انهيار سوق الأسهم يزيد من مشكلة الفقر
<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>
تسعى الدولة رعاها الله جاهدة في إرساء قواعد أساسية من أجل التعامل مع مشكلة الفقر والقضاء عليها في غضون السنوات المقبلة، وقد بدأ مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لمكافحة الفقر يؤتي ثماره بالرغم من عمره القصير، وبدأنا نرى المساكن الشعبية تنتشر في جميع مناطق المملكة بجهود الدولة، وبمشاركة رجال المال والأعمال. المساعدات الاجتماعية كان لها نصيب من إعادة التنظيم وزيادة الدعم المالي، أما الجمعيات الخيرية فما زالت تقوم بدورها الفاعل في توصيل المعونات للمحتاجين في مناطق وجودها. ونتيجة للحملة الإعلامية المكثفة بدأ المواطنون والمواطنات يتعرفون على التزاماتهم نحو المجتمع ويطورون طرق دفعهم لزكواتهم وتبرعاتهم من أجل تحقيق المنفعة القصوى منها. أهل الخير من المواطنين والمواطنات كان لهم دور مشرف في دعم مشروع مكافحة الفقر، وبدأنا نرى بعض المشاريع الفردية الموجهة لخدمة الفقراء والمحتاجين، بعض هذه المشاريع تتصف بالتخصصية كبناء المستشفيات، وتجهيز وحدات غسيل الكلى ونحوها، وهو تطور في نوعية الدعم وآليته.
وعلى الرغم من كل تلك الجهود المميزة، إلا أن الظروف المحيطة قد تحد من كفاءة تلك المشاريع خصوصا مع استمرار توسع شريحة الفقر والفقراء بسبب الظروف المستجدة. يمكن للظروف المستجدة أيا كانت أن تزيد من شريحة الفقراء وهو ما قد يقلل كفاءة عمليات المكافحة، ويجعل من عملية تحسين أوضاع الفقراء أكثر صعوبة خصوصا مع تفرق مناطق وجودهم وتشعبها.
تأتي قضية انهيار سوق الأسهم في مقدمة الظروف المستجدة التي أصبحت بالفعل تثقل من عمليات مكافحة الفقر وتهدد بخفض نسبة النجاح في علاج المشكلة، بعد أن ساعدت في خلق ظروف جديدة ومستحدثة لم تكن موجودة من قبل. فالمجتمع بأسره، بدأ منذ عامين رحلة الاستثمار في سوق الأسهم حتى بلغت الاستثمارات ذروتها مع بداية شباط (فبراير) من العام الحالي، ومن سوء الطالع أن يكون شهر شباط (فبراير) بداية الانهيار الكبير الذي انهارت معه أحلام ومدخرات المجتمع. تعتبر أسواق الأسهم ثاني أخطر الأسواق المالية على الإطلاق بعد أسواق الخيار Options ويفترض أن يكون الداخلون فيها من أصحاب الخبرة والمعرفة في شؤون الأسهم إضافة إلى تمتعهم بالمقدرة المالية التي تمكنهم من استثمار جزء منها في سوق الأسهم والإبقاء على الجزء الآخر كاحتياطيات نقدية أو استثمارات منخفضة المخاطر. إلا أن وضع الاستثمار في المجتمع السعودي لم يكن يدار بتلك الاحترافية ويرجع السبب في ذلك إلى نقص الثقافة الاستثمارية إضافة إلى رغبة المجتمع الجامحة في تحقيق أكبر استفادة من الطفرة الحالية وهو حق مشروع للجميع. تحول الاستثمار في سوق الأسهم إلى ظاهرة اجتماعية، ففتنة الأسهم تغلغلت في قلوب المواطنين والمواطنات وأصبحت الشغل الشاغل لهم. الطلب المتنامي على الأسهم أدى إلى ارتفاعها وبلوغها مناطق سعري خطرة وهو ما كان ينذر بوقوع كارثة حقيقية في سوق الأسهم. شيء من ذلك لم يحدث لأن قوى الشراء لم تسمح أبدا للأسعار بالانخفاض، ولم تترك السوق لمواجهة مصير الانهيار. توجهت غالبية الرساميل إلى سوق الأسهم، وأصبحت السوق الخيار الأوحد لغالبية المواطنين مما شكل ضغطا على القطاعات الاستثمارية الأخرى. بدأت الأصوات المتضررة في المطالبة بوضع حد لارتفاعات سوق الأسهم متذرعة بالكارثة التي من الممكن أن تحث للمجتمع وللاقتصاد بسبب أحادية الاستثمار، ومذكرة في الوقت نفسه بانهيار السوق. للأسف الشديد فإن الكثير من المتخصصين تبنوا هذه الأفكار ودفعوا نحو تطبيقها، دون تمعن بآثارها التدميرية التي قد تلحقها بالمجتمع. لم يتم التعامل مع تلك المطالبات بحكمة وترو تسمح بإعادة الوضع في سوق الأسهم إلى ما كانت عليه سابقا دون إحداث أضرار عميقة ومتشعبة. كان يمكن إنزال السوق إلى مستويات سعرية مقبولة بطريقة متدرجة لا تسمح بوقوع الكارثة، وتحمي جميع المستثمرين من تحمل الجزء الأكبر من خسارة السوق.
الطريقة العنيفة التي استخدمت من أجل إنزال السوق والمؤشر تؤكد أن القرارات المتخذة لم تدرس من جميع جوانبها السياسية، الاقتصادية، الأمنية، والاجتماعية. حدث الانهيار الذي كان يفترض أن يكون تصحيحا، وبدأت المشاكل تظهر تباعا ما ساعد الآخرين، حينئذ، في اكتشاف عظمها وتشعب آثارها. منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا وسوق الأسهم تستنزف مدخرات المواطنين وتزيد من معاناتهم، خصوصا ذوي الدخل المحدود الذين اقترضوا من البنوك من أجل الاستثمار، فتبخرت استثماراتهم وبقيت لهم الديون.
قضية متشعبة تلك التي خلفتها أزمة سوق الأسهم، ولعل الذين اعتقدوا أن طريق العودة إلى قطاعات الاستثمار الأخرى، كالعقار، والتجارة، والزراعة ونحوه، يبدأ من إبطاء نمو سوق الأسهم اكتشفوا خطأ اعتقادهم، لأن تجار العقار، وخصوصا المساهمات العقارية، إضافة إلى الآخرين قد فقدوا جل أموالهم وأموال المواطنين في سوق الأسهم، لذا فهم لن يستطيعوا العودة لأنشطتهم السابقة لعدم توافر السيولة لديهم. هذه إحدى القضايا المتشعبة ويمكن للقارئ أن يقيس عليه الكثير في القطاعات الأخرى. أما عظم المشكلة الاجتماعية فهي أشد وطأة وأقسى عذابا وأكثر تعقيدا. فيمكن الجزم بأن الطبقة الوسطى من المجتمع تكاد تختفي، وكثير من شاغليها، بعد فقدهم مدخراتهم، نزلوا إلى الطبقة الفقيرة ما أدى إلى زيادة أعداد الطبقة الفقيرة وتشعبها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن كثيرا من الطبقة الفقيرة أصبحت أكثر حاجة وعوزا بسبب الالتزامات المالية التي فرضتها عليهم قروضهم البنكية التي فقدت في دهاليز سوق الأسهم.
هل أصبحت الصورة أكثر وضوحا الآن؟ ما زال هناك الكثير مما لم يكتشف بعد، وما كتبت عنه لا يعدو أن يكون جزءا من تنشيط الذاكرة وفتح الأفق من أجل التوسع في رسم صورة الموقف الخطير الذي يعيشه المجتمع هذه الأيام.
قضية انهيار سوق الأسهم لم تكن بداية لتصحيح وضع السوق المتضخم كما يعتقد البعض، بل هي بداية لمشاكل اجتماعية خطيرة بدأت في الظهور تباعا و ستتعاظم في الأعوام القادمة لأنها ضربت الجذور والمكونات الأساسية للمجتمع. أيضا لا يمكن أن يفرح هؤلاء بإمكانية عودة الروح إلى القطاعات الاستثمارية الأخرى بعد سقوط سوق الأسهم، لأن وقود الاستثمار قد نفذ واحترق في دهاليز سوق الأسهم. وأصبح الكثير مدينون للبنوك دون أن تكون لهم مصادر للسداد.
عودا على بدء، يمكن الجزم بأن كارثة سوق الأسهم أدت إلى زيادة شريحة الفقراء والمعوزين، وأصبحت بالفعل تمثل قوة ضاغطة على مشاريع مكافحة الفقر وتنبئ بكوارث اجتماعية خطيرة لا يعلمها إلا الله. وما لم تحل قضية انهيار سوق الأسهم من خلال دعمها وإعادة الثقة لها وانتشالها من المستنقع الذي زجت فيه، فإن المجتمع بأسره مهدد بالانهيار. المشاكل الاجتماعية وتبعاتها لا يمكن أن يظهر منها إلا القليل في الوقت الحالي، أما التبعات القاسية والمدمرة فهي التي يمكن أن تكشف عنها الأشهر والأعوام المقبلة. فهل استشعر الجميع عظم المصيبة التي يعيشها المجتمع، وما قد يتعرض له مستقبلا؟ نسأل الله السلامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.