الصحف العالمية تودع الملك عبد الله وتستبشر خيرا بالملك سلمان

الصحف العالمية تودع الملك عبد الله وتستبشر خيرا بالملك سلمان
الصحف العالمية تودع الملك عبد الله وتستبشر خيرا بالملك سلمان
الصحف العالمية تودع الملك عبد الله وتستبشر خيرا بالملك سلمان

مثل رحيل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز فاجعة حقيقية في أوساط عديد من السياسيين والأكاديميين والإعلاميين البريطانيين المتابعين لشؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وعلى الرغم من أن الصحف البريطانية الصادرة أمس، لم تلحق بنبأ الوفاة، فإن القنوات التلفزيونية كانت بطبيعة الحال الأسرع في التعامل مع الخبر.

وقطعت معظم القنوات الإخبارية الإنجليزية البث المباشر، وتعاملت مع خبر الوفاة كخبر عاجل، وقامت بنقل لقطات تلفزيونية للبيان السعودي بشأن رحيل الملك عبد الله، مع استضافة محللين ومعلقين من منطقة الشرق الأوسط أو في بريطانيا لإلقاء الضوء على الحدث وأبعاده وتداعياته، ولتعريف المشاهدين بما قدم الملك الراحل للسعودية وللشرق الأوسط وللعالم، وللتعرف على منطق وتفكير ورؤية العاهل السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز.

إلا أن مواقع الإنترنت كانت أكثر كثافة وعمقا في التركيز على الحدث من زوايا متعددة ومختلفة. فموقع هيئة الإذاعة البريطانية باللغة الإنجليزية تناول الخبر على ثلاث صفحات باعتباره الخبر الرئيسي، فقد كان رحيل الملك عبد الله الخبر الأساسي في الصفحة الرئيسية وكذلك الصفحة المعنية بشؤون العالم، وكذلك صفحة شؤون الشرق الأوسط. الموقع الذي يعد الأكبر والأكثر أهمية في بريطانيا لم يقف عند حدود نشر الخبر، بل أرفقه بسلسلة من الموضوعات التحليلية، وكذلك تفاصيل حياة الملك الراحل، إضافة إلى تقرير تفصيلي عن الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز.

الاهتمام بالحدث وقراءة تداعياته على الشرق الأوسط والعالم، كان واضحا في الموقع المنافس لهيئة الإذاعة البريطانية، سكاي نيوز، حيث احتل خبر رحيل الملك عبد الله وتولي الملك سلمان العرش الصفحة الرئيسية.

الدكتور ريتشارد فيتش أستاذ مادة الإعلام المقارن في جامعة ديرهام، والاستشاري السابق في برنامج الأمم المتحدة للتطوير الإعلامي يقيم لـ "الاقتصادية" كيفية تعامل وسائل الإعلام البريطانية مع رحيل الملك عبد الله وتولي الملك سلمان العرش، ويقول "هناك مجموعة من العوامل حكمت منطق التغطية الإعلامية البريطانية للحدث، أولا: الدور المميز الذي لعبه الملك الراحل في الشأن الدولي والإقليمي خلال سنوات حكمه، وحتى في فترة ولايته للعهد، العامل الثاني: يرتبط بأسلوب إدارة الملك للمملكة، وقيامه بعملية إصلاح ضخمة ليس فقط على المستوى الاجتماعي، ومنح المرأة مزيدا من الحريات في إطار المنظومة الثقافية الخاصة بالسعودية، ولكن على المستوى الاقتصادي أيضا بما ترك آثارا ملحوظة في ارتفاع مستوى معيشة المواطن السعودي، العامل الثالث: وينبع من القواسم المشتركة بين رؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز ولندن في قضايا أساسية مثل مكافحة الإرهاب"، ويضيف "بدا واضحا سعي التغطية الإعلامية البريطانية لتجهيز الأرضية للمشاهد في المملكة المتحدة للتعرف بصورة أقرب على العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز، وذلك في إطار الأهمية التي تحظى بها المملكة العربية السعودية بالنسبة لبريطانيا على كافة المستويات".
#2#
الصحفي أرسل سايمونز والمختص في شؤون الشرق الأوسط يعتبر أن التغطية الإعلامية البريطانية تتناسب تماما مع الحدث وأهميته، ولـ "الاقتصادية" يعلق قائلا "على الرغم من أنه لا يوجد تنسيق بين الحكومة ووسائل الإعلام على سبيل المثال في مثل هذه القضايا، إلا أن أسلوب التغطية الإعلامية للحدث كشف التقدير الكبير والفهم الواضح للدور الذي قام به الملك عبد الله في إدارة شؤون المملكة بما وضعها في مصاف القوى الكبرى المؤثرة في الخريطة الدولية"، ويضيف "تركيز المحللين في القنوات البريطانية على وصف الراحل بأنه صوت الإسلام المعتدل، ومدافع عن السلام والتسامح، إضافة إلى صلابة موقفه واستباقه قادة دوليين بالتحذير من خطر الإرهاب وتناميه، يكشف عن تقدير ليس فقط للرجل، ولكن لأهمية الدور السعودي خاصة في ضوء الاستقرار الذي تتمتع به المملكة مقارنة بعديد من دول الجوار الجغرافي والإقليمي".

الاستقرار والسلاسة التي تم بها انتقال السلطة في المملكة من الملك الراحل إلى الملك سلمان بن عبد العزيز، كان محل تقدير كبير من قبل الإعلام والمحللين السياسيين في المملكة المتحدة. إذ كشف ذلك من وجهة نظر الأكاديميين الذين استطلعت "الاقتصادية" آراءهم، تمتع المملكة باستقرار مؤسسي عميق، يجعلها حجر الزاوية للنظام العربي، ويضمن للمجتمع الدولي أن الأوضاع المضطربة حاليا في الشرق الأوسط، منذ انفجار ما يعرف بالربيع العربي وسيطرة قوى التطرف بل وقوى إرهابية على مسار التحركات الشعبية، أن يتم التصدي لها من خلال طرح النموذج السعودي كنموذج للاستقرار الإقليمي.

ولـ "الاقتصادية" يعلق الدكتور بايرون ميللند أستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة كمبريدج، المختص في شؤون منطقة الخليج العربي، الذي سبق له أن قام بعدد من الزيارات للمملكة في فترات مختلفة، يعلق قائلا "السعودية ليست دولة وليدة، إذ إن عمرها يمتد قرابة قرن، وقد نجحت في تأصيل نظام مؤسسي خاص بها يتلاءم مع قيمها العربية والإسلامية، ويأخذ بقيم الحداثة دون تعارض مع المنظومة الثقافية للمملكة.

وقد بدا هذا واضحا بشكل كبير في عملية الانتقال السريع والهادئ للسلطة في الرياض، ومن ثم فالنظام القائم في السعودية نظام سياسي متماسك ومحكم ومتكامل الأركان، وعملية البيعة تعبير عن تمسك آل سعود بكل من الموروث العربي والإسلامي كمحدد رئيسي فاعل وفعال لإدارة شؤون الحكم"، ويضيف "نلاحظ أن السلطة انتقلت إلى الملك الجديد بطريقة متفق عليها قبل عام تقريبا، وطبقت بحذافيرها، ومن ثم فإن عملية انتقال السلطة تكشف أن النظام السياسي في السعودية تم تسليمه من رجل دولة إلى رجل دولة آخر وفق معايير داخلية متفق عليها بالإجماع".

وحول الملك الجديد والدور المنوط به داخليا وإقليميا ودوليا، فإن عددا من الصحفيين والأكاديميين أعربوا لـ "الاقتصادية" عن آرائهم. فالصحفي البريطاني بيتر جوردن المختص في شؤون الشرق الأوسط الذي سبق له حضور عدد من المؤتمرات والقمم، شارك فيها الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد، يعبر عن انطباعه بالقول "يتمتع الملك سلمان بن عبد العزيز بميزتين رئيسيتين تمكنانه من تحقيق قفزات ضخمة للمملكة في الفترة المقبلة، وإحداث تغيرات ملموسة على الساحتين الداخلية والخارجية، الميزة الأولى تعود إلى توليه منصب أمير الرياض لما يقارب من 50 عاما، ويجعله هذا على اتصال مباشر ودقيق بآمال وآلام وطموحات الشعب السعودي، ومعرفة تفصيلية بنبض السعوديين من كافة الأعمار، ويجعله على معرفة محكمة بالجوانب الاجتماعية والاحتياجات المباشرة للمجتمع، ويمكنه هذا كله من امتلاك القدرة على طرح توليفة حقيقية من الإصلاحات الممكن استيعابها اجتماعيا بسلاسة، الجانب الآخر وهو النابع عن توليه مناصب قيادية في المملكة، أبرزها منصب وزير الدفاع، وهو ما يجعل لديه خبرة كبيرة مطلوبة بإلحاح الآن، في ظل التحديات المختلفة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط حاليا"، ويستدرك "يضاف إلى ذلك ما يمكن أن نطلق عليه مجموعة المزايا الشخصية للملك الجديد، وجميعها تلعب دورا فعالا في تسهيل التفاعل سواء مع نظرائه من قادة المنطقة والعالم، أو مع المسؤولين في الداخل، فهو يتمتع بإرث ثقافي وقدرة عالية على المتابعة، ولا شك أن هذه العوامل تمكنه ليس فقط من التعرف على تفاصيل المشهد السياسي المعقد، وإنما طرح رؤية للتعامل مع الواقع الراهن".
#3#
الاهتمام بالحدث السعودي لم يكن حكرا على الإعلام البريطاني بل امتد إلى كافة وسائل الإعلام الغربية، ففي صحيفة ذا نيويورك تايمز الأمريكية واسعة الانتشار، احتل خبر رحيل العاهل السعودي قلب الصفحة الأولى لموقع الصحيفة على الشبكة العنكبوتية وتحت عنوان "الملك عبد الله قوة حكيمة شكلت السعودية العربية يرحل عن عمر يناهز 90 عاما". استشهد كل من دوجلاس مارتن وبن هابرد بتعليقات الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن العاهل السعودي الراحل التي جاء فيها "لقد عملت بلداننا معا لمواجهة عديد من التحديات، وأنا دائما كنت أقدر منظور الملك عبد الله، وأعربت عن تقديري لصداقتنا الحقيقية والحارة دائما، إنه كزعيم كان دائما صريحا وكان شجاعا في قناعاته".

وأشار كاتبا المقال إلى الطابع العربي للملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ورفضه أن ينادى "بجلالتكم" وعدم ترحيبه بعادة تقبيل الأيدي، وسعيه الدائم لإحداث التوازن بين القيم الموروثة من ثقافة القبائل العربية والحداثة، وكذلك حرصه على الاستماع لصوت المواطن بشكل مباشر للتعرف على مشكلاته وطموحاته.

وحول أسلوب تعامل الصحافة الأمريكية مع رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، يعلق الدكتور ريتشارد فيتش أستاذ مادة الإعلام المقارن في جامعة ديرهام لـ "الاقتصادية" قائلا، "نلاحظ أن الصحف الأمريكية ركزت أكثر على دور الملك عبد الله في قضية التحديث داخل المملكة دون الخروج عن القيم العربية الإسلامية، إضافة إلى صلابة موقفه وشموليته في التصدي للإرهاب"، ويضيف "صحيفة ذا نيويورك تايمز على سبيل المثال أشادت بأن رؤيته لم تقف عند مكافحة الإرهاب على الجانب الأمني، وإنما سعى إلى أن يقوم رجال الدين بتوعية الشباب بتناقض تعاليم الدين الإسلامي مع الإرهاب، ومطالبته رجال الدين بالحديث بصوت عال ومسموع في هذا الشأن، وهنا نرى أن الملك الراحل أراد معالجة القضية من الجذور".

ومع هذا فإن الصحيفة الأمريكية ترى أن إنجازات الملك الراحل على الرغم من تنوعها، فإن برنامجه التعليمي وإرسال عشرات الآلاف من المبتعثين السعوديين للخارج يعد أبرز إنجازات الملك الراحل التي ستغير وجه المملكة نحو مزيد من التطور والتقدم في المقبل من السنوات.
صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية وضعت الحدث في مقدمة صفحتها الأولى أيضا، وتحت عنوان "إقامة جنازة لملك السعودية .. والملك الجديد يقرب جيل الشباب من العرش" فضلت الصحيفة أن تعالج الموضوع من زاوية سلاسة انتقال الحكم ورؤية الملك سلمان بن عبد العزيز للمستقبل. وأخذت الصحيفة مقتطفات من تصريحات الملك سلمان، قال فيها "سنواصل التمسك بالسياسات الصحيحة التي اتبعتها المملكة منذ تأسيسها".

ولـ "الاقتصادية" يعلق الصحفي البريطاني ستانلي جيمسون على ذلك بالقول "إدراك الإعلام الأمريكي أهمية المملكة كحليف استراتيجي ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضا في قضايا دولية رئيسية، كالحرب على الإرهاب، والنفط، يجعل هناك متابعة دقيقة لكل كلمة تصدر من رأس الهرم في المملكة. واختيار الصحيفة لهذا المقطع تحديدا من كلمة الملك السعودي الجديد ترمي إلى التأكيد للمواطن الأمريكي أن السعودية على الرغم من رحيل الملك عبد الله وتولي الملك سلمان ستظل الحليف الرئيسي لواشنطن، وأن هذا التحالف لا ينبع فقط من القدرات الاقتصادية الضخمة التي تمتلكها المملكة بالهيمنة على 25 في المائة أو أكثر من النفط العالمي، ولكن ينبع في الأساس من الاستقرار السياسي الذي تتمتع به، وهو ما بدا واضحا من الانتقال السلس للسلطة، وضخ دماء جديدة في منظومة الحكم، والتأكيد على مواصلة الإصلاحات، ولكن وفقا للثقافة السعودية وبالسرعة التي يتحملها المجتمع ودون إملاءات خارجية".

وبقدر ما احتلت سلاسة انتقال السلطة في السعودية اهتمام الصحفيين والأكاديميين في بريطانيا، بقدر ما كان السؤال حول تأثير الحدث السعودي في الاقتصاد العالمي خاصة في مجال الطاقة والنفط محور اهتمام كثير من الاستراتيجيين ووسائل الإعلام. فموقع صحيفة الواشنطن بوست نشر تقريرا على صفحته على الإنترنيت تحت عنوان "رحيل العاهل السعودي من غير المحتمل أن يغير إنتاج السعودية الكبير من النفط" وإذ اعتبر معظم المراقبين أن أسواق النفط قد تعتريها تغيرات طفيفة هنا وهناك، فإن الإجماع كان واضحا بشأن استبعاد حدوث تغيرات جوهرية في السياسة النفطية السعودية، الرامية دائما إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق، عبر آليات السوق الحر، بما يحقق مصالح المستهلكين والمنتجين في آن.

ولـ "الاقتصادية" يعلق المختص الاستراتيجي آر.دي. بيكوت قائلا "السعودية دولة لا تتعامل بردود الأفعال، والملك سلمان على دراية تامة بالدور السعودي لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي، وكان من الواضح خلال رؤيته التي طرحها في قمة العشرين أنه بقدر سعيه الدائم للنهوض بمستوى معيشة المواطن السعودي، وهو ما كان واضحا في التطورات التي شهدتها مدينة الرياض خلال توليه إمارتها، فإنه حريص أيضا على استقرار الاقتصاد العالمي، خاصة أسواق النفط"، ويضيف "من المؤكد بالنسبة لي أن رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز ستعمل ضمن الإطار العام الذي وضعه الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، لكنها ستأخذ في الحسبان أيضا التغيرات الجارية في الاقتصاد الدولي بما يحقق مصلحة المملكة واستقرار الأسواق".

الأكثر قراءة