الصحافة لن تموت.. وعلى المطبوعات السعودية التكيف مع الثورة الجديدة
دعا الدكتور راينر متليباخ رئيس منظمة ''وان ـ إفرا'' العالمية الصحف السعودية والصحافة المطبوعة في المنطقة إلى التكيف مع الوضع الجديد للصحافة المطبوعة عالميا من خلال الشروع في تحويل المؤسسات الصحافية إلى مؤسسات للنشر تقدم الحلول المعلوماتية والتحليلية والتاريخية للأحداث، بدلا من الأخبار، إلى جانب الشروع في دراسة المستهلكين وتقسيم العملاء إلى شرائح، والتركيز على العلامة التجارية للمطبوعة كما تفعل الشركات الكبيرة.
واستبعد متليباخ، أن ينتهي عصر الصحافة يوما ما، مؤكدا في هذا الصدد أن كل التحديات التي تواجه الصحف في الأسواق هي فرص يمكن توظيفها لخدمة الصحافة على جميع أشكالها المطبوعة والمنشورة إلكترونيا.
وأضاف'' أنا أقصد هنا أن التلفزيون والإنترنت وخدمة الرسائل عبر الهاتف المتنقل، وكل التقنيات الجديدة يمكن أن توظف لخدمة الصحيفة الورقية أو النشر الإلكتروني.. بل حتى جذب القارئ والمعلن''.
وتناول رئيس منظمة ''إفرا'' العالمية، خلال الحوار عددا من القضايا ذات العلاقة بصناعة النشر والصحافة عالميا، والتكامل بين الصحافة الورقية والرقمية، والتدريب وحجم تأثير التطورات في مجال التكنولوجيا على هذه الصناعة.. وقال هنا'' لقد قمت بزيارة عدد من الجامعات التي تدرس الإعلام في المملكة في الرياض والدمام والحقيقة أن هناك بيئة تعليمية وأساليب تدريس حديثة من خلال الفصول الذكية ومعامل اللغة الإنجليزية والتقنيات الحديثة في التدريس كتلك التي رأيتها في جامعة الأمير محمد بن فهد في الدمام، وهذا يعني أن هناك نظرة مستقبلية للجامعة التي تسعى من خلالها إلى تجهيز شباب قادرين على التميز في مستقبلهم الوظيفي''، مشيداً بالتجهيزات التي وفرتها الجامعة للطلاب ومبانيها العصرية.. وهنا بقية تفاصيل الحوار:
#2#
دعنا ننطلق من الوضع الراهن للأسواق العالمية، ومدى خسارتها في مجال الإعلام والنشر..؟
ليس هناك خسارة بالمعنى الدقيق..الصحف ومؤسسات النشر تتكيف على مر التاريخ مع أوضاعها المصاحبة.. ونحن نمر بأزمة اقتصادية تراجعت معها كثافة الإعلان في بعض المناطق من العالم، وتحديدا في السوق الأمريكية بصورة أكبر تبعا للنشاط الاقتصادي المنكمش.. وهذه التداعيات لم تطل النشاط الإعلامي والإعلاني فقط..بل طالت صناعات أخرى خدمية وتجارية..ومع مرور الوقت ستعود الأمور إلى سابق عهدها بل يمكن أن تزيد أيضا.
ماذا عن المنطقة وصناعة النشر والإعلام في السوق السعودية؟
هناك اختلاف في صحافة المنطقة، أولها أن المنطقة لا تزال تركز على الصحافة المطبوعة بمعناها الأساسي.. لم تتقدم بصورة أكبر نحو الاستفادة من الإنترنت والنشر الإلكتروني.. ولم يتم التركيز عليه.. ولكنني أعتقد أن ذلك سيحدث وقريبا جدا، بل يمكنني التأكيد أنه سيكون أسرع مما نتوقع.. عندما تنظر إلى الأسواق في أوروبا وأمريكا وبعض المناطق في آسيا تجد أن هناك تغيرا في طريقة الطباعة والعمل الصحافي.. عبر دمج التقنيات الجديدة والأساليب الجديدة في العمل.. وهذا ما أتوقع أن يحدث هنا.
الخبراء يؤكدون أن 47 في المائة من القراء في العالم يتصفحون الأخبار عبر شبكة الإنترنت ومن خلال الهواتف المتحركة، متوقعين أن يرتفع عدد قراء الإخبار من خلال الإنترنت إلى 60 في المائة في أوروبا و 50 في المائة في آسيا والعديد من دول العالم الأخرى، ولذلك أنا أدعو إلى أن تبدأ الصحافة المطبوعة في السعودية التغيير لمواجهة التحديات التي تتعرض لها في مختلف المجالات.
تتحدث عن التغيير، هل هناك طريقة محددة لهذا التغيير يمكن أن تساعد الصحف السعودية على الاستمرار في العمل والنمو؟
القارئ يجب أن يكون محور الاتصال، يجب التركيز في الصحف على القارئ وليس المعلن، في المستقبل سيكون القارئ هو الهاجس الحقيقي والمحرك الأساسي لأداء الصحف وليس المعلن.. وهذا بالطبع لا يعني تجاهل المعلن.
ومن المهم التركيز على الخدمات الموجودة في المناطق الجغرافية الموجودة في محيط الجريدة، لافتا إلى أن الصحف ما زالت تركز على المحتوى وليس تقديم الخدمة، وهذا من الجوانب التي من المفترض أن تقوم الصحف بتغييرها.
في الواقع تركيز الصحف على تقديم الخدمات سيكون أفضل لها في جذب القارئ، لذلك على الصحف تغيير طريقة التعامل مع سوق الإعلان، معللا ذلك بوجود العديد من التحديات التي تواجه الصحف في هذه النقطة تحديدا.
وأتوقع أن يحدث تراجع كبير في عوائد الصحف في السنوات المقبلة، إن لم تغير من طريقة التسويق والموضوعات والقضايا التي تهتم بها.
والتغيير يعني أن يتغير مكان المعلن في العمل الصحافي، ليكون القارئ ''المستهلك'' على رأس الأولويات في العمل الصحافي بدلا من المعلن، ما يعني بالضرورة أهمية تغيير الذهنية التسويقية والتحريرية التي يدار بها العمل الصحافي.
وفي هذا الإطار عقدنا قبل أيام مؤتمر النشر الصحفي (وان – إفرا) في الشرق الأوسط2010، اتخذ في نسخته الخامسة شعار ''تغيير من أجل النجاح: الاستراتيجيات التحريرية والتجارية للمستقبل''، وهدف هذا المؤتمر لمساعدة الصناعة في المنطقة لتطبيق ما تحدثنا عنه آنفا وهو دفع قطاع النشر في المنطقة إلى الأمام، والتأكيد على ضرورة تطبيق المعايير العالمية لضمان أفضل الخدمات في مختلف القطاعات ذات الصلة.
وغطى المؤتمر العديد من المحاور من أبرزها إمكانيات النمو أمام الصحف والمجلات في الشرق الأوسط، والفرص والتحديات التي تمثلها وسائل وتقنيات الإعلام الحديثة، وسوق الإعلانات في الشرق الأوسط، والمسؤولية التحريرية المهنية، والمشهد الإعلامي المستقبلي.
وأود أؤكد هنا أن المؤتمر حظي بمشاركة نخبة من الرؤساء التنفيذيين، ومديري العموم, والمديرين التقنيين، ومديري الإنتاج, ومديري الدعاية والإعلان، ورؤساء التحرير, ومديري تقنية المعلومات, ومديري التوزيع, ومديري تطوير الأعمال من المنطقة والعالم.
سمعنا خلال الفترة الأخيرة عن مصاعب حقيقية تواجه بعض الصحف العالمية..بل إن بعضها في الولايات المتحدة توقف عن الطباعة بمعنى آخر انهارت..هل هذا دقيق وماهي أسبابه؟
الحقيقة أن الصحف التي تأثرت كما أعرف هي بعض الصحف الأمريكية فقط..وهذا للمعلومية لاعلاقة له بالأزمة المالية بصورة مباشرة، إنما علاقة مرتبطة بالانكماش الاقتصادي وأسلوب عمل تلك الصحف وعدم قدرتها على التعامل بعكس صحف اعتمدت النشر الإلكتروني وحققت نجاحاً..
في أوروبا وأمريكا.. حدث هبوط شديد في المصدر المالي الأول للصحف وهو الإعلان.. ولكن مع مرور الأيام عاد النمو الإعلاني ولكن ببطء.. هناك أيضا عوامل أخرى للتطوير تتجاهل الصحف توظيفها بقصد أو عن غير قصد.
هل هذا يعني أنك لا تتفق مع القول إن الصحف ستموت يوما ما؟
أبدا لا أتفق مع هذه الرؤية، الصحف على مر تاريخها تتكيف مع الأوضاع المصاحبة ولا يمكن أن تموت.. كما أن الصحافة لا تعني أن تكون ورقية حرفية.. المهم أن تقدم القصة الصحفية والتحليل الخبري إلى القراء.
ولكني في هذ الصدد أود التأكيد أن الأخبار السريعة في المستقبل القريب لن تكون ضمن المواد المطبوعة في الصحف نتيجة لقيام وسائل أخرى جديدة بهذه المهمة بصورة أسرع وأكبر..من هنا فإن التحليل وتقديم الرأي والخلفيات التاريخية للأخبار، والقصص الخاصة، هي التي ستظل ركيزة في الصحافة المطبوعة.
ما أكبر التحديات التي تواجه صناعة النشر والصحف في 2010 من وجهة نظرك؟
تقريبا هناك نوعان من التحدي.. ولكن دعني أقول إن الموبايل والإنترنت أوعية لنقل المعلومة التي تصنعها وكالات النشر والإعلام.. ومن وجهة نظري كل تلك التقنيات فرص وليست تحديات، والتحدي الأكبر هو في طريقة تطوير الخدمة الإعلامية للقراء التي تقدم لهم خدمة محددة لكافة الشرائح.. وتوظيف العوائد في الوصول لشرائح أكبر وجديدة.. وتحليل طريقة عمل المنافسين.
وأود أن أشير إلى أن التحديات تحتلف من منطقة إلى أخرى.. في الشرق الأوسط مثلا ما زال هناك حاجة لتطوير الأبحاث المتعلقة بالأسواق وتطوير الكوادر العاملة على التقنيات الجديدة.. والعمل بصورة أدق على العلامة التجارية للمطبوعة، سيجعل القيام بذلك فرص ناجحك أكبر في هذه السباق.. وفي النهاية نحن نقول إنه لا يمكنك تجنب الأزمات ولكن تكيف معها.
ما الطريقة التي يمكن من خلالها أن ترفع مستوى اهتمام المعلن في الصحيفة؟
لا أعلم كيف يتم جلب المعلن في المنطقة بصورة دقيقة.. ولكن على وجه العموم أن معرفة العميل والقارئ هي المفتاح الرئيس للبداية الصحيحة ومن ثم عملاء الإعلان الذين ربما لم تحددهم بصورة دقيقة.. من هنا يمكنك الوصول إلى شرائح جديدة.. بمعنى يمكن أن تقوم الصحف بتحليل السوق ومعرفة العملاء سواء شركات أو مستهلكين ومن ثم العمل على الربط بينهم.
عملية تحليل الأسواق عملية مهمة ورائعة لتحقيق نتائج متقدمة وتحديد مسار الصحيفة وحجم الإعلان فيها.. وهنا أقول إن على الصحف العمل كوكالات إعلان وتسويق لفهم السوق والعمل من خلال ذلك.
إن عملية جذب شرائح جديدة من القراء مهمة صعبة وسهلة في وقت واحد .. وعليك البدء من نقاط متقدمة من المدرسة والجامعة عبر توفير الصحف بالمجان في هذه المؤسسات لرفع نسبة القراء وتسويق المطبوعة وربطها بالنشء منذ البداية.. وهذه الشريحة هي بحسب الأبحاث أول القراء، والصحف الاقتصادية خصوصا لديها قيمة جديدة.
هل تقول إن الإعلان هو الركيزة الأساسية لعمل أي صحيفة ولتطور أدائها..بعد أن تحدثت عن القراء بهذه الصورة؟
نعم الإعلان المصدر الوحيد لبقاء الصحف وإذا استطاع الإنترنت أو التلفزيون القضاء على حصة الصحف الإعلانية فإن ذلك يعني أن الصحافة ستنتهي.. ولكن ذلك لن يحدث.. ولك أن تعلم أن معظم الصحف تعمل على أساس أن 30 في المائة من العوائد تأتي من الطباعة فيما 70 في المائة أو أكثر هي مداخيل الإعلان؟.. ومن هنا فإن الإعلان سيظل ركيزة أساسية في عمل الصحف.. وبما أننا نتوقع أن القراء سيستمرون في اقتناء الصحف تبعا للاستراتيجية التي تحدثنا عنها فإن المعلن سيظل موجودا.
عند هذه النقطة أود الاطلاع على رأيك في مدى استقلالية الصحف رغم اعتمادها على الإعلان؟
هناك مقاربة بسيطة في هذا الموضوع.. المصداقية وتقديم وجهات الرأي والأخبار المحترمة هي الوسيلة التي تجلب القارئ وبالتالي المعلن الذي يبحث عن القارئ.. من هنا فإن إحداث استقلالية فيما تطرحة الصحيفة هو الركيزة في جلب المعلن..لذلك فإن أي مغامرة أو تأثير من قبل المعلن على طبيعة ما ينشر سيؤثران بالتالي في عدد القراء.. العملية معقدة ولكنها واضحة أيضا..عليك المواءمة بين كل ذلك دون أن تؤثر في مصداقيتك عند الحلقة الأولى وهم القراء.
ولكن للحقيقة، فإن تأثيرالمعلن في الصحيفة موجود في كل الأسواق ولكن درجة التأثير تختلف.. وفي النهاية يمكنك أن تقف في المنتصف بين إرضاء طموحات القراء في الحصول على الحقيقة إلى جانب إرضاء العميل بربطه بالمستهلك المباشر.
ما الخدمات الأساسية التي تقدمها منظمة إفرا للناشرين وللصحف؟
في البداية أود التصحيح بأن اسمها بات على النحو التالي WAN-IFRA أي جمعية الصحافة العالمية والناشرين، ومنظمة ''إفرا'' هي أكبر منظمة عالمية رائدة في مجال الصحافة والنشر الصحافي، تأسست منذ نحو 45 عاماً ومقرها الرئيس في ألمانيا ويبلغ عدد أعضائها أكثر من ثلاثة آلاف دار صحافة ونشر في أكثر من 80 دولة حول العالم، وتعنى بكل ما يتعلق بصناعة الصحافة والإعلام والنشر في النواحي الإدارية والتنظيمية والتسويقية والفنية والتقنية والتدريبية، وتركز على الدراسات والأبحاث والتدريب وكل ما له علاقة بتطوير الصحافة في هذه المجالات على مستوى العالم.
وعلى صعيد المنطقة، فقد كانت لنا تجربة إطلاق مجلة ''تقنيات الصحافة'' باللغة العربية مجاناً للقارئ العربي. سنة 2005بعد أن تمّ إطلاقها باللغات الفرنسية والإسبانية والروسية والألمانية والإنجليزية، وتتطرق هذه المجلة لكل التطورات الحاصلة في عالم الصحافة والنشر، كما تلقي الضوء على التقنيات المستخدمة كافة في صناعة الصحف في الغرب.
عقدنا أيضا إلى جانب الزيارات المتبادلة عددا من المؤتمرات التي قدمت أفكارا في استراتيجيات أحدث غرف الأخبار، ومفاهيم الإعلان ، والفرص التجارية وكذلك تمكين التكنولوجيات والنظم من مختلف أنحاء العالم ، وقدم المتحدثون الدوليون والإقليمون فيه أطروحات متميزة.وتنظم ''إفرا'' كل عام نحو 50 مؤتمراً وقرابة 150 حلقة تدريبية، وتصدر تقارير ودراسات وبحوثاً احترافية قيّمة تشتمل على آخر مستجدات وتكنولوجيا صناعة النشر الصحافي، يتم إعدادها بواسطة كوادر متخصصة ومؤهلة تأهيلاً عالياً، وغالباً ما تتناول هذه المؤتمرات والدورات والبحوث والدراسات موضوعات مثل الإنتاج الصحافي والطباعة والإعلان والإعلام الإلكتروني وغرف الأخبار، ولا تتعرض في نشاطها لأي موضوعات سياسية وفي الشرق الأوسط نظّمت ''إفرا'' خمس مؤتمرات حتى الآن، الأول في بيروت 2005م، والثاني في أبو ظبي 2006م ، والثالث في البحرين 2007م، والرابع في القاهرة 2008م، كما أسهمت في تنظيم مؤتمر الإعلام الدولي في مايو 2009 في الرياض والخامس في دبي في شباط (فبراير) 2010 ، وخصصت هذه المؤتمرات للناشرين في الشرق الأوسط بمشاركة خبراء عالميين .