موقف القيادة.. شرف لكل السعوديين
كم هو مفرح ومثلج للصدور أن يكون القرار السياسي حول أي قضية داخلية أو خارجية شجاعًا ومنطقيًّا، ففي أحد أيام رمضان الماضي جاءني استشاري في المستشفى ليشكرني على قرار خادم الحرمين الشريفين بسحب السفير السعودي في دمشق احتجاجًا على حمامات الدماء ضد المتظاهرين العزل. وكانت الفرحة المهدئة لروع الأحداث وتقاعس المجتمع الدولي في نصرة الشعب السوري هي ارتجال الملك ـــ حفظه الله ـــ كلمة أمام حضور الجنادرية، ليعلن فيها موقف السعودية من الفيتو الروسي ـــ الصيني ضد المبادرة العربية، فقد كان كعادته مقلاًّ، ولكنه صادق ومتحسر على تآمر وتقاعس المجتمع الدولي عن وقف نزيف الدم في سورية. وكانت خلاصة كلامه المختصر: ''إننا في أيام مخيفة وثقة العالم بهيئة الأمم قد اهتزت، وألا يحكم العالم إلا العقل''. هذه الكلمات الصادقة هي رسالة غير مباشرة للروس والصينيين، وبعد أقل من أسبوعين هاتفه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف ليشرح له الموقف الروسي تجاه الوضع في سورية، ولكن رد الملك عبد الله يعد أيضًا موقفًا تاريخيًّا ومشرفًا لهذا البلد وأهله، حيث كان جوابه: إن المملكة لا يمكن أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه الأحداث الجارية في سورية، وأن أي حوار حول ما يجري لا يجدي، فهذه الكلمات كانت وحسب المعارضة السورية موقفًا مشرفًا لن ينساه الشعب السوري للسعودية. وتستمر المواقف المشرفة في مؤتمر أصدقاء سورية الذي عقد في تونس، حيث كان موقف القيادة السعودية مشرفًا على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، فقد شدد على أنه لم يعد هناك حل في سورية إلا بنقل السلطة طوعًا أو كرهًا، وأن التركيز على المساعدات الإنسانية لا يكفي، فالنظام السوري قد فَقَدَ شرعيته، هذا الموقف يمثل رأي غالبية الشعب السوري الذي أتعبه الحكم الطائفي المتحزب. حيث وصف عضو ائتلاف التيار الوطني السوري سلام الشواف، كلمة الأمير سعود الفيصل بالتاريخية، وأنها وضعت الأمور في نصابها الحقيقي وبمسمياتها بعيدًا عن المراوغة والحسابات السياسية، كما قال عضو مجلس الشعب السوري المهندس عماد غليون: إن كلمة الأمير سعود الفيصل أثلجت صدورنا، وجددت الأمل في أن هناك من هو صاحب ضمير ويدافع عن الشعب السوري، مشيرًا إلى أن هذه الكلمة ليست مستغربة على الأمير سعود الفيصل، موضحًا أن الأمير سعود كان ''لسان كل الشعب السوري الذي يدعو إلى إسقاط نظام بشار''، وهو ما جاء في كلمته ''على الرئيس السوري أن يتنحى طوعًا أو كرهًا''. وقال أحدهم كلمة موجزة: ''إن السعودية أنقذتنا من المواقف المترددة''.
ونظرًا للدعم اللوجستي والعسكري المباشر من إيران وحلفائها من الأحزاب الطائفية في العراق ولبنان لمساعدة قوات بشار على سحق إرادة الشعب السوري، ألا يحق لهذا الشعب أن يدعم لوجستيًّا حتى يدافع عن نفسه؟ فبعد اجتماع مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كيلنتون صرح سموه ردًّا على سؤال أحد الصحفيين: ''إن فكرة تسليح المعارضة السورية فكرة ممتازة''، وكان تعليق أحد المعارضين لنظام بشار قال فيه إن موقف المملكة متقدم حتى على المجلس الوطني السوري.
هذه المواقف المشرفة من القيادة السعودية محل تقدير وإعجاب جميع الشعوب العربية والإسلامية الذين آلمهم ما يجري في سورية من مذابح بدعم وتأييد من قوى خارجية ضد شعب أعزل. ومن الجدير بالذكر أن هذه المواقف الواضحة غير المؤدلجة ليست بغريبة على قيادة هذا البلد، فقد كانت المملكة وراء هزيمة إسرائيل في حرب تشرين 1973.