أمريكا والاستثمار في البنية التحتية «1 من 2»
أقر قانون البنية الأساسية مبلغ 1.2 تريليون دولار في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لتحديث الطرق والجسور وشبكات النطاق العريض الأمريكية، إضافة إلى قانون الرقائق والعلوم الذي أجيز أخيرا، الذي سيخصص أكثر من 52 مليار دولار لتعزيز صناعة أشباه الموصلات الأمريكية، حيث كانت التشريعات الاقتصادية الكبرى حديث الساعة في أمريكا. وربما نشهد قريبا إضافة قانون خفض التضخم، الذي أصبح في الطريق الآن إلى مجلس النواب، بعد إقراره في مجلس الشيوخ، إلى هذه القائمة.
في البيئة السياسية المستقطبة الحالية، التي شكلتها عقليات المحصلة الصفرية "حيث يخسر طرف كل شيء ويكسب الآخر كل شيء"، يكاد يكون من الممكن اعتبار هذه الاختراقات شبه معجزات. الواقع أن انعكاس اتجاه فترة طويلة من نقص الاستثمار في الماضي لافت للنظر. "رغم عدم ارتباطه بشكل مباشر بالاقتصاد، فإن أول تشريع خاص بتنظيم الأسلحة النارية يمر عبر الكونجرس منذ نحو 30 عاما يستحق أيضا الذكر هنا". سارع المعلقون بكل تأكيد إلى الترويج لها باعتبارها انتصارات للرئيس الأمريكي جو بايدن، والديمقراطيين، مع تساؤل عديد من المراقبين ما إذا كانت لتساعد على تحويل المد في انتخابات التجديد النصفي في أيلول (سبتمبر).
أيا كانت التأثيرات السياسية المترتبة عليها، فإن قوانين مثل قانون البنية الأساسية، وقانون الرقائق والعلوم، وقانون خفض التضخم، ترقى إلى كونها زيادة مذهلة في الاستثمار طويل الأجل في إمكانات النمو في أمريكا، وإيجاد التوازن بين الأبعاد المختلفة لنمط النمو الأمريكي، وبشكل بارز خفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون.
الواقع أن قانون خفض التضخم من شأنه أن يسمح بأكبر استثمار في العمل في تاريخ أمريكا، ما يمنح الولايات المتحدة الفرصة للاقتراب من تحقيق هدفها المتمثل في خفض الانبعاثات إلى النصف بحلول 2030. وبما أن الولايات المتحدة تـعـد ثاني أكبر مصدر للانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم "بعد الصين"، فإن مثل هذا الاستثمار يشكل ضرورة أساسية، ليس فقط لخفض الانبعاثات العالمية بشكل مباشر، بل أيضا لتحفيز آخرين على القيام بدورهم. كما يشتمل قانون خفض التضخم على فقرات لا تتعلق بالمناخ، مثل السماح لبرنامج ميديكير "الذي يقدم المساعدة الطبية لكبار السن" بالتفاوض على أسعار الأدوية التي تستلزم وصفة طبية، وتمديد إعانات الدعم التي يتيحها قانون الرعاية الميسرة حتى 2025، وتقديم نسخة ما من ضريبة الشركات بحد أدنى 15 في المائة.
على نحو مماثل، يعيد قانون الرقائق والعلوم تنشيط الاستثمار الأمريكي في العلوم والتكنولوجيا، بما في ذلك رأس المال البشري الذي يقود التوسع في القاعدة التكنولوجية التي يقوم عليها الاقتصاد. يولي التشريع اهتماما خاصا لأشباه الموصلات والتكنولوجيا الرقمية، مع توجيه حصة من الاستثمار إلى جهود الحد من اعتماد أمريكا على قوى أجنبية من المحتمل أن تكون غير جديرة بالثقة. لكن الأمر الأعظم أهمية هو أن قانون الرقائق والعلوم يزيد ماديا من احتمالية ارتفاع الإنتاجية في الأمد المتوسط أو البعيد. مع ارتفاع معدلات إعالة المسنين وإحكام ظروف سوق العمل، تنشأ الحاجة إلى نمو الإنتاجية بدعم من التكنولوجيات الرقمية لتحقيق أنماط نمو عادلة ديموغرافيا في العقد المقبل وما بعده.
سيطلق الاستثمار الموسع في القطاع العام، والحوافز التي يصنعها، العنان لطفرة في الاستثمار الخاص في مجالات أساسية. هذه لست مجرد تكهنات. إن الاستثمار العام الجيد التوجيه في العلوم والتكنولوجيا والبشر والبنية الأساسية يصنع الفرص التي سيغتنمها القطاع الخاص الديناميكي والنظام المالي، ما يدفع الإبداع والنمو وتشغيل العمالة... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.