المعاني السامية في نجاح البطولات العربية
حققت البطولات السنية التي أقامها الاتحاد العربي لكرة القدم خلال تموز (يوليو) الماضي نجاحات باهرة وكبيرة، حيث استضافت مدينة الرباط في المغرب بطولة ناجحة للشباب لمواليد 1993، واستضافة مدينة جدة بطولة مثالية في نجاحها للناشئين مواليد 1996، وهذا النجاح لهو البداية المبشرة بكل الخير للكرة العربية لنشاطات الاتحاد العربي التي افتتح بها برنامجه بعد غيبة بسبب ظروف متعددة، ويحمل هذا النجاح مضامين كثيرة ومعاني سامية، وواحد من أهم أسباب النجاح هو الاهتمام غير العادي من الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبد العزيز، رئيس الاتحاد العربي، الذي ظل في متابعة يومية موجها بتذليل جميع العقبات من أجل إنجاح هذه البطولات تحقيقا لأهدافها الرئيسة المتمثلة في صقل وتطوير المواهب الكروية العربية والتي ستسهم كثيرا في تطوير قاعدة الكرة في الوطن العربي، من خلال إكساب اللاعبين الناشئين والشبان الخبرة الفنية وإعدادهم بطريقة علمية تساعد في تأسيس قاعدتهم الأساسية تساعدهم خلال مسيرتهم الرياضية في الملاعب، والاهتمام المتزايد من السادة أعضاء اللجنة التنفيذية ولجنة المسابقات واللجان المعاونة، وكذلك اللجان المنظمة للبطولتين التي بذلك جهدا خرافيا لتحقيق هذا النجاح.
إن اهتمام الاتحاد العربي لكرة القدم بهذه الفئات، ووضع برنامج متواصل ومنتظم نابع من قناعة راسخة بأن هذه الفئات هي الأساس المتين الذي يحقق التطور المنشود لكرة القدم العربية وأن الهدف الأساسي للبطولة هو التواصل العربي وتبادل التجارب والخبرات وتأسيس نشاط رياضي لقطاع البراعم والناشئين والشباب؛ لأنهم الأساس والنواة لتطور كرة القدم العربية وهذا الاهتمام يهدف إلى تأسيس قاعدة من النشء في كرة القدم، ومن أجل بناء أجيال مستقبلية ذات مستوى متكامل ومتوازن لعناصر اللعبة بإعدادهم إعدادا بكامل العناصر الخاصة بإعداد لاعبي كرة القدم من تطوير الأداء المهاري والفني والخططي والنفسي والسلوكي، وفق مفاهيم متطورة من أجل تمكين اللاعبين في هذه الأعمار من الدخول في جو الأمور الاحترافية منذ وقت مبكر، فهذا النشاط يعلّم اللاعبين في هذه الأعمار الأمور الانضباطية فيما يخص الالتزام بمواقيت التدريبات والنوم والأكل واتباع برامج تغذية تواكب الجهد الذي يبذله في التدريبات والمباريات الرسمية، بجانب اكتساب الخبرة في الأداء عبر مباريات هذه البطولات والاحتكاك بمدارس مختلفة في إفريقيا وفي آسيا، بل تساعد على دخول اللاعب في جو المباريات الرسمية التي لا تتوافر له كثيرا في بلاده، وتتيح للأجهزة الإدارية والفنية الوقوف على مستويات اللاعبين عبر المنافسات الرسمية وتمنحهم الفرصة لاكتساب الخبرة التي تساعد في إزالة رهبة المباريات والتعامل مع الظروف التي تمر عبر هذه المنافسات وبروز المواهب الحقيقية التي ربما لا تبرز من خلال التدريبات العادية، وقد أفرزت بطولتي الناشئين والشباب مواهب تمنح الأمان والاطمئنان بأن مستقبل الكرة العربية سيكون له شأن كبير إن وجد هؤلاء الأبطال العناية والرعاية والاهتمام من جميع الجهات ذات الاختصاص.
ومن أهم الأهداف ذات المعاني السامية أن هذه البطولات تسهم في إعداد المنتخبات العربية للمنافسات القارية والدولية إعدادا قويا يتمثل في مباريات تنافسية تشابه تلك المنافسات التي ستشارك فيها هذه المنتخبات بل أقوى منها؛ لأن المنتخبات العربية المشاركة تجد الاحتكاك عبر منافسة منتخبات في قارة آسيا تعتمد على الموهبة والسرعة والمهارة الفردية، مع منتخبات من إفريقيا تعتمد على القوة الجسمانية والاحتكاك القوي واللعب الذي يعتمد على اللياقة البدنية، وبذلك يتم صقل اللاعب وتعويده على اللعب في كل الظروف بجانب رفع معدل اللياقة البدنية والخططية لديه؛ لأن المدربين يجدون أنفسهم مجبرين على تطبيق أكثر من خطة حسب مجريات أحداث المباريات وما تفرزه من تغيرات في أوضاع اللعب، وهذا ما حدث في البطولتين في الرباط وفي جدة.
من أجمل المعاني السامية التي طغت على البطولتين ذلك التمازج الروحي الذي حدث بين أبناء الأمة العربية فنشأت الصداقات والتقت القلوب في تسامح وتكامل وتعارف بحب يجسد كل معاني الوفاء والإخلاص بين أبناء هذه الأمة، ولو عرف الساسة بهذه الميزة لما ترددوا أن يقيموا المئات من مثل هذه البطولات، وفي حفل تكريم الوفود بجدة وعلى أنغام المزمار السعودي تشابكت الأيدي العراقية بالسودانية بالسورية بالمغربية بالجزائرية ورقص الجميع رقصة الإخاء والمودة والمحبة بأريحية ونفوس طيبة لا تعرف سوى المرح والحب، فكان ذلك تجسيدا لكل أهداف الاتحاد العربي التي يسعي لها وكان قمة التمازج الروحي والنفسي الذي طغى على كل الأجواء، وتمنى الجميع بألا تنتهي هذه اللحظات، لكنها انتهت بوعد الاتحاد العربي بتكرارها باستمرار هذه البطولات.
لم يكن التمازج قاصرا على اللاعبين في البطولتين فقط، بل كان لقاء تفاكر وتشاور وتحاور بين الإداريين والمدربين لهذه المنتخبات، والاجتماعات الفنية التي جرت أظهرت حقيقة التفاهم والتعاون بين الجميع لإنجاح البطولة فكانت الأفكار والحوارات الهادفة التي ترمى لإنجاح هذه البطولات، بل في المؤتمرات الصحافية أكد جميع المدربين أن هذه البطولات أسهمت في تطوير النواحي البدنية والفنية لمنتخباتهم، وأكدوا أنهم استفادوا من خطط وأساليب اللعب التي شاهدوها في تلك المباريات.
لم يكن ذلك التمازج قاصرا على اللاعبين أو الإداريين أو المدربين، بل طال ذلك الحكام، خاصة أنهم من مجموعة الحكام الشباب من مختلف الدول العربية الذين حصلوا على الشهادة الدولية في التحكيم فكانت اللقاءات، التي يقودها خبراء في التحكيم مثل المصري جمال غندور والسعودي عمر المهنا والعراقي طارق أحمد، عبارة عن ندوات ومحاضرات استطاع كل الحكام أن يستفيدوا منها بصورة مثالية، أكثر من ذلك تلك العلاقات الحميمة التي نشأت بين الحكام والتي ظهرت جليا في ترابطهم وتعاضدهم وتوجيههم لبعضهم بعضا، بل ما أجمل تلك الجلسات المرحة التي كانت تروح عنهم من عناء جهد التمارين والمحاضرات والمباريات، كل ذلك أعطى للحكام كرتا أخضر يجسد كل المعاني الجميلة في العمل الجماعي ولقاء الأحبة والصداقة العامرة بكل الحب من أجل هذا الوطن العربي.
أروع ما في هذه المعاني أن نجاح هاتين البطولتين أخرس الكثير من الأصوات المبحوحة التي كانت تشكك في عودة الاتحاد العربي، ولكن العودة القوية أذهلت الجميع، وهذا ليس بغريب ففترة التوقف الفائتة ما هي إلا استراحة محارب عاد وهو يحمل كل أنواع الأسلحة التنفيذية والفنية وغيرها، فالاتحاد العربي ذاخر بالعقول الجبارة النيرة التي تتمتع بميزات ومواهب كثيرة تقود العمل الإداري الرياضي في المؤسسات الرياضية المحلية والقارية والدولية والذين تمتلكهم روح الإصرار والعزيمة والنية الصافية من أجل تطوير كرة القدم العربية عبر الاتحاد العربي، الذي قال عنه الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - أن الاتحاد العربي وجد ليبقي ويبقى ليستمر ويستمر ليتطور، وهكذا قاد هذا الشبل من ذاك الأسد مسيرة جديدة في تاريخ هذا الصرح بدأت بالعناية والرعاية بالفئات العمرية، وستسهم في تطوير الكبار عبر كأس العرب للمنتخبات والأندية العربية عبر بطولة الاتحاد العربي للأندية والمدربين والحكام وبطولات الشاطئية والصالات، وعلى الجميع الالتفاف حول الاتحاد العربي والاستفادة من هذه البرامج التي وضعت من أجل إعداد المنتخبات العربية للمنافسات القارية والدولية، والدول التي تتعالى على المشاركة في هذه البطولات لهي خاسرة بلا أدنى شك، فهنيئا للجميع بهذا النجاح مع الدعوات بتحقيق نجاحات أكبر.. تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.