارة أو الشركة أن هناك تفاوتا بين أداء المنظمة الفعلي، وبين الأداء المستهدف.
وهذا التفاوت بالطبع يقلق المنظمة ويحثها على تصميم مشروع ابتكاري يدفع المنظمة بقوة إلى الأمام، وعادة فإن الظروف التي توجد الحاجة إلى الإبداع تأتي من التغيرات في بيئة المنظمة مثل التغيرات التكنولوجية أو تغير أذواق المستهلكين أو ظهور خطوط جديدة للإنتاج، فإذا شعرت المنظمة أن هناك فجوة بين السلوك الحالي والسلوك المستهدف، فإنها يجب أن تبادر إلى تقليص الفجوة، ويكون ذلك من خلال الإبداع وإعادة اختراع المنظمة.
ونعترف بأن هناك إبداعا لا يقوم به شخص المدير فحسب، وإنما تقوم به جماعة العمل، وإبداع الجماعة في أي منظة أكبر من الإبداع الفردي، أيضا الجماعة المختلفة من حيث الجنس تنتج حلولا أحسن جودة من الجماعة أحادية الجنس، كذلك الجماعة شديدة التنوع تنتج حلولا أفضل، والجماعة حديثة التكوين تميل إلى الإبداع أكثر من الجماعة القديمة، وثبت أن الإبداع يزداد مع ازدياد عدد أعضاء الجماعة حيث تتسع القدرات والمعارف والمهارات.
إن أجواء التنافس في الجنس أصبحت متاحة في الإدارة السعودية الآن بعد أن منحت المرأة كل الفرص للمشاركة في العمل من خلال كل الوظائف المتاحة للرجل، وأصبحت المرأة تشارك الرجال في التنمية والبناء. وبهذه المشاركة فإن مجالات الابتكار أصبحت متاحة للمرأة مثلها مثل الرجل تماما بتمام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي