الهوية الحضارية للمملكة
شخصية المملكة وهويتها كانت على امتداد القرون الثلاثة الماضية متسقة من خلال المنظور الجغرافي، والإنساني، والديني، والتراثي، والثقافي، والتاريخي، والمجتمعي. وتحت كل مصطلح من هذه المصطلحات تأتي جملة من التفاصيل والصور التي تثري مكانتها في المشهد الحضاري الإنساني. هذا الأمر مدعاة إلى الفخر. وهو في الوقت نفسه يثير غيض الموتورين والحاقدين.
شخصية المملكة وهويتها هي محصلة سلسلة من الحضارات العريقة، التي تمثل الحضارة الإسلامية المكون الأبرز فيها باعتبار أن مكة المكرمة هي مهبط الوحي وقبلة المسلمين، وباعتبار أن المدينة المنورة مهجر الرسول عليه الصلاة والسلام ونقطة انتشار الدين الإسلامي السمح في مختلف أرجاء العالم.
هذا الأمر يزداد عمقا بوجود حضارات أقدم، لا تزال بصماتها ظاهرة في مختلف أرجاء البلاد. ومن ذلك على سبيل المثال الرسوم الصخرية في حائل وأخدود نجران والبيوت المنحوتة في صخور العلا والآثار اللافتة في الفاو... إلخ. خلال العقود الماضية، كان هناك نوع من الزهد عند بعض مثقفينا عن تقديم هذه الشخصية الثرية، وهذه المسألة جعلت مثقفين عربا يجورون في أحكامهم، ويحاولون تسويق فكرة مغلوطة، مفادها أن الفعل الحضاري في بلادنا كان محدودا.
هذه الفكرة التي لا ينفك المثقفون غير المنصفين يتداولونها، تتعارض مع ما هو موجود من آثار على أرض الواقع. كما أن القرآن الكريم وبقية الكتب السماوية تدحض هذا الافتراء.
ويصدق هذا الكلام على كثير مما كان يتم تسويقه عن بلادنا، فقد لجأ البعض إلى اختصار المسألة بظهور النفط، بل إن بعضهم عد أن النفط لعنة. ومثل هذه الأحكام غير السوية كانت ولا تزال ذات مقاصد سيئة.
إن وجود النفط نعمة، وقد أحسنت بلادنا استثماره من أجل البناء والنماء، فيما أضاعت دول نفطية أخرى ثرواتها في مسارات بعيدة عن رفاه الإنسان وبناء الأوطان. المملكة ضمن "مجموعة العشرين"، وتأثيرها الدولي لا يقل أبدا عن تأثيرها الإقليمي. وهذا إطار مهم ضمن الشخصية المعاصرة لبلادنا.