بريطانيا مقبلة على طفرة استثمارية في قطاع الطاقة الشمسية
يوماً بعد آخر تتزايد أعداد أسطح المنازل البريطانية المغطاة بألواح توليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، وتتصاعد أعداد الشركات التي تطرح إعلانات باستعدادها لتحويل منزلك بأكمله للاعتماد في سد احتياجاته من الكهرباء على ألواح الطاقة الشمسية.
وتظهر أرقام صدرت حديثاً بلوغ حجم الاستثمار الكلي في قطاع الطاقة الشمسية في بريطانيا خلال الفترة من 2010-2013 ما يقارب 11 مليار دولار أمريكي، وسط توقعات بأن يشهد طفرة استثمارية كبيرة خلال الفترة المقبلة، وعلى الرغم من هذا فإن رابطة المستثمرين والشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية ترى أن هناك غيوماً في الأفق قد تحجب عن تلك الصناعة قدرتها المستقبلية على النمو بمعدلات مرتفعة.
وعلى الرغم من الغيوم التي تحجب الشمس عن سكان بريطانيا معظم أوقات العام، إضافة إلى الأمطار المتساقطة بشكل شبه يومي، إلا أن ذلك لم يمنع من تنامي اتجاه عام للاعتماد على الطاقة الشمسية في توفير احتياجات المواطنين من الكهرباء.
وشجع ذلك العديد من المستثمرين في هذا المجال في التوجه بقوة إلى الأسواق البريطانية، يحركهم في ذلك ليس فقط عوامل جذب في تلك الأسواق كمعدل النمو الاقتصادي المرتفع وتزايد الطلب على الطاقة، وارتفاع أسعارها، بل أيضاً عوامل طرد لاستثماراتهم في بعض أكبر البلدان المستخدمة للطاقة الشمسية في أوروبا، ومن أبرزها ألمانيا أكثر بلدان القارة اعتماداً على الطاقة الشمسية، حيث تغطي أكثر من ثلث احتياجاتها من الطاقة عبر الألواح الشمسية، ما جعلها مكتظة بالمتنافسين في هذا المجال، وأضعف ذلك من معدلات الربحية والجاذبية الاستثمارية فيها.
ونفور المستثمرين من الأسواق الإسبانية في أعقاب قرار الحكومة إلغاء الدعم المقدم لتوليد الطاقة عبر ألواح الطاقة الشمسية، والتراجع الراهن في معدلات نمو الاقتصاد الإيطالي وانخفاض الطلب على ألواح الطاقة الشمسية، كل هذا دفع بالمستثمرين إلى اعتبار بريطانيا قبلتهم في المرحلة المقبلة.
وقال "تيمبسون دمين" الخبير في مركز الدراسات الإلكترونية لـ"الاقتصادية"، إن التطورات التكنولوجية الأخيرة في توليد الكهرباء عبر ألواح الطاقة الشمسية، فتح آفاقاً واسعة للاستثمار في الأسواق البريطانية، فالمعلوم أن معدلات سطوع الشمس في بريطانيا تعد محدودة مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى، وهذا كان أحد العوائق المهمة أمام تشجيع المواطنين على سد احتياجاتهم من الطاقة عبر ألواح الطاقة الشمسية.
والآن الوضع اختلف نسبياً، فالتقنيات الجديدة تعتمد على خفض استخدام المعادن الثقيلة مما يوفر التكلفة، إضافة إلى التطور الضخم الذي شهدته تقنية امتصاص الضوء بشكل أفضل.
وأثرت التطورات التكنولوجيا الإيجابية في هذا المجال في دعم مجموعة من العوامل الاقتصادية التى وقفت وراء الانتعاش الراهن في الأسواق البريطانية للطلب على ألواح الطاقة الشمسية، فالدعم المتواصل من قبل الحكومة لشركات إنتاج ألواح الطاقة الشمسية منذ عام 2010 وحتى الآن، وتوفير خطط حكومية طويلة الأمد في هذا المجال، وطرح مجموعة حزم تمويلية تشجيعية للتحول من مصادر الطاقة التقليدية إلى استخدام الطاقة الشمسية، وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة في المملكة المتحدة، وكل هذا دفع بالعديد من المواطنين للبحث عن بدائل أخرى لتوفير احتياجاتهم اليومية من الكهرباء بعيداً عن الأساليب التقليدية.
وانعكست تلك العوامل المحفزة بشكل إيجابي على زيادة توليد بريطانيا للطاقة عبر الألواح الشمسية، ففي عام 2012 ولدت بريطانيا أقل من 100 ميجا وات من الطاقة الشمسية وهو ما كان يكفي لسد احتياجات بلدة متوسطة الحجم، والآن تولد المملكة المتحدة ما يراوح بين 3.2 و4 جيجا بايت، ويتوقع أن تتجاوز بريطانيا ألمانيا وتصبح أكبر بلد أوروبي يمتلك ألواحاً شمسية، حيث يرجح أن يكون نحو 6 في المائة من ألواح الطاقة الشمسية الجديدة التي ستثبت حول العالم موجودة في المملكة المتحدة.
ويشير "نيك فلومر" نائب الرئيس التنفيذي لرابطة المستثمرين والشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية لـ"الاقتصادية"، إلى أن بعض التصريحات الحكومية لم تكن مشجعة أبداً، ففي شهر نيسان (ابريل) الماضي صرح وزير الطاقة أن الدعم الحكومي الراهن المقدم للشركات الكبرى ربما يلغى قبل الموعد المقرر له، وذلك في إطار السياسات المقترحة لميزانية تقشفية في مجال الطاقة، مضيفاً أن مثل هذا التوجه لن يشجع المستثمرين على الاستثمار في الأسواق البريطانية على الرغم مما تحمله من آفاق واعدة
ودفعت تلك المخاوف بتحالف ضم 150 من كبريات الشركات البريطانية العاملة في صناعة الطاقة الشمسية بإرسال رسالة لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشأن المخاطر، التي يمكن أن تنجم عن توجهات حكومته، وحثت الرسالة رئيس الوزراء على تأمين مستقبل تلك الصناعة في ضوء التقديرات الراهنة، التي تتوقع أن تبلغ قيمة صناعة الطاقة الشمسية على المستوى العالمي نحو 78 مليار استرليني بحلول عام 2020، وأن على الحكومة أن تتبنى سياسات تشجيعية لاستقطاب المزيد من رؤوس الأموال الدولية.
ودفعت حالة الاحتقان الراهن بين الشركات والمستثمرين العاملين في مجال صناعة الطاقة الشمسية في بريطانيا من جانب والحكومة من جانب آخر، دفعت ببعض الشركات إلى رفع دعوى قضائية ضد الحكومة بشأن اقتراحها بوقف الدعم عن شركات الطاقة الشمسية الكبرى بداية العام المقبل.
وسيؤدي إقدام الحكومة على تلك الخطوة في التأثير على نحو 200 شركة بريطانية وتراجع توليد الطاقة في بريطانيا عبر ألواح الطاقة الشمسية، واعتبر بعض المستثمرين في هذا المجال أن الحكومة البريطانية تنحاز في تفضيلاتها في مجال الطاقة المتجددة إلى الطاقة المتولدة من مزارع الرياح أكثر من اهتمامها بالطاقة الشمسية.
ويدعو عدد من الاقتصاديين الحكومة إلى عدم تجاهل الإمكانات الواعدة في صناعة الطاقة الشمسية وخاصة في مجال التوظيف، وأوضحت الدكتورة "ريبكا يالوب" من معهد تطوير الصناعات الصغيرة لـ"الاقتصادية"، أن الغالبية العظمى من شركات الطاقة الشمسية في بريطانيا هي شركات تكنولوجية صغيرة ومتوسطة الحجم، وتوفر 16 ألف فرصة عمل حالياً. وجزء كبير من العمالة التي تعمل في تلك الصناعة تدخل ضمن شريحة العمالة شديدة المهارة، والالتزامات الدولية المفروضة على بريطانيا من قبل الاتحاد الأوروبي تلزم لندن بأن يتم توفير 15 في المائة من احتياجاتها من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2020.
ويعني هذا أن صناعة الطاقة الشمسية في حاجة إلى توظيف نحو 15620 عامل من الآن وحتى موعد هذا الالتزام، وهذا لن يتم إلا من خلال بوتقة من السياسات الحكومية الداعمة، ومع هذا فإن تزايد قلق المستهلكين في أوروبا عامة وبريطانيا خاصة من الارتفاع المتواصل في تكاليف الفاتورة الشهرية للطاقة، يدفع بلندن إلى البحث عن كل سبيل لزيادة إنتاجها من الطاقة الشمسية، ليس فقط من منطلق حسابات انتخابية وتخفيض العبء على المواطن، ولكن أيضاً لأسباب تتعلق بالأمن القومي ومحاولة الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.