الحرس الثوري.. «فيلق القدس» ومسرحة العمليات في العراق والخليج العربي

يستخدم النظام الإيراني منذ نشأته الحرس الثوري كقوة ضاربة لبسط هيمنته في المنطقة عبر ذراعه المسلح (فيلق القدس) والحفاظ على ديمومة النظام في الداخل من خلال القوات المنضوية تحت إشرافه (قوات التعبئة) وتقوم استراتيجية الحرس في التوفيق بين الداخل والخارج (الديكتاتورية الدينية الداخلية وتصدير الثورة بدعم الإرهاب الدولي)، من هذا المنطلق يجب أن نستبعد مطلقاً فكرة أننا نواجه الحرس الثوري على أنه مجرد منظمة أو مجموعة نظامية أو شبه نظامية منضبطة بل على النقيض من ذلك لأن الحرس الثوري عبارة عن نخبة النظام الإيراني التي تتحكم بإدارة البلاد؛ اقتصاديا وسياسياً وأمنياً وتوجه سياساته دولياً.
فالمهمة الرئيسة الملقاة على عاتق الحرس إضافة إلى ما ذكر أعلاه هي الحفاظ على النظام أمام المخاطر التي تتهدده من الخارج والداخل وخاصة محيطه الإقليمي، فجعل نصب أعينه التدخل في الدول العربية الخليجية والعراق لاعتبارات منها أن الحرس يدرك أهمية هذه الدول وكذلك نظرته التوسعية لهذه الدول على أنها حديقة خلفية له.
نبذة خاطفة عن الحرس
يتشكل الحرس الثوري حسب الإحصائيات من 500 ألف مجند ومجندة ويتكون من مراتب نظامية حسب التسلسل العسكري المعروف، حيث يتم انتخابهم من قبل ولي الفقيه بصورة مباشرة، فالحرس الثوري يتألف من خمس قوات هي الجوية والبحرية والبرية والباسيج وفيلق القدس.
تشرف القوات البرية على جميع العمليات والشؤون العسكرية المهمة ولديها معسكرات تدريب في جميع المدن والمحافظات، كما تدرب ذلك الجزء من القوات البرية التابعة لفيلق القدس ذات الطبيعة البرية منها في دول مثل العراق ولبنان، وكما نشر أخيرا معسكراً في مدينة السماوة العراقية وأكدته المعارضة الإيرانية في الخارج.
ففي طهران تمتلك القوات البرية التابعة للحرس فيلقين هما سيد الشهداء وفيلق 27 محمد رسول الله، ولدى كليهما فروع في المحافظات والمهام الموكلة لها قمع الاحتجاجات الشعبية في المدن والمحافظات. يشبه التكوين التشكيلي للحرس الثوري إلى حد ما هيئة وزارة الخارجية في إيران، حيث لديه فروع عدة في مختلف البلدان ممثلين الحرس مجموعة من الضباط في الخارج ويقيمون في السفارات الإيرانية في الخارج وتحت عناوين مختلفة.
قام الحرس بتشييد أربعة مقرات في الحدود الإيرانية مع العراق وأفغانستان وتركيا وباكستان وذلك لغرض التدخل في الجانب الآخر للحدود لتنفيذ عمليات إرهابية ومطاردة المعارضين في أربع محافظات تقطنها شعوب غير فارسية مثل ''العرب والبلوش والكرد والترك'' المقرات الأربعة المذكورة هي كالآتي:
1- مقر رمضان (الفيلق الواحد في الحرس): يقوم هذا المقر بعمليات استخبارية في الأراضي العراقية ويتركز نشاطه في مدينة السماوة جنوب العراق وإقليم الأحواز لقمع التحركات للعرب وإن مكتبه الرئيس في طهران.
2- مقر الرسول الأكرم (الفيلق الثاني): يقوم هذا المقر بالقيام بعمليات تهريب المخدرات في منطقة بلوشستان ويتدخل في باكستان ومكتبه الرئيس في زاهدان.
3- مقر حمزة (الفيلق الثالث): مقره في أورومية شمال غرب إيران ويغطي كردستان وتركيا ولديه علاقات مع بعض الأكراد ويقوم بعمليات قمع التحركات الكردية في الداخل.
4- مقر أنصار (الفيلق الرابع): مقره في مشهد ومهمته العلاقة مع أعضاء من تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان وتقديم الدعم اللوجستي لهم.
مقرات فيلق القدس التابع للحرس الثوري
هناك وحدات دولية في فيلق القدس للتدخل في شؤون الدول المختلفة مثل العراق ولبنان وأفغانستان وسورية ووحدات شؤون الشرق الأوسط ووحدات شؤون إفريقيا والدول الإفريقية. تقوم هذه الوحدات بتجميع المعلومات الاستخبارية في الدول المختلفة وتعمل على الاتصال بقوى راديكالية وإرهابية في مختلف الدول، كما يقوم فيلق القدس بعمليات تدريب عسكرية. يقوم فليق القدس التابع للحرس الثوري بالتدخل في شؤون العراق والخليج العربي عبر تدريب وتنظيم جماعات مدربة على العمل الاستخباري والإرهابي والسياسي وحتى الاجتماعي فمن بين الوحدات التي تتدخل في شؤون الدول العربية في الخليج انطلاقا من العراق هي (حزب الله، ثار الله، سيد الشهداء، التجمع الإسلامي، و...). ترشيد ودعم كامل للأحزاب الموالية انطلاقا من العراق عبر مقر رمضان الكائن جنوب العراق والذي يقوم بتوجيه معنوي للأحزاب العراقية للتمدد نحو الخليج العربي، فالأحزاب العراقية المدعومة من العراق هي (منظمة بدر، جماعة الصدر، حزب الدعوة و...). ويقوم فيلق القدس إضافة إلى ما ذكر من دعم للأحزاب الموالية لتنفيذ مخططاته بدعم وتنسيق مستمر سواء كان مباشراً أو غير مباشر للحركات العراقية الإرهابية مثل أنصار الإسلام وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وذلك لاستمرار الاضطرابات والتوتر الأمني في العراق خلال دعم لوجستي ومواقع تدريب ونقل مبالغ مالية وتزويد بالسلاح والعتاد للجماعات الموالية. كما يسعى فيلق القدس التغلغل في مواقع حكومية حساسة مثل القوى الأمنية والشرطة وحتى الجيش العراقي عبر زرع عناصر موالية له في هذا البلد ليتحول منطلقاً جيوستراتيجي للحرس نحو الخليج العربي.
علاوة على ذلك يقوم فيلق القدس بإدارة شبكة ثقافية في العراق تسمى ''مقرمبين الثقافي''، حيث يقوم هذا المقر بإقامة معارض للكتاب وتدشين محطات إذاعية وتلفزيونية. إضافة على ذلك تمكن فيلق القدس من النفوذ بين وجهاء وشيوخ العشائر من أجل قيادة التجمعات التعبوية والجماهيرية ضد قوات التحالف في العراق والقوى الإيرانية المعارضة في هذا البلد. كما يسعى فيلق القدس في العراق لتدشين مقر ''كوثر'' وشركات نقل وجمعيات تجارية ولجنة إغاثة الإمام خميني ومنظمات خيرية أخرى كلها ترمي إلى بسط النفوذ في العراق ليتحول قادة لفيلق القدس نحو الخليج العربي برمته وتقوم مؤسسات إعلامية تابعة لفيلق القدس في العراق السيطرة على جميع النشاطات الإعلامية في العراق والتعرف على جميع الصحافيين وتجميع المعلومات عن الناشطين الإعلاميين أصحاب التوجه المناوئ للنظام الإيراني في الخليج.
يعلم مقر رمضان التابع لفيلق القدس في أقاليم إيرانية مجاورة مثل الأحواز وكردستان تحت أسماء مثل ''رعد، نصر، ظفر وفجر''، حيث يتدخل الفيلق في العراق بواسطة هذه المقرات بعمل يشبه إلى حد كبير التمدد الأخطبوطي لينقل المتدربين بين هذه الأقاليم والعراق من ثم يرسلهم نحو دول الخليج للقيام بالمهام المنوطة بهم سواء كانت هذه المهام سياسية أو اقتصادية أو استخباراتية.
كما هو الحال بالنسبة للبنان الذي تحول إلى محطة رئيسة بعد العراق لنشاطات الحرس الثوري وفيلق القدس على وجه التحديد، حيث يتعامل الفيلق مع عناصر موالية له في لبنان بمساعدة حزب الله من ثم يوفد المتأهلين في التدريبات الاستخبارية هناك نحو دول الخليج عامة والسعودية والكويت والبحرين بشكل خاص. حيث يتدرب الآلاف من العناصر في لبنان تحت إشراف فيلق القدس تقوم بربط لبنان بسورية عبر جسر استخباري يمهده للفيلق عناصر من حزب الله اللبناني.
طبيعة تدخل فيلق القدس
تختلف طبيعة تدخل الحرس الثوري بتياراته المتعددة وعلى رأسها فيلق القدس بين بلد وآخر حيث على سبيل المثال يقوم فيلق القدس باستخدام أراضي الدول المجاورة لتدشين مقرات ومعسكرات خاصة طبقاً لنفوذه في البلد المجاور، حيث يتعامل كل فيلق مع الدولة المنوطة به لتنفيذ المهام، فعلى سبيل المثال يقوم الفيلق السابع في إدارة شؤون ملف سورية ويغطي لبنان كذلك، ويستخدم فيلق القدس مؤسسات تابعة للتغطية على نشاطه ومن المرجح يستعمل القنصليات والسفارات الإيرانية في الدول المختلفة من أجل الغرض نفسه. من الناحية المالية يقوم فيلق القدس باستخدام مكاتب الصرافة لتحويل مبالغ مالية لأتباعه ومواليه، كما يقوم باستخدام مؤسسات خيرية تابعة له مثل لجنة إغاثة الإمام الخميني ومنظمة الصليب الأحمر في الدول التي يتواجد فيها فروع تابعة له تحت هذا الغطاء. ويقال أن فيلق القدس يستولي على عوائد مالية ضخمة في الاقتصاد الإيراني لغرض تنفيذ مخططات توسعية في الدول العربية، حيث لا توجد رقابة على نشاطاته هذه من قبل البرلمان الإيراني أو بقية المؤسسات الإيرانية الحكومية سوى الحرس الثوري نفسه. حيث يقدر التدخل في العراق من قبل فيلق القدس نحو ملياران إلى ثلاثة مليارات دولار، وفي لبنان يقدر بمليار دولار. ويستولي على 30 في المائة من عوائد النفط والغاز الإيرانية وذلك لأن الشركات المنفذة لمشاريع الغاز والنفط هي أساساً شركات تابعة للحرس الثوري وفيلق القدس مثل مشاريع مقر خاتم الأنبياء الذي تقدر المبالغ التي تنفق في هذا الإطار نحو سبعة مليارات دولار، وتشير التقارير إلى أن الشركات التابعة للحرس في الدول العربية في الخليج العربي على سبيل المثال مثل دبي تقدر بنحو 438 شركة اقتصادية تدر أرباحاً على فيلق القدس من ناحية وتخدم مشاريعه التوسعية في الدول العربية المجاورة على أجمل صورة من ناحية أخرى.
بعض الشركات التابعة لفيلق القدس
1. شركة رزمندجان. 2. شركة رزمجو. 3. مؤسسة كوثران. 4. الشركة الوطنية للبناء ''ملي ساختمان''. 5.شركة تأمين الحرس''بنياد تعاون سپاه''. 6. شركة ''قرب بسيج سباه'' تنفذ مشاريع بناء السدود. 7. مقرات إعمار ''قرب'' في القوات البحرية، الجوية والبرية التابعة للحرس. 8. مؤسسه تأمين أقلام كه رئيس آن پاسدار بخشي نام دارد. أين مؤسسه زير نظر بنياد تعاون سپاه پاسداران است وآدرسش در تهران كريمخان، خيابان خردمند جنوبي، پلاك 34 است.
9. شركة ''جوان سير إيثار'' للنقل تنشط في النقل بين العراق وسورية. 10. مؤسسة مسكن. 11. شركة كوشا قدرت. 12. شركة تجارة وتوسعة إيرانيان. 13. شركة نجار نصر. 14. شركة مجموعة بهمن الصناعية (مزدا). 15. شركة نقل شهريار التابعة لمقر رمضان تنشط في كردستان العراق. 16. شركة أطلس تابعة لمؤسسة الشهيد. 17. شركة أطلس للنقل البحري 18. شركات مشاريع بتروكيمياوية: سازه‌خاور، توسعه شبكة ‌هاي صنعتي، محورسازان، تراكم، اكسين صنعت، رامشير، جهاد توسعه، ضحي، صنعت، سديد، جهان صنعت، تتروتكسان. 19. متاجركوثر. 20. مؤسسة قرض‌ الحسنة بسيجيان. 21. مؤسسة قرض‌ الحسنة أنصار‌المجاهدين. 22. شركة أورينتال في كيش.
مقرات فيلق القدس في المناطق العراقية
1- مقرات في كركوك والسليمانية والموصل بقيادة محمد مهدي بياتي. 2- مقر في محافظة ديالى بقيادة ''أبوذر خالصي واسمه الحقيقي ''حمود السعدي''. 3- مقر الفيلق في السماوة بقيادة ''أبو أحمد رميسي''. 4- مقر البصرة بقيادة ''أبو أحمد راشد''. 5- مقر النجف ''حاج أبو علي نجفي''. 6- مقر الناصرية بقيادة ''أبو نور حسيني''. 7- مقرات الكوت بقيادة ''حسين محبوبة الهادي'' الملقب بـ ''أبو علي الواسطي''. 8- مقرات العمارة بقيادة ''أبو ماجد البصري''. 9- مقرات محافظة بابل بقيادة فاضل الياسري. 10- مقرات كربلاء بقيادة إسماعيل نجار خليل. 11- مقرات بغداد بقيادة أبو مصطفى الشيباني.
قيادة فيلق القدس
يتلقى اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي يدير شؤون العراق أوامره مباشرة من المرشد علي خامنئي ويقدم تقاريره إليه بصورة مباشرة ويدير قاسم سليماني شؤون العراق الداخلية بواسطة أحزاب موالية مثل المجلس الأعلى الشيعي وذراعه فيلق بدر يشكل تيار فيلق القدس في العراق. ويعتبر كل سفير إيراني في العراق ممثلاً لفيلق القدس ويقوم بتنفيذ أوامر الفيلق مباشرة وذلك بتخويل من خامنئي نفسه للحرس وذراعه الخارجي فيلق القدس بهذا الأمر.
يقوم اللواء ''أبطحي'' أحد القيادات في القدامى في الحرس الثوري في لبنان ويتولى الآن في العراق قيادة شبكات الاغتيالات ويحظى بعلاقة وطيدة مع القيادات في حزب الله اللبناني ويتولى في العراق قيادة القسم الثقافي في فيلق القدس مقر''مبين'' ومهامه بناء علاقات مع عناصر عراقية. كما أنّ أحد قيادات الحرس في الذي كان ينشط في الكويت وهو جمال إبراهيمي ملقب بـ ''مهندس مهدي''، وكان إبراهيمي يطارد من قبل الإنتربول بسبب علاقته بتفجير السفارات وهو من القيادات العليا في الحرس الثوري، وكان يمثل الآن محافظة بابل في البرلمان العراقي من قائمة الائتلاف الشيعي في بداية احتلال العراق، ولكن بعد ذلك تمت مطاردته من قبل قوات التحالف بسبب علاقته بالإرهاب وظل يدير ''التجمع الإسلامي'' في العراق بصورة سرية ويأتمر بشكل مباشر بأوامر قاسم سليماني ويدير الآن عناصر حزب الله العراقي.
بناء على كل ما ذكر فإن الحرس الثوري وذراعه الرئيس المتمثل بفيلق القدس يشكل الخطر الرئيس على دول الخليج والدول العربية برمتها بسبب العلاقات الإرهابية المشبوهة لهذه الجماعة ومخططاتها التي تصب في إطار المصلحة العليا للنظام الإيراني ناهيك عن دورها بنسف المجتمعات العربية عبر تهريب المخدرات ودعمها لجماعات متطرفة في الدول العربية من هنا فإن فيلق القدس خطر يدهم الدول العربية والخليجية على وجه التحديد وليست بعبعاً كما يريد البعض الترويج لمثل هذه النظرية للتقليل من أهمية الحرس التخريبي في العالم العربي خدمة للأجندة الإيرانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي