واشنطن وبكين .. حرب تكنولوجية دون فائز

واشنطن وبكين .. حرب تكنولوجية دون فائز
واشنطن وبكين .. حرب تكنولوجية دون فائز

تهدد الحرب التكنولوجية الباردة بين الولايات المتحدة والصين بتفتيت الاقتصاد العالمي وتفكيك عديد من الهياكل التي يقوم عليها الاستقرار والازدهار العالمي.
ويتعين على القوتين العظميين أن تتفاوضا على إطار عمل جديد قائم على القواعد التي تعمل على تسهيل الإبداع وضمان انفتاح السوق، بحسب تقرير كل من أندرو شنج هو زميل متميز في معهد آسيا العالمي في جامعة هونج كونج، وشياو جينج رئيس مؤسسة هونج كونج للتمويل الدولي، وأستاذ ومدير معهد السياسات والممارسة في معهد شنتشن المالي في الجامعة الصينية في هونج كونج في شنتشن.
يمثل الأمر التنفيذي الأخير الذي أصدره الرئيس الأمريكي جو بايدن بتقييد الاستثمارات الأمريكية في أشباه الموصلات الصينية، والإلكترونيات الدقيقة، وتكنولوجيا المعلومات الكمية، والذكاء الاصطناعي، تصعيدا آخر في حرب التكنولوجيا الصينية الأمريكية.
وفي سياق التنافس الجيوسياسي المحتدم بين القوتين العظميين، فإن فرص حل هذا الصراع في أي وقت قريب تكاد تكون معدومة، وهذا على حساب الاقتصاد العالمي.
في كتابه الصادر عام 2018 بعنوان "ممارسة الرأسمالية في اقتصاد الابتكار"، يسلط المستثمر المغامر ويليام إتش. جانواي الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه حكومة الولايات المتحدة في تحفيز الابتكار من خلال تمويل البحث والتطوير في تقنيات الدفاع المهمة.
وعلى الرغم من الإنفاق الكبير المرتبط بهذه التطورات التكنولوجية، فإن حجم النفوذ الاقتصادي الذي حققته أمريكا أدى فعليا إلى خفض تكاليف المنتجات والخدمات التكنولوجية المتطورة. وتم بعد ذلك تسويق هذه الابتكارات تجاريا من خلال ريادة الأعمال الخاصة، ما جعلها في متناول المستهلكين بسهولة.
ببساطة، من خلال تسخير اقتصادات الحجم الكبير والتخصص، بشر اقتصاد الإبداع في الولايات المتحدة بعصر من النمو السريع والازدهار.
ومع اندماج الصين في الاقتصاد العالمي، تبنت نموذجا مماثلا، ما مكن الشركات الصينية من خفض تكاليف التكنولوجيات الجديدة، مثل: الألواح الشمسية، والبنية التحتية لشبكة الجيل الخامس، والمركبات الكهربائية في حين تعمل على بناء القدرات الصناعية والعسكرية للبلاد.
وفي الوقت نفسه، أثارت السياسة الخارجية الصينية متزايدة الحزم المخاوف بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة.
وبحلول الوقت الذي تولى فيه الرئيس شي جين بينج السلطة في عام 2012، كانت الولايات المتحدة تعد الصين منافسها الجيوسياسي الرئيس. ونتيجة لذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصين في محاولة لمنع التكنولوجيا الأمريكية من تعزيز القدرات العسكرية الصينية.
بين أغسطس 2018 ويونيو 2023، تمت إضافة 669 شركة صينية إلى ما يسمى بقائمة الكيانات التابعة لوزارة التجارة، التي تستخدم لإدراج الشركات الأجنبية في القائمة السوداء لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
وكان لهذه العقوبات تأثير كبير في الصين، حيث أدت إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي المستمر وزيادة خطر الانكماش. ومع فرض حلفاء الولايات المتحدة مثل هولندا وكوريا الجنوبية واليابان قيود التصدير الخاصة بهم، حرمت الشركات الصينية من المدخلات الرئيسة لتصميم وإنتاج أشباه الموصلات المتقدمة.
وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى انخفاض التجارة بين الولايات المتحدة والصين بنسبة 17.9 في المائة خلال النصف الأول من عام 2023. وانخفضت حصة الصين من الواردات الأمريكية إلى 13.3 في المائة خلال هذه الفترة، وهو انخفاض بنسبة 38.4 في المائة من ذروة بلغت 21.6 في المائة في عام 2017.
كما انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات المحافظ، حيث سجل صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عجزا قدره 49 مليار دولار في الربع الثاني من العام الجاري.
إن عملية تقليص العولمة الجارية ستكون لها آثار عميقة في الاقتصاد الأمريكي أيضا. وتعمل حاليا أكثر من 70 ألف شركة أمريكية في الصين، ونحو 90 في المائة منها تحقق أرباحا.
تعد الصين أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم، حيث تمثل أكثر من 31 في المائة من المبيعات العالمية و36 في المائة من مبيعات أشباه الموصلات في الولايات المتحدة.
بالنسبة لشركة إنتل ونفيديا، مثلت الصين، على التوالي، 27 في المائة و26.4 في المائة من الإيرادات في عام 2022، و67.1 في المائة من إيرادات كوالكوم.
وحذر جينسن هوانج، الرئيس التنفيذي لشركة Nvidia، أخيرا قائلا: "إذا حرمنا من السوق الصينية، فلن يكون لدينا أي احتمال لذلك". "ليس هناك صين أخرى، هناك صين واحدة فقط".
ومع استمرار اقتصاد الإبداع العالمي في التفتت، فمن المرجح أن تواجه الشركات الصينية والأمريكية تكاليف أعلى للبحث والتطوير وتصنيع المعدات.
وكما اكتشفت شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية وغيرها من الشركات المصنعة لأشباه الموصلات أخيرا، فإن إنتاج الرقائق في الولايات المتحدة أكثر تكلفة بكثير من إنتاجه في آسيا.
والأسوأ من ذلك أن الحكومات في مختلف أنحاء العالم من المرجح أن تلجأ إلى إعانات الدعم الصناعية للتعويض عن خسارة السوق الصينية، ما قد يشعل شرارة حرب دعم ضارة.
ولأن الولايات المتحدة تبدو عازمة على الاستمرار في استراتيجيتها الحالية المتمثلة في توسيع العقوبات، فمن المتوقع أن تنتقم الصين بإجراءات خاصة بها. إن القيود المفروضة أخيرا على الصادرات من المواد الخام ذات الأهمية الاستراتيجية مثل الجرمانيوم، والجاليوم، والتنجستن، والمعادن الأرضية النادرة، تنبئ بإمكانية اتخاذ تدابير أكثر اتساعا.
وكما حذر صندوق النقد الدولي، فإن "العالم المفتت من المرجح أن يكون عالما أكثر فقرا".
علاوة على ذلك، فإن تقسيم سوق التكنولوجيا والإبداع العالمي إلى فئتين متميزتين -واحدة للأغراض الدفاعية والأخرى تشمل كل شيء آخر- من شأنه أن يشوه حوافز التطور التكنولوجي.
ولأن التكنولوجيا كلها تنطوي على تطبيقات عسكرية محتملة، فإن التفاعل بين القيود وإعانات الدعم من الممكن أن يوجه الإبداع نحو الأمن الوطني، وربما يعيق ظهور منتجات وخدمات التكنولوجيا الفائقة الموجهة نحو المستهلك.
وكما أن التنظيم ضروري للحد من تركيز السوق ومعالجة العواقب الأخلاقية المترتبة على الذكاء الاصطناعي التوليدي والتكنولوجيا الحيوية، فلابد من السيطرة بعناية على المنافسة في التكنولوجيات الموجهة الدفاعية.
حتى في ذروة الحرب الباردة، نجحت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في التفاوض على معاهدات أدت فعليا إلى إبطاء سباق التسلح النووي ومنعت الدمار المتبادل المؤكد.
وعلى نحو مماثل، يتعين على الولايات المتحدة والصين إنشاء إطار شفاف قائم على القواعد ويعمل على تسهيل مشاركة القطاع الخاص في التجارة المفتوحة، وتعزيز الثقة، وضمان انفتاح السوق، وحماية حقوق الملكية، ووضع حدود للعقوبات العقابية. ومن المؤكد أن العقوبات والإعانات التي تفرضها الدولة ستدفع القطاع الخاص والأسواق إلى التراجع، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سلبية على الاقتصاد العالمي. وكان هذا موضوع نقاش حاد داخل الصين على مدى الأعوام القليلة الماضية، مع توسع دور الدولة في الاقتصاد.
لا شك أن الصين والولايات المتحدة تريدان المساومة من موقع القوة، وكل منهما تخشى أن ينظر إلى الشروع في المفاوضات بوصفه علامة ضعف، وبالتالي فمن الممكن أن آلام الركود العالمي الحاد هي وحدها القادرة على إرغامهم على البدء في الحديث.
ومع ذلك، كلما تأخرت هذه المحادثات، تعاظمت المعاناة بالنسبة للصين والولايات المتحدة وبقية العالم.

الأكثر قراءة