لماذا نغير دوام رمضان ..؟

<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>

تابعت على قناة "الإخبارية" جزءا من استقصاء للرأي أجري مع عدد من الناس يمثلون كل الشرائح الاجتماعية حول الدوام في شهر رمضان المبارك، أعاده الله على الجميع باليمن والبركات، ولاحظت أن هناك قلة منهم أيدت إبقاء ساعات الدوام على ما هي عليه قبل شهر رمضان وبعده، أي من الساعة السابعة والثامنة صباحا إلى ما بعد الظهر، أما الأغلبية فقد كانت تطالب بتغيير وقت الدوام وتأخيره في رمضان، واقترح كثير منهم مواعيد مختلفة كان أغربها مطالبة أحدهم بأن يبدأ الدوام عند الساعة السابعة فجرا وحتى الساعة التاسعة صباحا، وجميع من طالب بالتغيير يعيدون السبب إلى أنهم يسهرون ليالي رمضان إلى ما بعد صلاة الفجر, وهو ما يثقل عليهم ويجعلهم غير قادرين على العمل بعد ساعات نوم قليلة وسهر طويل.
وأنا أستمع لآراء أناس حول هذا الموضوع تساءلت لماذا لا نفكر بدلا من تغيير ساعات الدوام في شهر رمضان المبارك في أن نغير ونعدل من عاداتنا الرمضانية السلبية والمتمثلة في تحويل نهاره إلى نوم وسبات وخمول، وليله إلى سهر ونشاط وحركة لا تهدأ، فنحن في هذا الشهر الكريم نعكس حركة حياتنا العادية 180 درجة كاملة.
حقيقة الأمر أن إشكالية الدوام في رمضان قد لا تكون موجودة إلا لدينا دون سائر البلاد الإسلامية، والتي يعامل فيها شهر رمضان الكريم من ناحية الدوام والعمل كما تعامل بقية الأشهر الأخرى. وهذه سلبية لا بد أن تناقش وتصحح كثير من العادات الحياتية الخاطئة، المتمثلة في عادة سهر ليله بطوله، فشهر رمضان المبارك لم يعرف في التاريخ الإسلامي بأنه شهر السبات والخمول وانخفاض الأداء والشعور بالكسل، فالصيام عن الأكل والشرب بحد ذاته ليس مدعاة لذلك كله، فأشهر المعارك والغزوات الإسلامية حدثت في شهر رمضان الكريم، ومن خيرات الصيام وشهره الكريم أنه يمد الجسم والروح بالقوة والنشاط وليس العكس، ولكننا وبكل أسف غرسنا في عقولنا أن الصيام يعطل قدراتنا ويضعف من الأداء، بحيث بتنا نطالب بدوام مختلف فيه عن بقية الأشهر الأخرى.
الإشكالية الكبرى في شهر رمضان المبارك هي في السهر طوال ليله وحتى ساعات الفجر الأولى، وكأن من شروطه هذا السهر الذي دأب عليه الصغير والكبير، وهذا ليس صحيحا، فالسهر عادة درجنا عليها وتعمقت فينا في خلقنا نحن هذه الإشكالية غير الموجودة عند غيرنا، ويا ليت سهرنا يصرف في أوجه العبادة المختلفة من قراءة القرآن الكريم وقيام الليل، بل نصرفه في لهو لا علاقة له به، فهناك من يقضيه في ملاحقة القنوات الفضائية بما يبثه معظمها من غث وتسطيح فكري والتي أسهمت هي أيضا في تخصيص برامج ومسلسلات خاصة بشهر رمضان في تشجيعنا على السهر أمام الشاشات، وهناك من لا تحلو له ممارسة الرياضة إلا في لياليه وينصرفون عنها في غيرها.
على خلفية ذلك كله لا أعتقد أن هناك سببا يدعونا إلى أن نغير دوامنا في رمضان بقدر ما نحن بحاجة لأن نبدل عادة السهر غير اللازمة. صحيح وأتفق مع من يقول إن لشهر رمضان الكريم خصوصية مختلفة عن غيره من الشهور، ولكن هذه الخصوصية خصوصية إيمانية بحتة ولا علاقة لها بتغير نمط حياتنا، فالامتناع عن الأكل والشرب لا يعيق قدرتنا على العمل، فالسحور يضمن إمداد أجسامنا بالطاقة اللازمة التي تساعدنا على أن نعمل ساعات الدوام العادية بالنشاط والهمة نفسهما، وإن كان هناك شيء من المعاناة فهي جزء من الأجر الذي نأمله ونرجوه، إن نحن تحملناها وكابدناها، ولكن المسألة ليست مسألة جوع وعطش، بل نصب وإرهاق ليسا مطلوبين منا بسبب إصرارنا على تحويل ليل رمضان إلى نهار ونهاره إلى ليل.
إذا أردنا فعلا ألا نكون مضطرين لتغيير نظام حياتنا في رمضان بما ليس له صلة بأجوائه الروحانية، ونجعلها تسير على ما هي عليه في بقية الشهور، فإنه يتطلب أن نعيد التفكير في المفاهيم الحياتية التي تطرأ على حياتنا الرمضانية والتي هي عادة وليست فرصة، فهذه العادة, وأقصد بها طول السهر في شهر رمضان المبارك, هي السبب في خمولنا وقلة العطاء الذي نحن عليه، واذهبوا في نهار رمضان إلى أي مكان عمل لتجدوا الحركة بطيئة والكسل والخمول والنعاس واضح على الجميع، والحجة هي الصيام، وهي حجة ليست صحيحة، فكيف يتمكن من العمل والإنتاج بهمه ونشاط من جاء لعمله وقد نام ساعات قليلة؟ وهذا السهر الطويل والنوم القليل هو الذي خلق حالات النرفزة الواضحة على الجميع، وهو ما يؤدي إلى قلة إنتاجنا وخمولنا وكسلنا.
نفهم أن نطالب بتقليل ساعات الدوام دون تغيير مواعيده من أجل إتاحة وقت أطول للواحد منا أن يغتنم خيرات العبادة في هذا الشهر الفضيل، وليس من أجل أن نوفر ساعات للخلود والنوم والراحة معظم وقت النهار الذي وصفه، سبحانه وتعالى، بأنه وقت معاش وليس سباتا، وهذا ما تفعله كثير من المؤسسات وشركات القطاع الخاص، بل والحكومي أيضا والذي يبدأ من السابعة صباحا وحتى الواحدة بعد الظهر، وهذا هو وقت العمل المناسب.
أعرف مسبقا أن هذا الرأي لن يعجب كثيرين ويتعارض مع رغباتهم، وأولها عادة السهر طوال ليل رمضان من أجل السهر فقط، فنحن لا بد أن ندرك أن شهر الصوم العظيم الكريم لا يجب أن نجعله شماعة نعلق عليها خمولنا وبحثنا عن ساعات دوام تناسب هذه العادة السلبية، فالسهر الطويل الذي نراه حتى في غير شهر رمضان الكريم من العادات التي درجنا عليها بصفة عامة، فنحن لا نعرف النوم في الوقت المناسب من أجل أن نستيقظ ونحن في أوج طاقتنا وقدرتنا على العمل. ومع هذا ما زالت من المصرين على ألا نغير وقت الدوام مع تقصيره وأن نسعى إلى تحويل الليل إلى وقت سبات ونوم وراحة حتى نستطيع أن نجعل النهار للمعاش والعمل والإنتاج بكل همة ونشاط كما يأمرنا ديننا الحنيف. ولا أدري كيف تأصلت فينا عادة السهر معظم وقت المساء وعدم استغلاله في الراحة والنوم كما تفعل كل الشعوب الأخرى التي نرى الحياة فيها تقل وتهدأ مع أول ساعات المساء بغير ما هو حادث لدينا حيث تعج ليالينا بالصخب والحياة في الأسواق والشوارع وكأننا في مهرجان لا ينقطع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي