تركيا ساعية لبناء شراكة استراتيجية مع العرب عبر السعودية

تركيا ساعية لبناء شراكة استراتيجية مع العرب عبر السعودية
تركيا ساعية لبناء شراكة استراتيجية مع العرب عبر السعودية

يؤكد الدكتور محمد العادل الرئيس المؤسس للجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون ضرورة اهتمام العرب بتركيا لأبعاد استراتيجية، مشيرا إلى أن النهج السياسي الخارجي التركي الجديد حدد أهدافه ومطالبه من العرب، إلا أن العرب لم يحددوا بعد أهدافهم من تركيا، وقال العادل إن نهج العدالة والتنمية هو مشروع دولة وليس ائتلافا، وبالتالي فإن نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة يعزز الشراكة العربية ـ التركية التي هي جزء رئيس من مشروع العدالة والتنمية، ودعا العادل إلى أهمية توثيق وتعزيز العلاقات الثقافية العربية مع تركيا والخروج من دائرة العمل الرسمي، مشيرا إلى أن الدبلوماسية الثقافية أبقى وأكثر تأثيرا وفاعلية.. إلى تفاصيل الحوار:

ما الأفكار ومجالات التعاون التي نفذتموها كجمعية على أرض الواقع في الدول العربية؟

حتى تكون جسرا ثقافيا بين العرب والأتراك لا بد لهذا الجسر من أدوات، ومن أهم الأدوات بالنسبة لنا أولا مشروع التوأمة بين الجامعات التركية والجامعات العربية.. لقد حققنا بهذه التوأمة حتى هذه اللحظة ثلاث توأمات بين جامعات تركية ومغربية وجامعات تركية وسودانية، وقريبا جدا مع جامعة تركية وجامعة يمنية ونتحاور مع عديد من الجامعات العربية والتركية وهناك رغبه كبيرة من الجامعات التركية في الانفتاح على الجامعات العربية وتمتين التعاون معها، بل إن المجلس الأعلى للتعليم العالي التركي فتح المجال للطلبة والباحثين العرب للالتحاق بالجامعات التركية وأعطى فرصا ومنحا متعددة للمنطقة العربية تحديدا.
الجامعات التركية الآن تريد استقطاب الكثير من الباحثين والطلاب العرب والأفارقة من مختلف التخصصات ما يدفعهم إلى الاعتناء والاهتمام أكثر بالجامعات العربية.

ولكن كلما تحاورنا مع رؤساء الجامعات التركية وتوجهنا لهم بالسؤال لماذا لا يوجد حتى اليوم أي تعاون مع الجامعات العربية؟ تكون الإجابة لا يوجد أي تواصل، لا نعرف أحدا، لهذا السبب نحن كجمعية تركية ـ عربية نقوم بهذا التواصل بين هذه المؤسسات الأكاديمية ونهيئ لها الأرضية، ونحن نقوم بهذا التواصل ننطلق من مشروع محدد في البداية ليكون مدخلا لمشاريع أخرى، وهذا المشروع المحدد هو من شروط التوأمة بين الجامعتين أن تفتح الجامعات العربية قسما للغة التركية وآدابها والجامعات التركية تفتح قسما للغة العربية وآدابها.

ألا ترى أنكم كجمعية تتجاوزون دور وزارات التعليم العالي والمستشاريات الثقافية وهل هناك تنسيق بينكم؟

مع الأسف دبلوماسيتنا العربية غير مبادرة يمكن أن يكون هناك مستشارون ثقافيون في سفاراتنا أو ملحقون، وأكثر ما يمكن أن يقوموا به مع الأسف حتى اللحظة هو عبارة عن نقل الملفات أو رسائل من هنا أو هناك، ولكلا الجانبين لم نجد ملحقين ثقافيين في الساحة التركية حققوا توأمه بين الجامعات.

لكن حتى اللحظة نرى قصورا في هذا المجال، حيث إن المستشارين الثقافيين العرب قليلون جدا لماذا؟ لأن المسألة الثقافية غائبة في التعاون التركي العربي أو أقول على الأقل ليس لها أولوية وهي تحتاج إلى مزيد من التفعيل، ولا أنكر جهود المستشارية الثقافية السعودية في أنقرة التي نجحت أخيرا في تهيئة الأرضية للتوقيع على الاتفاقية بين وزارة التعليم العالي والمجلس العالي للتعليم التركي التي ستمهد الأرضية إلى تعاون علمي وأكاديمي كبير بين السعودية وتركيا ويأتي هذا الاتفاق بعد 30 عاما.

#2#

ولا وجود لتعارض بين عملنا كجمعيه تركية ــ عربية وأي إطار عربي رسمي كانت مراكز ثقافية أو مستشار ثقافي.. نحن نتمنى أن يكون هناك تنسيق بيننا وتعاون على أعلى مستوى. وهم يدركون أننا نسهم في ذلك، ونحن نولي أهمية قصوى لتنشيط حركة الترجمة بين اللغتين العربية والتركية. إذ نعتقد أن جزءا كبيرا من المثقفين الأتراك والأكاديميين والهيئات الفكرية لا يعرفون شيئا عن الحراك الثقافي والفكري العربي من الأدباء والأديبات العرب؟ من هن الشاعرات العربيات؟ ومن هم المثقفون العرب ومن هم المفكرون العرب، نحن نحاول أن نقوم بدور ما بتعريف المثقف والأكاديمي التركي نعكس له باللغة التركية هذا الحراك الفكري والثقافي العربي، وبالقدر نفسه نعمل على تنشيط حركة الترجمة من اللغة التركية إلى اللغة العربية ونسهم في إثراء المكتبة العربية بكتب تتحدث عن هذا الحراك الفكري والثقافي التركي حتى يكون حوارا حقيقيا بين العرب والأتراك، ومسألة الترجمة ليست فقط في مجال الثقافة والفنون والآداب وإنما في التاريخ.

وللأسف الشديد لا توجد قاعدة بيانات حتى هذا اليوم في تركيا عن التاريخ الحديث للبلدان العربية وكل ما هو موجود في المكتبات التركية معظمه يعود إلى الدولة العثمانية، وقد طرحنا مشروعا جديدا طموحا وهو إنشاء قاعدة بيانات ومعلومات باللغة التركية عن كل بلد عربي على حدة والتوثيق للتاريخ الحديث للسعودية، الأردن وسورية، خصوصا الـ 50 عاما الماضية، فهذه الفترة مجهولة للباحث التركي، إذ يلجأ الباحث إلى ما هو مكتوب باللغة الإنجليزية أو الفرنسية لأنه لا يجد شيئا باللغة التركية.

وأدعو بإلحاح وعبر «الاقتصادية» كل الهيئات الأكاديمية والجامعات. دارة الملك عبد العزيز أو الهيئات المعنية بالترجمة والمراكز البحثية أن تنجز مشروعا لترجمة مجموعة من الكتب التي تتحدث عن تاريخ المملكة الحديث عن أدباء المملكة ورموز المملكة الفكرية والثقافية والسياسية باللغة التركية حتى نساعد على فهم هذا الحراك ولإثراء المكتبة التركية ومساعدة الباحث التركي ليجد شيئا عن هذا التاريخ يستند إليه في قراءة تاريخ المملكة كمرجع أو شيئا عنها.

وأول ما تبادر إلى أذهاننا ونحن نشارك في «الجنادرية 25» ووفاء لهذا الحراك الثقافي والمسيرة في 25 عاما الماضية فكرنا مباشره بتأليف وإصدار كتاب باللغة التركية يرصد مسيرة 25 عاما لمهرجان الجنادرية، والحقيقة ليس مجرد رصد للمهرجان بقدر ما يشكل هذا الكتاب رصدا لمسيرة الحركة الثقافية والعلمية والفنية والتراثية طيلة هذه السنوات في السعودية، ونولي ذلك أهمية كبيرة في الجمعية، وندعو كل من له اهتمام من إدارة المهرجان ووزارة الثقافة أو أية جهة أخرى أن تتعاون معنا في إنجاز هذا الكتاب ورعاية هذا المشروع ليكون بحلة جيدة ويكون مرجعا للثقافة والتراث السعودي باللغة التركية ومرجعا للباحثين الأتراك.

هل من أرضية مشتركة تركية على الخصوص للقبول بحضور عربي ثقافي في تركيا؟

هناك أرضية مصالحة تركيا مع محيطها العربي والإسلامي وهناك مساحة كبيرة ورغبة كبيرة للثقافة واللغة العربية ليست لغة أجنبية في تركيا ولا يتعامل معها مثل اللغة الفرنسية أو الإيطالية أو غيرها كونها جزءا من المنظومة الثقافية وجزءا من ثقافة البلد، وتعد إلى حد بعيد إحدى اللغات الوطنية مجتمعيا وليس رسميا ضمن منظومة الثقافة واللغة التركية الرسمية ثم اللغة الكردية ثم العربية.

اللغة العربية باعتبارها ليست أجنبية تحتاج لدعم كبير من الهيئات المعنية باللغة العربية في البلاد العربية يوجد 25 قسما للغة العربية في الجامعات التركية وزرنا عددا منها وهي تعيش حالة من اليتم. يقول رؤساء الأقسام وأساتذة اللغة العربية نتواصل مع السفارات العربية نكتب لهم وندعوهم لزيارتنا وندعوهم لدعم هذه الأقسام، وتعاونهم معنا إلا أنه نادر وحتى إذا وجد الدعم والتفاعل فهو موسمي وغير منظم أو استراتيجي أو دائم.

ما أدواتكم لتفعيل هذا الدور؟

أدوات دورنا في تعزيز دعم مؤسسات تعليم اللغة العربية الموجودة في الجامعات التركية التي تشرف عليها الدولة، ودعم المناهج وتطوير منهاج اللغة العربية لغير الناطقين بها وتوفير الكتب والأقراص ومختبرات اللغة لهذه الأقسام وإرسال مدرسين منتدبين من الجامعات العربية، حيث لا يكلفون الجامعات التركية مليما واحدا، وإنما كل مرتباتهم على حساب جامعاتهم العربية ويرسلون للتدريس لعدة سنوات، وذلك لعدة أهداف لدعم منهاج تعليم اللغة العربية ودعم المدرسين وربما لدعم وتدريب المدرسين الأتراك في دورات خاصة. يجب تخصيص منح للطلاب والباحثين الأتراك الذين يرغبون في دراسة الماجستير والدكتوراه في اللغة العربية وآدابها في الجامعات العربية. يجب أن يأخذوا الأولوية لأنهم حينما يعيشون في بلد عربي لمدة أربع سنوات سيكسبون اللغة والثقافة، إضافة إلى أنهم يتخرجون في جامعة عربية وينقلون ذلك لبلدهم ويقومون بنقل خبراتهم والثقافة العربية إلى بلادهم، ونحن كجمعية نطمح إلى تأسيس مزيد من المراكز الثقافية العربية، وأرى أنه رغم الزخم الكبير للعلاقات التركية ـ السعودية على المستويين السياسي والاقتصادي لا يوجد مركز ثقافي سعودي متكامل في تركيا، أدعو بشدة القائمين على شؤون الثقافة في السعودية لتأسيس مركزين ثقافيين أساسيين عربي ـ سعودي في أنقرة وآخر في إسطنبول. هذا في غاية الأهمية قد يكون هناك تفكير بذلك لا أدري ولكن لا يمكن الاقتصار على ملحقيه ثقافية فقط لأن حجم العلاقات الآن بين البلدين يحتاج إلى مؤسسات متكاملة لتقوم بهذا الشأن.

لذلك أدعو إلى التفكير وهي رسالة موجهة إلى المعنيين لماذا لا تقوم مؤسسة باسم خادم الحرمين الشريفين للغة والثقافة العربية في تركيا، هذا مشروع حيوي يخدم الحضور الثقافي السعودي في تركيا ويعزز الحضور الثقافي العربي والإسلامي في تركيا ويخدم اللغة العربية في تركيا، إن الأرضية مهيأة بشكل كبير جدا، وندعو لمثل هذا المشروع أن يتبناه خادم الحرمين الشريفين أو المؤسسات السعودية لأن الحاجة كبيرة لمثله.

في نظركم هل الخشية من الحضور السياسي التركي في المنطقة مبررة؟

للأسف الخشية غير مبررة وغير موضوعية، ونحن نتابع في الإعلام العربي بعض التحليلات والمقالات تذهب وتعكس حالة تخوف من الدور التركي الإقليمي المتعاظم، وهذا الحضور الثقافي التركي الذي يبرز عبر المسلسلات وفتح أقسام اللغة التركية في الجامعات العربية أنا أرى هذه التخوفات لا مبرر لها، لأن ما تريده تركيا أعلنته بوضوح استراتيجيتها الشراكة مع جيرانها ومحيطها العربي والإسلامي. ليست في نظرتها الهيمنة وليس لها أجندة وهي تدعو إلى الشراكة وأنا أدعو دائما في محاضراتي إلى التكامل مع هذه الشراكة بمعنى أن تركيا حددت ماذا تريد من العالم العربي وما أدوات هذه الشراكة، سياسية واقتصادية وفنية ومدنية وثقافية إلى كل المجالات وأبعد الحدود، لكن السؤال: هل العرب والسعودية في الجانب الآخر حددوا ماذا يريدون من هذه الشراكة مع تركيا؟ أعتقد أن السؤال في حاجة إلى إجابة.

نحن نرى اليوم أن تركيا تمد يدها بشكل واضح وصريح إلى البلاد العربية نحو شراكة استراتيجية في كل الاتجاهات ولا أقول إن الدول العربية لا تمد يدها إلى تركيا، لا.. هناك حماس من الدول العربية نحو تركيا ولكن ليس بالحماس التركي نفسه، ولكن هناك رغبة عربية وخاصة من السعودية.

لماذا الخوف من اللغة التركية ونشرها وهذا الحضور الثقافي عبر المسلسلات والأدوات الأخرى؟

أستغرب في الوقت الذي يستثمر فيه المنتجون الشركات التركية يدبلجون مسلسلاتهم ونشرها وبيعها في الفضائيات العربية أين المنتج العربي وشركاته، ندعو بإلحاح الشركات العربية لتسويق منتجاتها ومسلسلاتها وأفلامها الوثائقية، والسينما العربية في الفضائيات التركية لديها مساحات كبيرة جدا لاستيعاب هذا الإنتاج.

وأدعو بإلحاح الفضائيات العربية إلى أن تدخل الأقمار التركية حتى تصل إلى المشاهد التركي هناك شغف كبير باللغة والموسيقى والأغنية العربية والمسرح وهناك كثير ممن يفهمون العربية.

لماذا العمل على الأقمار الأمريكية وغيرها؟

كون تركيا تشكل سوقا إعلانية كبيرة للفضائيات.

عدم المشاركة العربية هل سببه عدم تقدير عربي لقيمة الدور التركي وسياسة تركيا في المنطقه؟

ثمة تغيرات رئيسة حصلت في الـ 20 عاما الأخيرة، حالة من التحول في رؤية القيادات العربية تجاه تركيا، الجميع يدرك أن تركيا أصبحت رقما مهما في السياسة الإقليمية والدولية لا يمكن تجاوزه بأي حال، وهناك رغبة عربية في المشاركة.

على الجانب العربي كانت ثمة زيارتان مهمتان من قبل خادم الحرمين إلى تركيا، وكانتا ضمن مدركات قيمة الدور التركي الجديد وأهميته؟

أستطيع أن أقول وأنا واثق مما أقول إن العلاقات السعودية ـ التركية بدايتها الحقيقية كانت عند زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى تركيا باعتبارهما زيارتين تاريخيتين، وقبل ذلك كانت هناك علاقات دبلوماسية تاريخية تقليدية ليس إلا، لقد بدأت الشراكة الحقيقية بعد الزيارتين الأخيرتين، والسعودية على الأقل لها استراتيجية واضحة في تركيا ولها أولوية وحضور كبير جدا لماذا؟ لأن المملكة حاضنة الحرمين الشريفين وزعيمة العالم الإسلامي دون منازع كما أن تركيا تدرك دور السعودية الإسلامي والإقليمي والدولي وتريد أن تحقق الشراكة التركية العربية عبر الرياض.

هناك من يحاول التأكيد على أن هناك فراغا في المنطقة وأن تركيا تسعى جاهدة لملئه؟

تركيا لم تأت فجأة، وكذلك دورها الإقليمي وحتى نكون أكثر وضوحا ودقة، الدور الإقليمي جاء نتيجة جدل طويل دام أكثر من 20 عاما لمراجعات حقيقية في العمق السياسي والثقافي التركي وأيضا خارجيا وإقليميا ودوليا.

وتركيا مؤهلة لدور إقليمي ودولي فاعل بحكم موقعها الجغرافي وإرثها التاريخي فقد كانت دولة الخلافة وريثة الدولة العثمانية وهي لصيقة بالمنطقة تاريخيا وثقافيا وحضاريا وهي قوة اقتصادية وعسكرية مهمة وليست مجرد جسر بين الغرب والشرق فهي دولة مركزية في المنطقة. كل هذه المعطيات تؤهلها للعب دور إقليمي فاعل وحقيقي.

والمؤسف أن بعض المحللين العرب، يربطون بين الدور الإقليمي التركي الحالي ورفض الاتحاد الأوروبي عضوية تركيا وهذا استنتاج غير صحيح، قد يكون أحد الأسباب التي جعلت تركيا تراجع خياراتها ولكنه ليس السبب المباشر وتركيا قبل أن تتوجه إلى المحيط العربي والإسلامي والإفريقي أولا راجعت نفسها وأداءها وهويتها، وتصالحت مع نفسها ومع تركيتها.

هل هذه نظرة حزب العدالة والتنمية أم الدولة التركية؟

لا شك، في البداية هي تعكس رؤية حركة العدالة والتنمية لكن وهي حركة وطنية متنوعة وليس لها قالب أيديولوجي وحزب العدالة والتنمية مشكل من ثلاثة تيارات رئيسة، الإسلاميين المعتدلين والقوميين المحافظين والعلمانيين الليبراليين وهو يخاطب شريحة واسعة من المجتمع التركي بكل أطيافه، وحكومة العدالة تصوغ سياستها الخارجية على مبدأ التوازن والتعاون مع كل الأطراف وهذا يقود إلى شيء مهم. وأوضح أن مصالحة تركيا مع محيطها العربي والإسلامي ليس مشروعا مستقلا بذاته وليس توجها مستقلا بذاته، وهو عكس ما يحاول البعض تصوره، وكأن تركيا متجهة إلى العالم العربي والإسلامي وهي تترك الغرب. هذا ليس صحيحا هو تحرك في إطار منظومة متكاملة، تقوم على مبدأ التوازن في السياسة الخارجية.

وبالتالي تركيا في الوقت الذي تحافظ على علاقة مميزة مع الاتحاد الأوروبي ومتابعة لمسيرة العضوية فيه وعلاقة مميزة مع أمريكا وإسرائيل. وتفتح آفاقا مع العالم العربي والإسلامي وإفريقيا والصين والهند وغيرها. توجه تركيا إلى المحيط العربي والإسلامي يأتي في هذا الاطار.

لكن لماذا الأولوية لهذه المنطقة؟

لأن ذلك يأتي في صُّلب متطلبات الأمن القومي التركي في الدرجة الأولى ولأن تركيا ترى أمنها القومي مرتبطا كل الارتباط بأمن الدول المجاورة عربية وغير عربية.

فقد سعت تركيا لأن تصوغ سياسة جديدة ورؤية جديدة تبدأ من جيرانها، وأول خطوة هي تصفير المشكلات مع دول الجوار ومع العالم حتى تؤمن نفسها، وهذا ليس بخطاب سياسي وإنما بتفعيل الشراكة. ولذلك العلاقات التركية ـ السورية تجدها نموذجية وأصبحت سورية مفتاح تركيا في المنطقة العربية، وبدأ التعاون يتحول تدريجيا إلى شراكة استراتيجية بكل ما تعنيه الكلمة.

الصياغة الجديدة للسياسة الخارجية التركية بدأت مشروعا لحكومة العدالة والتنمية والآن أصبح خيار دولة ومشروع دولة من خلال عرضه على مجلس الأمن القومي التركي الذي يتشكل من جميع المؤسسات الدستورية ومنها المؤسسة العسكرية.

تركيا تجد وترى دورها الإقليمي الذي تطمح إليه لا يمكن أن يكتمل دون الشراكة مع هذه الأطراف والمصالحة مع جميع الأطراف.

هناك من هو معجب بالنموذج التركي وآخر مشكك فيه ويراه وكيل الإدارة الأمريكية؟

هناك مشكلة حقيقية في التركيبة الثقافية في الساحة العربية، ثقافة التشكيك في كل شيء، دائما الرؤية التآمرية، بأن هناك من يتآمر علينا، قد تكون هذه أحيانا صحيحة إلى حد ما، لقد قرأنا كثيرا من التحليلات عن مشروع العدالة والتنمية وتصفه بأنه مشروع أمريكي وكأن تركيا بالفعل اليوم وكيل الإدارة الأمريكية. بل حتى كلمة الإسلام التركي نفسها، أو النموذج التركي، صورة يعكسها الكتاب على أنها مشروع أمريكي، والجواب أن الدور التركي الإقليمي اليوم أراه يزعج أمريكا وبالطبع إسرائيل وكثيرا من الأطراف الأوروبية.

هل يمكن أن يكون هذا الدور، إذا كان مشروع العدالة والتنمية صناعة أمريكية؟ هل يمكن أن يكون ضدهم أو يتعارض مع مصالحهم على الأقل؟ غير ممكن. أرى أن هناك مبالغة في هذه المسألة.

الإدارة الأمريكية لم تشارك في صياغة هذا المشروع.. ولكنها دون شك أعتقد أنها حاولت وتحاول أن تستثمر هذه المرحلة ولكن كيف؟ هذا الانفتاح التركي على العالم العربي والإسلامي تحاول أن تستثمره. مجرد إدارة تركيا لمنظمة المؤتمر الإسلامي لتفاعلها معه، أعتقد أنها تحاول أن تستثمره بما يخدم مصالحها، وتركيا ترى ما دام هذا الاستثمار لا يتعارض مع مصالح المنطقة وأمنها لا مانع من التعامل معه، وأعطي مثالا أن الإدارة الأمريكية حاولت جر تركيا إلى مواجهة حقيقية مع إيران ولكن تركيا رفضت رفضا قاطعا التصادم مع إيران، وهي تعتبرها جارة وشريكا مهما في المنطقة على الرغم من تحفظها على المشروع النووي الإيراني لأن الصدام المسلح في المنطقة مع إيران ليس الخيار الأمثل، وسيقود المنطقة إلى حرب مدمرة وستكون انعكاساته كبيرة جدا ولا يخدم إلا أمريكا وخياراتها وإسرائيل وأهدافها التوسعية. تركيا إذا كانت وكيلا لأمريكا يفترض أن تتفاعل مع الخيارات الأمريكية في المنطقة، وهذا غير صحيح وهناك مبالغة في هذا الجانب فأمريكا لم تسهم في صياغة مشروع العدالة والتنمية ولكنها تحاول التعاون معه لخدمة مصالحها.

رغم التجاذبات بين القوى السياسية التركية كيف قدر لائتلاف العدالة بناء هذا النهج وهذا المشروع؟

مشروع العدالة والتنمية جاء كحركة إصلاح سياسي اقتصادي واجتماعي، وتركيا والشعب التركي كانوا في حاجة ملحة إلى تلك الإصلاحات أولها التمكين للديمقراطية وحقوق الإنسان وتقليص السيطرة والهيمنة العسكرية على القرار السياسي هذا ما يفسره إصرار تركيا على مشروع العضوية في الاتحاد الأوروبي لأنها تحاول أن تستثمر مسيرة العضوية في الاتحاد الأوروبي لتعميق الإصلاحات السياسية في الداخل واستغلال مشروع ومظلة العضوية لفرض إصلاحاتها السياسية وتمكين الديمقراطية وإبعاد المؤسسة العسكرية عن القرار السياسي.

وأيضا على الجانب الاقتصادي فقد نجحت حكومة العدالة والتنمية في إعادة الثقة للاقتصاد التركي وتجنبت أكثر ما يمكن. الاستدانة من الخارج أو الارتهان المالي رغم أن تركيا دولة غير نفطية وعدد سكانها كبير جدا 75 مليون نسمة إلا أن اقتصادها ضخم وحين تدرك أن تجارتها الخارجية تجاوزت 300 مليار دولار تدرك حقيقة قوة الاقتصاد التركي وبرغم الأزمة العالمية مضافا إليها الالتزامات المالية لمكافحة الإرهاب وحزب العمال الكردستاني إلا أن اقتصادها صامد، والمواطن التركي لماذا يقبل بحكومة العدالة والتنمية اليوم؟ لأنه يشعر أنها الحكومة الوحيدة التي حققت له كثيرا من الاستقرار الاقتصادي والمواطن التركي لا يجد ضيقا في مرتبه ولا في تجارته.

بل مستوى الحياة يرتفع، وهناك استقرار سياسي واقتصادي وهذا يعكس قبولا من معظم الأطراف السياسية النخبوية وعلى الأقل قبولا نسبيا.

لا شك أن هناك معارضة تركية قوية ترفض خيارات الحكومة وتتهمها لكن دور المعارضة طبيعي وهي حالة صحية ويلفت النظر إلى الصفحات الأخرى التي لا يراها أحد وإجمالا القطاع الأكبر من الشعب التركي يدرك أن العدالة والتنمية أكثر نزاهة وشفافية وأكثر إدارة للحالة السياسية والاقتصادية وحققت متانة للاقتصاد التركي وحضورا سياسيا وإقليميا بارزا، وما الذي يريده المواطن التركي أيضا أو بقية الأطراف؟ لذلك من الصعب جدا التحدث عن منافس سياسي في تركيا لحزب العدالة والتنمية.

هل هذا مؤشر على دورة ثالثة في الحكم؟

أعتقد ما لم تحصل مفاجآت معظمها متعلق بالاقتصاد بالدرجة الأولى لأن الاقتصاد أهم العناصر الأساسية في الانتخابات في كل العالم وهذا لا نراه الآن، فإن حكومة العدالة والتنمية مرشحة لدورة ثالثة أعتقد ذلك.

ما الدور العربي في الانتخابات التركية المقبلة؟

البلدان والشعوب العربية يجب أن تكون معنية بتركيا ما دام العدالة والتنمية موجودا وهو الذي بدأ هذا المشروع والعرب مدعوون لدعم هذا التوجه وحمايته وليس دعم حكومة أردوغان أو غيرها أو أية حكومة أخرى أي دعم هذا التوجه وأعتقد أن تفعيل الشراكة السياسية والاقتصادية يدعم هذا التوجه وهناك تساؤلات تركية في هذا المجال ومحتاجة إلى حكومة العدالة والتنمية في هذا الشأن.

ما نوع الاستثمارات العربية المرغوبة؟ وما حجم الدعم السياسي؟

كنا نتمنى دعما عربيا لتركيا في قضية الأرمن الأخيرة، للأسف السياسة العربية لا تستثمر بعض الظروف، تمنينا مساعدة الدول العربية لدور تركيا وتعلن مواقف مساعدة في هذا الباب لدعم التعاون العربي في كثير من الملفات السياسية وليس في قضية الأرمن فقط ،الأمر ليس محبة في الأرمن. إنها قضية يديرها اللوبي الصهيوني في أمريكا من أجل معاقبة تركيا لدورها في القضية الفلسطينية.

الدعم العربي يجب أن يكون سياسيا واقتصاديا فكلما شعر الناخب التركي بهذا الدعم من خلال الشراكة الفعلية وعندما يفوز التنمية والعدالة يفوز المشروع وهنا يكون الدور العربي في الانتخابات التركية وعليه هناك مسؤولية كبيرة للعرب، خصوصا السعودية وهي رقم في المعادلة الانتخابية المقبلة وبما يرجح كفة التقارب العربي ـ التركي بدعم التوجه الطيب للعدالة والتنمية من خلال الدعمين الاقتصادي والسياسي.

الأكثر قراءة