تبرعات الخريجين.. نافذة لم تفتح بعد

ها هو يعاود اتصاله الذي اعتدت استقباله كل عام في مثل هذه الفترة، صوت شاب يتدفق حميمية يشعرك بأن قاسما مشتركا يقع بينكما، وما إن يحييك ويعرفك بنفسه حتى يدلف بذكاء في موضوع اتصاله.
موضوع اتصاله هو ذاته موضوع هذا المقال. فلقد اعتادت أكثر الجامعات في الغرب طلب تبرعات مالية من الطلاب الذين تخرجوا فيها، وتشير التقارير والدراسات إلى أن مثل هذا النوع من التبرعات يعد مصدرا رئيسا لدعم خزانة الجامعات، ولا سيما الجامعات المستقلة عن الحكومات. في بعض التجارب أصبحت الجامعات منافسا شرسا للمنظمات الخيرية، ففي أمريكا مثلا 14 في المائة من التبرعات السنوية تذهب للجامعات، بينما تستقبل الجامعات الأسترالية قرابة 7 في المائة. وبحسب مجلس مساعدة التعليم الأمريكي بلغت تبرعات الخريجين قرابة ثمانية مليارات دولار لعام 2011.
ومع أن الخريجين يغادرون مقاعد الدراسة، لكن نسبة كبيرة تبقى وفيَّة لجامعتهم، فالنسبة المتعارف عليها أن 40 في المائة من الطلاب يتجاوبون مع حملات جامعتهم لجمع التبرعات (هارفرد مثال على ذلك)، لكن عند بعض الجامعات قد يصل تجاوب الخريجين إلى 60 في المائة، وهذه نسبة مذهلة كما هو حال جامعة برينستون. ويختلف تجاوب الخريجين وسخاؤهم بحسب تخصصاتهم، في جامعة أكسفورد مثلا كانت 82 في المائة ممن استقبلتهم كلية إدارة الأعمال تبرعات من خريجي ماجستير إدارة الأعمال (MBA).
والسؤال الذي يمنعك من الاسترسال في ذكر مزيد من التجارب هو: لماذا يتبرع الخريجون وقد انقطعت صلاتهم بجامعتهم؟
تشير بعض الدراسات والتقارير إلى أن الخريجين يتبرعون لجامعتهم لأسباب عدة، منها استشعارهم بفضل الجامعة عليهم في تطوير شخصياتهم من النواحي الذهنية والسلوكية وبناء شبكة من العلاقات الاجتماعية والأصدقاء، فضلا عن الشهادة التي منحتهم إياها، وفتحت لهم أبواب حياة جديدة، ولا عجب أن تكون الجامعة جزءا من هوايات كثير من خريجيها، ولا سيما إذا كانت تجربتهم فيها ثرية وناجحة.
في مسح سريع على مواقع الجامعات السعودية، كانت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الجامعة الوحيدة التي لها تجربة في تبرعات الخريجين، بينما اكتفت بقية الجامعات بوحدة إدارية بمسمى مثل علاقات الخريجين تعنى بتقديم بعض الخدمات البسيطة لخريجيها، وفي ذلك تعطيل لمورد مالي مهم وسخي، يمنح الجامعة مزيدا من المرونة في دعم مشاريعها البحثية والتعليمية وخدمة المجتمع، بعيدا عن شروط الداعم الحكومي وبيروقراطيته.
حسنا، ماذا لو أرادت جامعة ما أن تبني برنامجا دائما لجمع التبرعات والهبات من الخريجين؟
ما يمكن الإشارة إليه في هذه العجالة هو أن تتبنى الجامعة -بحسب دراسات بحثية متواترة- استراتيجية تمكن الطالب في أثناء دراسته في الجامعة من الاندماج في الحياة الجامعية، وتفتح له المجال للمشاركة في صناعة القرارات والبرامج بصورة تعزز انتماءه للجامعة ولرسالتها، وتنمي مشاعره الإيجابية تجاهها.
عندما سألت محدثي في الهاتف عما يتوقعه مني؟ أجاب بأن زملائي الخريجين يتبرعون من خمسة إلى 500 ألف جنيه إسترليني!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي