أسعار النفط أدت إلى تحفظ في تقدير الإيرادات لمواجهة 2014

أسعار النفط أدت إلى تحفظ في تقدير الإيرادات لمواجهة 2014

تدخل السعودية عام 2014 وسط تحفظ وتحد كبير في تقدير حجم الإيرادات المتوقعة، وذلك تحسباً وتحوطاً من تراجع أسعار النفط وفقاً لما أشار إليه محللون ماليون واستراتيجيون تحدثوا لـ ''الاقتصادية'' عقب الإعلان السعودي أمس عن أكبر رصد للإنفاق وتوقع للإيراد بلغ حجم كل واحد منهما نحو 855 مليار ريال.
ويقدر المحللون متوسط أسعار النفط في عام 2014، بنحو 100 دولار للبرميل الواحد وبانخفاض يقدر بنحو سبعة دولارات لكل برميل من المتوسط الذي وصل إليه سعر البرميل الواحد خلال عام 2013، مشيرين إلى إنفاق السعودية نحو 150 مليون ريال كإعانة للوقود بشكل يومي يعد من التحديات التي يجب أن توجد لها الحلول اللازمة لتحويل حجم تلك الإعانة لصالح الإيرادات والإنفاق.
وأرجعوا ذلك إلى التوقعات والمؤشرات التي تتجه نحو التوقع بعودة إيران في منتصف عام 2014 بتصدير نفطها، وعودة العراق أيضاً إلى التصدير، بجوار وصول الحكومة الليبية إلى حل مع القبائل لفك الحصار عن الموانئ، واعتماد الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد من أكبر المستهلكين للنفط بشكل أكبر على النفط الصخري.
وحذروا من التوسع المتزايد في الإنفاق بشكل سنوي، خاصة أن الميزانية للعام الميلادي المقبل تشكل أعلى رقم سجل في التاريخ السعودي، مرجعين أسباب تحوطهم إلى الرغبة في عدم اللجوء على المدى المتوسط إلى الاحتياطات النقدية، التي من الممكن استهلاكها عند انخفاض أسعار النفط بشكل حاد في فترة وجيزة، نتيجة لارتفاع حجم النفقات الثابتة التي تصاحب ذلك التوسع المتزايد بشكل سنوي في حجم طرح المشاريع في كافة القطاعات المختلفة.
وتأتي التحليلات في وقت أكد فيه خادم الحرمين الشريفين خلال كلمته بمناسبة إعلان الميزانية العامة للدولة أمس، أن هناك إدراكا بأن الميزانية تأتي أقل مما يطمح إليه ويطمح إليه المواطن الغالي''، مبيناً أنهم عازمون على مواصلة الجهود لتأمين كل ما يحتاج إليه المواطن، وأن ما سينقص في الميزانية سيأتي من عند الله.
وقال لـ ''الاقتصادية'' الدكتور سعيد الشيخ كبير الاقتصاديين ورئيس الدائرة الاقتصادية في البنك الأهلي التجاري أن: ''استمرار السعودية في زيادة الإنفاق بشكل سنوي، سيحمل الدولة التزامات مالية مستمرة، ففي حالة اتخذ النفط توجهات معاكسة لما هو عليه الوضع حالياً من ناحية الأسعار أو كميات الإنتاج، سيضع السياسة المالية أمام تحدٍ''.
وعن التحدي في عام 2014 قال: ''لا شك أن الدولة لديها احتياطيات ضخمة تديرها مؤسسة النقد، وهي قد تفي بالحاجة في الميزانية لمدة ثلاثة أعوام مقبلة على أقل تقدير، ولكن يجب ألا نستمر في التوسع في زيادة الإنفاق الذي يشكل النفط من إيرادات الدولة له نحو 90 في المائة''، مفيداً بأن الرؤية لأسعار النفط في 2014 تشير إلى أن متوسط الأسعار للبرميل الواحد يتراوح عند 100 دولار مقارنة بما وصل إليه متوسط السعر في عام 2013 الذي قدر بنحو 107 دولارات لكل برميل واحد.
ولفت إلى أن التوقعات التي تشير إلى زيادة الفائض في الإنتاج والانخفاض في أسعار برميل النفط في العام المقبل، جاءت مبنية على مؤشرات تدل على إمكانية وجود زيادة في حجم إنتاج النفط العراقي، عودة إيران للإنتاج بشكل أكبر مما هو عليه الآن مع مطلع منتصف العام، ووصول ليبيا إلى حل مع القبائل التي تحاصر الموانئ في الوقت الحالي والتي قد تعيد إنتاجها إلى مستويات مرتفعة، وتزايد حجم إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية.
وحول التراجع في معدلات النمو بشكل كلي قال: ''صحيح أن هناك تراجعا في معدلات النمو، ولكن يرجع هذا التراجع بشكل أساسي إلى الانخفاض والانكماش في قطاع النفط خلال العام الماضي''.
ويرى أن معدل النمو بالأسعار الثابتة بلغ في ميزانية 2013 نحو 3.8 في المائة، وهو الرقم الذي يأتي ليوضح أن هناك بطئا مقارنة بالعام الماضي الذي سجل فيه معدل النمو 5.8 في المائة، مردفا: ''بالنسبة لمتوسط إنتاج النفط في عام 2012 كان عند قرابة 9.9 مليون برميل يومياً، ولكن متوسط بالنسبة لعام 2013 كان عند منطقة 9.6 مليون برميل يومياً، بمعنى أن هناك 400 - 500 ألف برميل أقل منه في العام الذي سبقه، وهذا ما يؤكد وجود انخفاض وانكماش في القطاع النفطي من حيث كمية الإنتاج''.
واستدرك: ''بالنسبة للقطاع غير النفطي هناك نمو، ولكن هذا النمو أبطأ من معدلات النمو لعام 2012، ويرجع ذلك إلى أن السعودية تنمو في معدلات قاعدة الحجم الاقتصادي الأكبر منه في سنة سابقة، حيث سجل القطاع الصناعي نموا قدر بـ 4.8 في المائة، وهو أقل بكثير من الذي سجل في العام الذي قبله، بينما سجل قطاع الإنشاء نحو 8 في المائة ويعد الأسرع بين القطاعات الأخرى، نظراً لحجم المشاريع التي يتم ترسيتها من قبل الحكومة خلال العام الحالي التي أيضاً كانت أقل منها عن حجم المشاريع التي رست في العام الذي سبقه''.
وأشار إلى أن السعودية ما زالت تتبع الهيكلة ذاتها في سلسلة الإنفاق على القطاعات الحيوية التي لم تشهد أي تغيير، وقال: ''ليس هناك أي تغيير يذكر في سلسلة الإنفاق هذه، فهناك خصص نحو 210 مليارات ريال و208 مليارات ريال لقطاع الصحة وبقية القطاعات الأخرى أيضاً أتت بزيادة، ولكن الملاحظ فعلاً هو نسبة الزيادة في قطاع التعليم المقدرة بنحو 3 في المائة''.
وتابع كبير الاقتصاديين ورئيس الدائرة الاقتصادية في البنك الأهلي التجاري: ''جاءت الزيادة في الإنفاق على التعليم في هذا العام أقل من المعتاد مقارنة بالعام الماضي الذي نما فيه هذا الإنفاق إلى 21 في المائة، وهو الأمر الذي قد ترجع أسبابه إلى أن الإنفاق من أجل البنى التحتية للجامعات وإنشاء المدارس وغيرها من الاحتياجات، قد أنفق لها في ميزانيات الأعوام الماضية، إلا أن هناك مشاريع ما زالت تحت التنفيذ وهناك مشاريع أخرى جديدة''، مردفاً: ''لا أقرأ أن هناك نقصا، ولكن قد يكون خفض الزيادة إلى إنجاز الكثير من المشاريع المتعلقة بالقطاع ووجود بعضها تحت التنفيذ''.
وأردف: ''بالنسبة للقطاع الصحي، فهناك نمو في الإنفاق بشكل مرتفع، وهناك أيضاً إعلان مستشفيات جديدة بجوار وجود ما يقارب 120 مستشفى جديد تحت التنفيذ، وهذا يدل على وجود التوجه الحقيقي لدى الحكومة، لزيادة الطاقة الاستيعابية للقطاع الصحي على الأقل أن هناك تقديرا لنحو 33 ألف سرير طبي تحت التنفيذ، ما يعني أن استكمال هذه المشاريع في قطاع الصحة سيحدث تغيراً كبيرا في القطاع الصحي من ناحية توفير الأسرة الطبية التي تواجه المملكة حالياً نقصاً حاداً فيها''. وأما الدكتور علي التواتي المحلل الاستراتيجي وأستاذ الاقتصاد والتمويل في كلية إدارة الأعمال في جدة، الذي كان الأقرب من حيث توقع الفائض في الميزانية السعودية بين العديد من المحللين، رجح رؤيته في التقدير على العديد من الاعتبارات الأساسية، التي كان من أبرزها العوامل السياسية في منطقة الشرق الأوسط، والتي رجحت كفة السعودية كثيراً تجاه الإيرادات.
وقال: عندما قدرت الفائض بنحو 300 مليار ريال قبل صدور الميزانية، بنيت ذلك على أسعار النفط وحجم الإنفاق التقديري لميزانية عام 2013 التي من المتوقع أن تبلغ زيادة المصروفات فيها نحو 105 مليارات ريال زيادة على المتوقع إنفاقه والمقدر بـ 120 مليارا، مشيراً إلى أن هذا الفائض المتوقع الذي كان في بداية العام الميلادي يأتي بتحفظ، خدمته تلك العوامل السياسية التي عاناها الشرق الأوسط خلال العام الماضي.
وأشار إلى أن المملكة خلال العام الماضي كان أمامها فرصة ذهبية، كان من بينها، العقوبات التي كانت مفروضة على إيران وكانت تمنعها من تصدير ما لا يزيد عن 20 في المائة من إنتاجها، كذلك كانت العراق لديها مشكلات وكذلك ليبيا ونيجيريا، وهو ما يصب كله في صالح المملكة، حيث تعد الظهير الرئيس لكل الدول المصدرة للنفط.
ودعا التواتي المملكة إلى الاستفادة من إنتاجها من النفط خلال الوقت الراهن، الذي يجب أن يصاحبه ترشيد في استخدامها المحلي من النفط الذي يستحوذ على 30 في المائة من إنتاجها وبدعم مالي يصل إلى نحو 150 مليون ريال يومياً، منوها بضرورة أن تعمل المملكة جاهدة على استخدام مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية والغاز وغيرهما، والانتهاء من تنفيذ وإنجاز شبكات النقل العام التي بدورها توفر من استهلاك الوقود للمركبات.
واستدرك: ''أكاد أن أجزم بأنه لن يتكرر للمملكة فرصة مثل التي كانت متاحة لها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولذلك على الحكومة أن تحسن استغلال ما حققته من فوائض في تلك الفترة''، متوقعا أن تشهد أسعار النفط انخفاضا خلال العام المقبل، مع زيادة المعروض، وإن كان يتوقع أن المملكة لا تزال في أمان من التأثر سلبيا بشكل كبير بذلك على المدى القصير.
من جهته قلل الدكتور إحسان بو حليقة رئيس مركز جواثا الاستشاري، من إمكانية مواجهة القطاعات الحكومية حجم ذلك الإنفاق الهائل الذي تضخه الدولة نحو تنفيذ المشاريع المختلفة، خاصة التنموية منها، وقال: ''التحدي اليوم يقف أمام الجهات الحكومية التي تعاني بعض مشاريعها تأخراً أو تعثراً، لعدم قدرتها على مواجهة حجم الإنفاق المتزايد سنوياً، الأمر الذي معه يجعل من المطالبة بعودة وزارة الأشغال أمراً مطروحاً''.
وقال في حديثه لـ ''الاقتصادية'': السعودية في تحفظها في تقدير إيراداتها ووجود الموازنة هذا العام في تقديرها لحجم الإيرادات والإنفاق، يعود إلى التحوط تجاه أسعار النفط وكميات الإنتاج، وذلك لكون سوق النفط سوقا متذبذبة نتيجة لكون سلعة النفط سلعة استراتيجية من جهة، ومن جهة أخرى تتأثر بأي أوضاع جيوسياسية''.

الأكثر قراءة