تشيلي .. ذكرى الليندي تعزز ضرورة التحالفات

تشيلي .. ذكرى الليندي تعزز ضرورة التحالفات

بعد مرور 50 عاما منذ قام انقلاب أوجستو بينوشيه بتدمير الديمقراطية في شيلي، يواجه الرئيس الحالي جابرييل بوريتش التحدي نفسه الذي واجهه سلفادور الليندي: كيفية تحويل المجتمع من خلال السبل الديمقراطية. ويتعين على بوريتش أن يعمل على تشكيل تحالفات قوية، وبسرعة، لأن اليمين المتطرف، بقيادة خوسيه أنطونيو كاست، يكتسب مزيدا على الأرض. وفقا لتقرير كل من خورخي جي كاستانيدا، وزير خارجية المكسيك الأسبق، وأستاذ في جامعة نيويورك ومؤلف كتاب "أمريكا من خلال عيون أجنبية" (مطبعة جامعة أكسفورد، 2020). وكارلوس أومينامي وزير الاقتصاد في أول حكومة ديمقراطية في تشيلي بعد الديكتاتورية.
إن إحياء ذكرى الانقلاب قد يكون أمرا صعبا، خاصة في أمريكا اللاتينية، حيث أصبحت الانقلابات، وما يتبعها من زعماء عسكريين في كثير من الأحيان، أمرا شائعا. يمكن اعتبار انقلاب 11 سبتمبر 1973 الذي أطاح بالرئيس التشيلي المنتخب ديمقراطيا سلفادور الليندي واحدا من عديد من الانقلابات. لكن هذه المأساة تتسم ببعض الخصائص الفريدة، التي تم التقاطها في سيل من الكتب، والأفلام الوثائقية، والتعليقات ــوبعضها يحمل اكتشافات جديدةــ بمناسبة الذكرى الـ50 للانقلاب وتقييم رئاسة الليندي، التي انتهت بوفاته المفاجئة.
لقد وعد الليندي بالاشتراكية الديمقراطية: ثورة سلمية بنكهة "الإمبانادا"، على حد تعبيره، الأمر الذي يؤكد الطابع الوطني الفريد لمشروعه السياسي. إن النظام الاشتراكي الذي تحقق من خلال انتخابات حرة، بدلا من فرضه على المجتمع بالقوة، كان يمثل حداثة تاريخية، وشاهدته شعوب بعيدة مثل إيطاليا وفرنسا باهتمام كبير. وحتى يومنا هذا، لا يزال عديد من أهل شيلي يتذكرون حكومة الليندي لجهودها المخلصة لتمكين المحرومين.
إن الوحشية التي استخدمها الجنرال أوجستو بينوشيه في تفريغ هذه التجربة كانت فريدة من نوعها أيضا. وعلى الرغم من انتشار الانقلابات في أمريكا اللاتينية، لم يحدث من قبل قط أن تم تفجير قصر رئاسي، ولم يتم انتشال جثمان رئيس من تحت الأنقاض. علاوة على ذلك، كان انقلابا مؤسسيا، وليس انقلابا عسكريا نموذجيا مدفوعا بالطموح الشخصي أكثر من الأيديولوجية، دعمت القوات المسلحة والشرطة بأكملها نظام بينوشيه.
وهذا يعكس عديدا من العوامل. فبادئ ذي بدء، حتى قبل توليه منصبه، كان الليندي هدفا لهجمات شرسة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، كما خطط لها هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي آنذاك ونفذتها وكالة الاستخبارات المركزية. وقد قام كل من تقرير لجنة تشيرش، الذي أعدته لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي في الفترة 1975 - 1976، والبحث الدقيق الذي أجراه بيتر كورنبلوه، أحد كبار المحللين في أرشيف الأمن القومي، بتوثيق هذه التدخلات بالتفصيل.
لكن كان من الواضح أيضا أن المشروع السياسي الاشتراكي الصريح سيواجه مقاومة شرسة، وأن القيادة القوية كانت مطلوبة لتحييد هجمات المحافظين. إلا أن تحالف الوحدة الشعبية بقيادة الليندي فشل في دعم النوايا الجديرة بالثناء من خلال العمل المتسق.
على سبيل المثال، كانت سياسة الحكومة المتمثلة في تحفيز الاقتصاد من خلال زيادة الاستهلاك غير مستدامة. وفي غياب قدر أكبر من الاستثمار، أدى هذا النهج حتما إلى إيجاد طفرة عابرة انتهت إلى النقص، وانتشار السوق السوداء على نطاق واسع، والتضخم المفرط.
كما انفصل تحالف الليندي إلى حد كبير عن الشؤون الدولية، التي كانت في ذلك الوقت محددة بالحرب الباردة. وبعيدا عن تبني الخطاب المناهض للاستعمار، واصلت حكومته إقامة علاقات وثيقة مع كوبا، وهو ما تجلى في زيارة فيدل كاسترو التي استمرت 23 يوما في عام 1971، وحاول إقامة علاقة مميزة مع الاتحاد السوفياتي، لكن دون جدوى، واشتبكت مع الولايات المتحدة، التي عارضت بشدة مصادرة الشركات الأمريكية دون تعويض يذكر.
لكن فشل الليندي الكبير كان يتمثل في عدم قدرته في مواجهة الضغوط الخارجية والمحلية المكثفة على حشد القدر الكافي من الدعم الاجتماعي والسياسي لمشروعه. وقد أتيحت له الفرصة لبناء ائتلاف واسع النطاق: ففي الانتخابات الرئاسية عام 1970، خاض الليندي ورادوميرو توميتش، المرشح الديمقراطي المسيحي، برامج مماثلة، حيث اقترح كل منهما إصلاحات بنيوية عميقة. تحدث الليندي عن "الطريق التشيلي إلى الاشتراكية"، وتحدث توميتش عن "الطريق غير الرأسمالي إلى التنمية". وحصلا معا على 64.7 في المائة من الأصوات.
وعلى الرغم من الأفكار المتشابهة ظاهريا لضمان "الوحدة الاجتماعية والسياسية للشعب"، على حد تعبير توميتش، فإن الديمقراطيين المسيحيين تحالفوا مع الحزب الوطني اليميني، فشكلوا كتلة معارضة قوية، ولم يتمكن الليندي قط من تحقيق ثورة ديمقراطية وسلمية بحصوله على 37 في المائة فقط من الأصوات.
وفي غياب تحالف قوي بين الوسط واليسار، فإن الجهود الديمقراطية لإعادة تشكيل هياكل السلطة محكوم عليها بالفشل. وقد أدرك إنريكو بيرلينجير، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الإيطالي "الحزب الأكبر في الغرب"، هذه الحقيقة، وفي العام نفسه الذي تمت فيه الإطاحة بالليندي، اقترح "تسوية تاريخية" مع الديمقراطيين المسيحيين والأحزاب السياسية الإيطالية الأخرى.
لقد أصبح الدرس الرئيس المستفاد من فشل تشيلي في الطريق إلى الاشتراكية أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث يبدو أن الرئيس جابرييل بوريتش يتولى عباءة الليندي. قبل دخول القصر الرئاسي في مارس 2022، كسر بوريتش البروتوكول بالانحناء أمام تمثال الليندي. كما وعد بإعادة فتح "الطرق العظيمة" إلى "مجتمع أفضل"، كما توقع الليندي أن يفعل الآخرون في خطابه الأخير الشهير للبلاد. وربما تكون هناك "طريقة تشيلية جديدة" في طريقها إلى الظهور، قادرة على حل التوترات الاجتماعية في ظل الحكم الديمقراطي وإشباع الرغبة الواسعة النطاق في التغيير المؤسسي. لكن الشهور الـ18 التي قضاها بوريتش في منصبه لم تكن سهلة. فبعد فترة وجيزة من تنصيبه، رفض الناخبون بشكل مدو المسودة الأولى للدستور الجديد، الذي كتبه مؤتمر يتألف في الأساس من أعضاء مستقلين وذوي ميول يسارية. وقد تبين أن التركيز المفرط في المسودة على الأولويات التقدمية مثل حماية البيئة وحقوق السكان الأصليين كان جذريا للغاية في نظر أغلب أهل تشيلي. ومن المقرر إجراء استفتاء دستوري ثان في ديسمبر، على نص جديد صاغه مؤتمر بأغلبية كبيرة من اليمين المتطرف، رغم أن النتيجة تظل غير مؤكدة. علاوة على ذلك، فشل الكونجرس المتزايد العداء في إقرار إصلاحات بوريتش المتعلقة بالضرائب، والضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية.
وعلى الرغم من فوزه بنسبة 55.9 في المائة من الأصوات، إلا أن بوريتش كافح من أجل ترجمة أغلبيته الانتخابية إلى أغلبية تشريعية. وهو يواجه الآن التحدي نفسه الذي واجهه الليندي قبل 50 عاما: كيفية تحويل المجتمع من خلال الوسائل الديمقراطية من دون تحالف سياسي واسع النطاق. ويتعين على بوريتش أن يتعلم من تجربة الليندي وأن يعمل على صياغة تحالفات قوية، ويتعين عليه أن يفعل ذلك بسرعة، بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي تزايد الحنين إلى دكتاتورية بينوشيه، وهو ما انعكس في شعبية اليمين المتطرف بقيادة خوسيه أنطونيو كاست. وما لم يحدث ذلك، فإن الحكومة التي كانت تسعى إلى كل شيء يمكن أن تترك بلا شيء مرة أخرى.

الأكثر قراءة