ماذا يُشترى بالمال؟
في كتابه الأخير المثير للاهتمام، ''ما لا يُشترى بالمال: الحدود الأخلاقية للسوق''، يشير مايكل ساندل فيلسوف جامعة هارفارد إلى نطاق من الأشياء التي يمكن شراؤها بالمال في المجتمعات الحديثة، ويحاول برقة تأجيج غضبنا إزاء هيمنة السوق المتنامية. لكن هل هو مصيب حقاً عندما يزعم أننا لا بد أن نشعر بالقلق والانزعاج؟
في حين يعرب ساندل عن خشيته من الطبيعة المُفسِدة لبعض المعاملات النقدية (هل ينمو لدى الأطفال حقاً حب القراءة عندما يرشوهم ذووهم لتشجيعهم على قراءة الكتب؟)، فهو يكشف أيضاً عن مخاوفه بشأن التفاوت في القدرة على الحصول على المال، وهو الأمر الذي يجعل من إجراء التبادلات التجارية باستخدام النقود ممارسة غير متكافئة على الإطلاق. وبشكل أكثر عموما، يخشى ساندل أن يؤدي التوسع في التبادلات النقدية التي تجريها أطراف مجهولة إلى تآكل التماسك الاجتماعي، ويدعو إلى الحد من الدور الذي يلعبه المال في المجتمع.
الواقع أن مخاوف ساندل ليست جديدة بالكامل، لكن الأمثلة التي ساقها تستحق التأمل. ففي الولايات المتحدة، تدفع بعض الشركات المال لعاطلين عن العمل للوقوف في الطوابير للحصول على تذاكر عامة مجانية لحضور جلسات استماع في الكونجرس. ثم يبيعون التذاكر لجماعات الضغط ومحامي الشركات الذين لديهم مصلحة تجارية في جلسات الاستماع، لكن مشاغلهم لا تسمح لهم بالوقوف في الطابور.
ومن الواضح أن جلسات الاستماع العامة تشكل عنصراً بالغ الأهمية في الديمقراطية القائمة على المشاركة. وينبغي لكل المواطنين أن يمكنوا بالقدر نفسه، لذا فإن بيع القدرة على الوصول إلى المال يبدو انحرافاً عن المبادئ الديمقراطية.
لكن المشكلة الأساسية رغم هذا هي النُدرة، فمن غير الممكن استيعاب جميع من في الغرفة الذين قد تكون لهم مصلحة في حضور جلسة استماع مهمة بشكل خاص. لذا فعلينا أن ''نبيع'' الفرصة للدخول. وبوسعنا إما أن نسمح للناس باستخدام وقتهم (بالوقوف في الطابور) للحصول على مقاعد، أو نطرح المقاعد على الناس بالمزاد في مقابل المال.
وتحديد أي الأمرين أفضل، بيع تذاكر الدخول في مقابل الوقت أو في مقابل المال، يعتمد على ما نطمح إلى تحقيقه. فإذا كنا نريد زيادة الكفاءة الإنتاجية للمجتمع، فإن استعداد الناس لدفع المال يُعَد مؤشراً معقولاً لمقدار ما قد يكسبونه إذا امتلكوا القدرة على الوصول إلى جلسات الاستماع.
ومن ناحية أخرى، إذا كان من المهم أن يرى المواطنون الشباب كيف تعمل ديمقراطيتهم، وأن نبني التضامن الاجتماعي من خلال جعل المسؤولين التنفيذيين عن الشركات يقفون في الطابور مع المراهقين العاطلين عن العمل، فمن المنطقي أن نرغم الناس على المزايدة على وقتهم بوقتهم وأن نجعل تذاكر الدخول غير قابلة للتحويل. لكن إذا تصورنا أن الهدفين ــ الكفاءة والتضامن ــ لا بد أن يلعبا دوراً ما، فربما ينبغي لنا أن نغض الطرف عن استئجار العاطلين عن العمل للوقوف في الطابور بالنيابة عن المحامين المشغولين، ما داموا لا يستأثرون بكل المقاعد.
لكن ماذا عن بيع الأعضاء البشرية، وهو مثال آخر يقلق ساندل؟ إن الأمر يبدو منافياً للأخلاق تماماً عندما تباع رئة أو كلية في مقابل المال. ورغم هذا فإننا نحتفي بكرم شخص غريب يتبرع بكليته لطفل صغير. من الواضح إذن أن نقل العضو البشري ليس هو السبب وراء غضبنا ــ فنحن لا نعتقد أن الشخص المتبرع جاهل بقيمة الكلية أو أن إقناعه بالتبرع بها تم بخداعه وتضليله. ولا نشعر - في اعتقادي - بعدم ارتياح إزاء دوافع الشخص الذي يبيع عضوا من أعضاء جسده ــ فهو يفارق جزءاً عزيزاً عليه ولن يعود إليه أبدا، في مقابل ثمن قد لا يقبله كثيرون منا.
وكلما ازداد عدد من يعتقدون أن من لديهم المال هم من يعملون بجد ويستحقون هذا، أصبحوا أكثر استعداداً للتسامح مع الصفقات في مقابل المال (ولو أن بعض الصفقات تتجاوز كل الحدود). لكن إذا تصور الناس أن أصحاب المال هم في المقام الأول أولئك من أصحاب الاتصالات القوية أو المحتالين، فإن تسامحهم مع الصفقات النقدية يتراجع كثيرا.
وبدلاً من التركيز على حظر الصفقات النقدية، فلعل الدرس الأكثر أهمية المستمد من الأمثلة التي ساقها ساندل هو أننا لا بد أن نعمل بشكل مستمر على تحسين الشرعية المتصورة لعملية توزيع المال.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012